فيروس المشاكل الداخلية يضرب الجبهة الشعبية كما ضرب العديد من الأحزاب والتحالفات في السابق وسيضرب حتما أطرافا أخرى لتبقى. تونس (الشروق) هو «سلوك غير سليم وعملية استباقية لا موجب لها» هكذا حكم القيادي في الجبهة الشعبية وحزب العمال الجيلاني الهمامي على ما فعله حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد عندما اقترح مؤخرا قياديه منجي الرحوي مرشحا عن الجبهة الشعبية للانتخابات الرئاسية القادمة. مرشح الجبهة للرئاسية السابقة كان زعيم حزب العمال حمة الهمامي، وما اقتراح حزب الوطد ترشيح الرحوي بدلا عنه دون مناقشة الاقتراح داخل مجلس الجبهة المركزي ودون التوافق على مرشح من أحد الأحزاب المعنية إلا دليلا على وجود مشكلة داخل الجبهة. قد تكون مشكلة ثقة أو خلافا حول الزعامة المهم أن الجبهة لم تعد بالتماسك الذي عهدناه من قبل ولا بالقدرة على احتواء المشاكل والخلافات خلف أبوابها المغلقة وأنها تلتحق رسميا بقائمة الأحزاب والائتلافات المتضررة: سمة طاغية من نداء تونس إلى حزب المؤتمر إلى الحراك إلى آفاق تونس… هي عينة من الأحزاب التي عاشت أو تعيش خلافات داخلية تكون نتيجتها الحتمية انسحابا أو استقالة أو تفتت أو تفريخ ل«حويزبات» جديدة تحمل في جيناتها جميع شروط التأزم الداخلي. السمة الطاغية على الأحزاب التونسية تكاد تصبغ جميع التحالفات والائتلافات الحزبية، فالخلافات التي تعيشها الجبهة الشعبية حاليا ليست شاذة في المشهد السياسي التونسي بل ضربت من قبل الاتحاد من أجل تونس والترويكا القديمة (النهضة والمؤتمر والتكتل) ومشروع الترويكا الجديدة قبل أن ترى النور (النداء والنهضة والاتحاد الوطني الحر) فيما تعطلت العديد من مبادرات الائتلاف كتلك الخاصة بالعائلة الدستورية أو العائلة الديمقراطية الاجتماعية أو اليسار كله. الاختلاف الوحيد النسبي يتعلق بحركة النهضة التي فشلت في جميع الائتلافات والتوافقات التي خاضتها لكنها نجحت إلى اليوم (على الأقل) في الحفاظ على تماسكها طموحات شخصية خلاف مع القيادة الحزبية أو تصادم حول الزعامة هما سببان حصريان في جميع المشاكل الحزبية يظهر أولهما داخل الحزب الواحد فيما يشمل الثاني الأحزاب والجبهات الحزبية والائتلافات في آن واحد. أما الأول فيصيب خاصة الأحزاب التي تنفرد فيها القيادة العليا (الرئيس أو الزعيم أو المؤسس) بسلطة أحادية في اتخاذ القرارات المصيرية ومثال ذلك الخلاف في وجهات النظر بين أبناء حزب المؤتمر وغضب بعضهم من سياسة رئيس الحزب منصف المرزوقي ما دفع بالعيادي إلى الانسلاخ وتأسيس حركة وفاء وأملى على عبو تأسيس التيار الديمقراطي. لكن سبب التصادم لا يتعلق دوما بالاختلاف في التوجهات أو الخيارات أو القرارات بل قد يكون مرتبطا بالطموح السياسي فقد جرت العادة أن يلتحق سياسي مّا بأحد الأحزاب ليحقق منافع شخصية ويتسلق المناصب الحزبية والسياسية حتى إذا اصطدم بطموحات أخرى واقتنع بانسداد السبل نحو تحقيق طموحاته، آثر الانسحاب وتأسيس حزب جديد أو تسجيل اسمه في قائمة السياحة الحزبية. زعامات شخصية وحزبية السبب الثاني يتعلق تحديدا بالزعامة فبعض السياسيين مسكونون بهاجس الزعامة