تبدو حركة النهضة في طريق مفتوح نحو الفوز بالتشريعية القادمة، هذا الفوز قد يكون ساحقا بالنظر إلى المعطيات الموضوعية المتوفرة لكن قد يتم قطع الطريق أمامها والحد من حظوظها إذا توفرت بعض الأسباب رغم صعوبة توفرها وتجمعها: تونس الشروق: من الفوز الساحق في انتخابات المجلس التأسيسي إلى الاكتفاء بالمرتبة الثانية في تشريعية 2014. لتراجع النهضة يعود في جزء بسيط منه إلى خسارة أصوات ناخبيها غير المنضبطين أي أولئك الذين ندموا على التصويت لها في انتخابات التأسيسي، لكن السبب الأهم في ظهور حزب النداء الذي قدم مشروعا مختلفا عن مشروعها واستطاع أن يستقطب نسبة عالية من أعدائها. لم يكن «نداء تونس» يملك أنصارا تقليديين ولا مخزونا انتخابيا خاصا به بما أنه كان حديث العهد بالولادة ولكنه كان الوجهة الفضلى في «التصويت المفيد» أملا من أصحابه في كسر شوكة النهضة وحرمانها من الفوز. وقد كان بإمكان هذا التوجه الانتخابي أن يخلق نواة لقاعدة منضبطة وأن تتطور وتتدعم فيكون للحزب أنصاره وقاعدته الواسعة جدا مثله مثل النهضة والتجمع الدستوري الديمقراطي قبل حله قانونيا لكن الحزب لم يحافظ على وحدته فخسر قاعدته قبل تشكلها: ضياع المشروع لنا اليوم بقية باقية من حزب النداء بقيادة حافظ قايد السبسي ومجموعة من الأحزاب التي تفرعت عنه مثل حركة المشروع (محسن مرزوق) وبني وطني (سعيد العايدي) والمستقبل (الطاهر بن حسين) وتونس أولا (رضا بلحاج) بالإضافة إلى تحيا تونس المحسوبة على رئيس الحكومة يوسف الشاهد. لم تكن هناك قاعدة انتخابية منضبطة حتى نتحدث عن انقسامها وتشتتها بل كان هناك جمهور انتخابي وجد ضالته في مشروع حزبي فاتبعه، وهذا الجمهور لن يلازم ما بقي من «النداء» لأنه لم يلتزم بالمشروع الهدف ولن يتوجه إلى بقية الأحزاب التي «فرّخها» النداء الأم لأنها لا تملك الهدف أصلا. هذا الهدف يتمثل في وجود حزب قوي قادر على تقديم مشروع حداثي وتقدمي ومدني مختلف تماما عن مشروع حركة النهضة وهو ما تفتقده جميع الأحزاب سالفة الذكر. بلا منافس لن يطمئن الناخب غير المنضبط إلى ما تبقى من النداء حتى يصوت له لأنه بصيغته الحالية (الإقصاء ودوام الخلافات الشخصية داخليا والشعبوية في تحديد علاقة واضحة ودائمة مع حركة النهضة...) مختلف تماما عن المشروع الندائي الذي استهوى خصوم النهضة. في الآن ذاته لن يتوجه النائب إلى بقية الأحزاب الندائية لأنها لا تملك القوة الكافية للمنافسة فالتصويت المفيد يتطلب بالضرورة إسناد الحزب القوي القادر على المنافسة الحادة. سيختلف الأمر نسبيا مع حركة تحيا تونس فهي تتبع خطوات النداء في مرحلة تأسيسه لكن العائق الوحيد أنها لم تعلن نفسها خصما عنيدا للنهضة ولم تقدم برنامجا بديلا لها حتى تستقطب من يعادونها. في ما عدا هذا ليس بإمكان أي حزب آخر في اليسار أو الوسط أو اليمين أن ينافس النهضة حتى عدوها اللدود الجبهة الشعبية ذلك أن المنافسة لا تحتاج العداوة فحسب وإنما أيضا التطور والتأقلم وتحديث الخطاب وأقلمة المشاريع والبرامج والأهداف وهو ما فشلت فيه الجبهة حتى اليوم لهذا تبدو النهضة في طريق مفتوح نحو الفوز الساحق بالتشريعية إلا إذا تجمع سببان معا. في انتظار «حماقة» السبب الأول يتعلق بالنهضة وفحواه أن ترتكب حماقة سياسية تؤلب الرأي العام ضدها كأن تحشر نفسها سياسيا وحزبيا في أزمة المدرسة القرآنية القائمة حاليا، فالاصطفاف وراء المتعاطفين مع المدرسة يرضي أتباعها الجاهزين سلفا للتصويت لها لكنه يؤلب عليها الحداثيين والمدنيين والتقدميين فتدفعهم إلى التصويت ضدها حتى إن كانوا غير متحمسين حاليا للمشاركة في الانتخابات. أما السبب الثاني فيتعلق بخصومها ومفاده أن يتجمعوا في حزب واحد أو ائتلاف انتخابي واحد لضمان عدم تشتت الأصوات المناهضة للنهضة كأن يتم مثلا إفراغ محتوى النداء الحالي في حركة تحيا تونس واقناع بقية الأحزاب المتفرعة عن النداء الأم بالاندماج في الحركة الجديدة ثم توسيع الاندماج على الأحزاب القريبة نسبيا مثل آفاق تونس والجمهوري والمسار قبل إقامة تحالف انتخابي مع خصوم النهضة مثل الجبهة الشعبية والحزب الدستوري الحر… في مشهد سياسي محكوم بالزعامة السياسية ويرفض فيه كل طرف أن يتنازل لزعيم آخر تبدو الاندماجات والتحالفات صعبة زد عليه أن النهضة اكتسبت من الخبرة ما يحميها من ارتكاب الحماقات السياسية فيصبح الفوز عليها في التشريعية القادمة أقرب إلى الخيال لاسيما وقد ولى زمن المعجزات.