رفع الحصار أو تخفيفه حق لأهل غزة وواجب على كل فلسطيني وعلى كل إنسان حر لأنه حصار جائر وظالم أدى الى تدمير الاقتصاد وإفقار العباد وإذلال الشعب. كما أنه جزء من مخطط لفصل غزة عن الضفة وتدفيع أهالي القطاع ثمن مقاومتهم وتصديهم للاحتلال. ولكن، لو فكرنا مليا في الآليات أو المشاريع لإنهاء الحصار، خارج إطار المصالحة الوطنية الشاملة التي تُعيد الوصل بين الضفة وغزة كوحدة جغرافية وسياسية بما يحافظ على الهوية الوطنية للقطاع، فإن تخوفات كبيرة تنتابنا خصوصا أن ما جرى ويجري تحت عنوان تخفيف الحصار وتحسين المستوى المعيشى لأهالي غزة ثمنه وقف المقاومة وحتى مسيرات العودة السلمية وتكريس الفصل. الأمر الذي سيؤدي الى أن يكون ثمن تخفيف الحصار أو رفعه أسوأ من الحصار ذاته. وهذا ما حذرنا منه منذ سنوات. عندما تأتي الدعوات الى رفع الحصار بذرائع الوضع الإنساني من أطراف مثل واشنطن وإسرائيل وبعض الدول العربية وخصوصا قطر، ودون التنسيق مع السلطة الوطنية الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية حيث الأولى صاحبة الولاية القانونية على قطاع غزة والثانية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني وسكان غزة جزء من هذا الشعب، وعندما تتزامن هذه الدعوات مع طرح صفقة القرن والإفشال المقصود لجهود المصالحة …. فإن وراء الأكمة ما وراءها، وما وراء الأكمة مشروع لتصفية القضية الوطنية برمتها. لم يعد خافياً على أحد أن الأحداث المؤلمة في غزة أصبحت تحتل مكان الصدارة في الاهتمامات السياسية الوطنية والإقليمية والدولية وعلى المستويين الرسمي والشعبي. فالمداولات في المنظمات الدولية تبحث في الوضع بقطاع غزة، والمظاهرات التي تخرج تتحدث عن معاناة أهالي غزة وتطالب بنصرة غزة ورفع الحصار عنها، والندوات واللقاءات الفلسطينية الداخلية تركز جل اهتمامها على الأوضاع في قطاع غزة وخصوصاً الفصل بين غزة والضفة. وكأن الأمور ببقية الوطن على خير ما يرام أو أنها مناطق محررة أو لا معاناة فيها. كل ذلك غيب الضفة الغربية والقدس. بل غيب فلسطين وغيب الوطن لتصبح (القضية الغزاوية) تحل محل القضية الفلسطينية. ولا شك أن غزة جزء من فلسطين. بل هي الجزء الأصيل الذي حمل الهم الوطني الفلسطيني منذ النكبة حتى اليوم. وأهلنا في غزة لم يكن لهم يوماً انتماء أو رابطة سياسية أو جنسية إلا لفلسطين. وأهل غزة لم يترجلوا عن صهوة النضال يوماً، وهم الأكثر تفاعلاً مع كل حدث قومي أو وطني أو ديني أو أممي، بعفوية يندفعون وبإصرار يناضلون وبصمت يعانون….، ومع ذلك أو لذلك فإن الشعب الفلسطيني في غزة وحسب كل المعطيات التي تنشرها المنظمات الدولية هو الأكثر فقراً والأكثر بؤساً، والأكثر تعرضاً لجرائم القتل التي يقوم بها العدو الإسرائيلي. فهل أن الخصوصية السوسيولوجية والجغرافية الغزاوية وما يجري وجرى فيها ضد أهلها منذ النكبة وطوال سنوات الاحتلال شكل الشخصية الغزية المتميزة بالاندفاع والعنف وقوة الانتماء الوطني ؟أم (أنه أسلوب غزة في إعلان جدارتها بالحياة) كما قال شاعرنا الكبير محمود درويش ؟أم أن مخططاً يجري حتى تغيّب غزةُ الوطنَ وحتى تُستنزف إمكانياتُنا وجهودنا في الصراع على مَن يحكم غزة وننسى القضايا الوطنية الأساسية؟.