والقيادة وإذا اصطدم أحدهم بسياسي آخر داخل حزب واحد أعطيا إشارة انهياره وتفككه وتفتته كما حدث مع حزب نداء تونس الذي فرخ عددا من الأحزاب الجديدة. هذه الزعامة قد لا تظهر داخل الحزب ولكنها تحضر عند تأسيس الجبهات والتحالفات فتكون سببا في انهيارها أو في تعثر تأسيسها. هذه الزعامة قد تكون شخصية كأن يحاول زعيم فرض زعامته على بقية الزعماء وقد تكون زعامة حزبية يحاول فيها حزب معين فرض زعامته على بقية الأحزاب وهي مسألة طرحت داخل الجبهة الشعبية منذ تأسيسها ووجد لها أصحابها حلا جيدا يتمثل في تأسيس مجلس أمناء الأحزاب حتى لا يطغى حزب من أحزاب الجبهة على البقية ولا يطغى زعيم على بقية الزعماء لكن هذا الحل بدا قاصر والدليل في الخلاف المستجد بين الوطد الموحد وحزب العمّال حول أهلية الترشح للانتخابات الرئاسية القادمة. السرّ في المؤتمرات الخلاف بين الحزبين قديم فكل واحد منهما كان يرى نفسه الأحق بزعامة اليسار وما التقاؤهما في جبهة واحدة إلا من أجل تحقيق هدف مشترك يتمثل في اجتناب النتائج الكارثية في الانتخابات والتصدي لمشروع حركة النهضة الذي يعاديانه وتحقيق خطوة في تجميع اليسار عبر تأسيس نواته… لكن كل حزب حافظ على خصوصياته التي تختلف ضرورة مع خصوصيات البقية واحتفظ بزعامته التاريخية التي ظهرت خطورتها عند الاستعداد لتقديم مرشح للرئاسة. في مثل هذه الحالات كان بالإمكان تجاوز جميع الخلافات ووجهات النظر لو تم إجراء مؤتمر انتخابي داخل كل حزب من مكونات الجبهة قبل إقامة مؤتمر انتخابي داخل الجبهة يتم فيها اختيار القيادة والمرشحين بطريقة ديمقراطية. السبب نفسه يتعدى الجبهات إلى الأحزاب فالتفكك والانسحابات والتجميد… لا تصيب إلا الأحزاب التي استهانت بعقد مؤتمراتها التأسيسية والانتخابية... لو كان حافظ قايد السبسي قائدا منتخبا من قاعدة النداء لما شكك قيادي واحد في شرعيته ولما اضطر أحد منهم إلى الانسحاب، قيسوا على تجربة النداء لتكتشفوا أن أحزابنا تسير بطرق رعوانية وأن أغلبها يتشدق بالديمقراطية دون أن يمارسها داخل بيته. استثناءات هناك أحزاب تقيم الاستثناء بحفاظها على تماسكها قد يكون أبرزها حزب المؤتمر الذي شهد أولى عمليات الاندماج في تونس (التحالف الديمقراطي) دون أن يصيبه أي نوع من الخلافات الداخلية المدمرة. هذا الحزب هو العينة الأقوى والأشهر في قائمة الأحزاب المحافظة على تماسكها لكن عليها أن تحقق نتائج باهرة في الانتخابات التشريعية أو تخوض تجربة الحكم حتى يمكن الحكم لها أو عليها بموضوعية. لهذا تنجو حركة النهضة تعيش حركة النهضة جل المشاكل التي تعبث ببقية الأحزاب التونسية فهي تشهد الخلافات في الرأي والطموحات متضاربة حول المناصب والآمال متصادمة حول الزعامة لكن ما يميزها أنها تواظب على عقد مؤتمراتها الانتخابية والأهم أن هناك انضباطا حزبيا كبيرا يجعل مصلحة الحركة مقدمة على مصلحة الفرد. في النهضة يمكن لكل قيادي أن يغضب أو يعارض أو يقيم الدنيا لكنه يختار في النهاية بين القبول بالأمر الذي لا يعجبه أو الانسحاب في صمت دون أن يتعرض بسوء لحركته ولا لأي واحد من قياداتها عكس ما يحدث لدى الأغلبية الساحقة من الأحزاب الأخرى.