قبل البدء لا بد من الترحم على روح فقيد الأغنية التونسية، المطرب الرائع بلغيث الصيادي، الذي وافاه الأجل المحتوم مساء السبت 02 مارس الفارط، وشيع جثمانه بمسقط رأسه مدينة بني خلاد بمقبرة سيدي بلغيث. ومن خلال متابعة لقنواتنا التلفزية سواء الخاصة منها أو المرفق العمومي، لاحظنا، إما عدم اهتمام بخبر الوفاة أصلا أو مجرد ذكر للخبر دون تقديم لمسيرة هذا الفنان، الذي منذ ظهوره الأول دخل قلوب كل من عرفه من التونسيين، والتونسيات. صحيح أن الفقيد لم يكن إنتاجه كثيفا، ولكنه كان مطلوبا في الأفراح التونسية، ببساطة لأنه مطرب، استحق عن جدارة طيلة سنوات لقب «فهد بلان تونس»، وقد سمعه ذات حصة استضاف فيها الراحل صالح جغام الفنان فهد بلان، وأسمعه بلغيث الصيادي يغني إحدى أغانيه فتعجب للشبه الكبير بين صوتيهما. ومن عايش بلغيث الصيادي يعرف جيدا معدن الرجل كفنان وكإنسان فلا ترى غير ابتسامته وقهقهاته التي لن تمحي من الآذان، سيتذكر كل أحبائه وأصدقائه، حتما «إنياه» و"هاو هاو وأكاهو"، سيتذكر الجميع كيف أحيا حفلاتهم دون مقابل وبسخاء في الحب نادر، ومنهم إعلاميون في التلفزات استكثروا عليه بعد مماته حصة خاصة، بخبر وفاته الأليم... سيتذكر الجميع، وإن نسيت التلفزات التي أصمت أذاننا بالأغاني المبتذلة وبموجة الراب الباردة برودة الثلج، أن صاحب «اسمله عليك» الذي «يقول» في المواويل ويبدع في «يا سالمة»، له أغان أخرى على غرار «استنى شوية» و»فرحنا بأحبابنا»، والأغنية التي يتغنى فيها بالحبيب محمد صلى الله عليه وسلم، والتي اختار أن يلبسها لحن أغنية عشقها لفهد بلان... هكذا مر خبر وفاة صوت من أحلى الأصوات التونسية، دون تقديم نبذة عن مسيرته، وجدير بالذكر أن بلغيث الصيادي قبل أن يكتشف إصابته بالمرض العضال، تأزمت نفسيته لفقدان رفيق دربه إسكندر خليل، ومن عاش فترة التسعينات المزهرة حتما سيتذكر «القلابس»، التي جمعت الصديقين. عموما سيظل التاريخ يذكر بلغيث الصيادي الفنان صاحب الصوت الشجي، والابتسامة الخاصة جدا التي لا تغيب عن صاحبها حتى في فترات الألم، ستذكر كل العائلات التونسية التي بعث فيها الفرحة في أفراحها كرم الفقيد، وروحه المرحة، لكن التاريخ لن يرحم تلفزات البوز، التي تسربت كالعلة في البيوت التونسية، مسربة الابتذال وقلة الحياء. بلغيث الصيادي أكبر من تلفزات لا تحترم مبدعيها، ولا حاجة له أصلا بها وبذكره فيها، فلطالما كان محبوبا لدى الجميع، ومطلوبا من الجميع رغم غيابه عن التلفزات، رحم الله بلغيث الصيادي وأسكنه فراديس جنانه، ورحم الله إعلاما مهمته تهذيب الذوق العام، إنارته.. إنّا للّه وإنّا إليه راجعون.