على وقع المظاهرات المليونية المنتظرة اليوم في مختلف الولاياتالجزائرية تحبس الجزائر أنفاسها ويتداول كبار المسؤولين المدنيين والعسكريين على التحذير من مخاطر الانزلاق إلى مربع «الفتنة والفوضى».. هذا المربع الذي تفرض مخاطره وشروره على كل أبناء وبنات الجزائر عدم الاقتراب منه والتنبّه إلى آثاره المدمّرة. فقد دعا قائد أركان الجيش الجزائري أكثر من مرّة في الأيام القليلة الماضية إلى ضرورة التحلي باليقظة والحذر.. والتنبّه إلى المخطّطات الشريرة التي تحاك للجزائر والتي تتدثر برداء الحراك الاجتماعي والتظاهر من أجل مطلب يراه طيف واسع من الشعب الجزائري مطلبا مشروعا.. دعوة كرّرها أمس بعبارات أشد وضوحا الرئيس الجزائري في رسالة إلى شعبه بمناسبة اليوم العالمي للمرأة.. الرئيس بوتفليقة دعا في رسالته المتظاهرين ضد ترشحه إلى ولاية رئاسية خامسة إلى تجنّب «الفتنة والفوضى» كما توقف فيها عند سلمية هذه المظاهرات حتى الآن وهو ما يكشف درجة وعي ونضج الشعب الجزائري الذي يفرّق بين التعبير بحرية وتلقائية عن مطالبه وبين الانجرار إلى الفوضى.. لكن ومع هذا فإن خطر اختراق هذا الحراك يبقى قائما.. كما أن اندساس مجموعات تحرّكها أجندات أخرى معادية للجزائر وللجزائريين يبقى احتمالا ورادا.. وبذلك يمكن الانحراف بهذا الحراك وركوبه وتوجيه الأحداث نحو مربعات تفضي إلى اشعال نار فتنة سوف يكون من العسير اخمادها متى انتشرت في أجواء من الفوضى والمواجهات... لقد جرّبت شعوب عربية أخرى قبل الجزائريين وانخرطت في حراك سرعان ما ركبه أصحاب الأجندات خدمة لما سمي «الربيع العربي» ليحرفوه عن أهدافه الأساسية ويحوّلوه إلى مطية لتدمير الأوطان وإغراقها في الفتنة والفوضى بما أفضى إلى إضعافها وتكبيلها ومصادرة سيادتها وارتهان قرارها الوطني.. ولا نخال أبناء الجزائر وهم ينزلون إلى الشوارع بالملايين للتعبير عن رفضهم لترشح الرئيس بوتفليقة إلى عهدة خامسة لا يستحضرون أساليب وألاعيب «الربيع العبري».. وكيف «تبدع» في تأجيج هذا الحراك والانحراف به عن أهدافه وتوظيفه لتحقيق مآرب لا علاقة لها بطموحات وتطلعات الشعب الجزائري. ان مسلسل «التقسيم وإعادة التشكيل» الذي دمّرت باسمه ليبيا والذي تلقى ضربة قاصمة في سوريا مايزال ماثلا في الرفوف. والقائمون عليه لم ييأسوا من تحقيقه ولو على مراحل. وهؤلاء لم يغمضوا عيونهم يوما عن الجزائر وعن ثروات الجزائر ودور الجزائر على الساحتين الاقليمية والدولية.. وهم يتصيّدون الفرصة المواتية لبث سمومهم وإذكاء نيران الفتنة بنظرية «الفوضى والخلاقة» (الهدامة بالأحرى) وبمقولة «دمّر نفسك بنفسك».. وهذه نظريات ومقولات لا تتغذى ولا تنتعش إلا بالفتنة والفوضى. إنه امتحان حقيقي ستمرّ به الجزائر اليوم. وكل محبّي الجزائر بلدا وشعبا ودورا وعمقا عربيا يدعون بأن يجتاز الجزائريون الامتحان بسلام. وأن يعرفوا كيف يحافظون على الطابع السلمي لحراكهم وكيف يقطعون الطريق على المندسين وأصحاب الأجندات الذين يتحيّنون الفرصة لبث الفتنة والفوضى كمدخل للإجهاز على الجزائر.