بتطور مفهوم الاستقلال أصبح من غير الممكن مقاربة مدى تحققه بعيدا عن السياقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ويدفع هذا الطرح الى استقراء مختلف التهديدات التي تحيط به. تونس الشروق: «الشروق›› استطلعت آراء عدد من الخبراء الذين أجمعوا على رفض التشكيك في مكسب الاستقلال وبيان مختلف المخاطر التي تهدده. أزمة قيم تحدق بالاستقلال ومن جانبه أوضح أستاذ التاريخ المعاصر والمحلل السياسي عبد اللطيف الحناشي أن للاستقلال معاني متعددة ومتنوعة تطورت بتطور التحولات العالمية حتى أصبح الحديث عن الاستقلال وفق معناه المتعارف عليه سابقا مسألة نسبية. وبيّن الحناشي أن الحديث بشأن التهديدات التي تعصف بالاستقلال يدفع ضرورة الى مقارنة المجتمع التونسي غداة الاستقلال بالمجتمع الراهن، ملاحظا وجود فوارق بين مجتمع تميز باندفاع كبير وعطاء وبذل وحرص على صيانة المكاسب والمؤسسات ومجتمع ثان تتعاظم فيه أوليات الأخذ على حساب العطاء القليل. وابرز الحناشي أن مرد هذا التحول انفتاح تونس على السوق العالمية مطلع السبعينات ومجمل التحولات الاقتصادية التي لحقته حيث أدت تدريجيا الى حدوث أزمة قيم وفقدان لقيم العمل والتضحية حتى أصبحت مؤسسات دولة الاستقلال وركائزها مهددة بتعاظم الانانيات المطلقة. استقلالية مرتهنة لعوامل داخلية وخارجية يرى الخبير الاقتصادي والوزير السابق للمالية حكيم بن حمودة أن الاستقلالية الاقتصادية مرتبطة أساسا بعوامل خارجية وأخرى داخلية تحددان مدى قوته في تحقيق هذه الاستقلالية. فمن الناحية الخارجية يشدد حكيم بن حمودة على ان الحديث عن الاستقلالية الاقتصادية في ظل العولمة أمر نسبي وشديد الارتباط بالظرف الاقتصادي العالمي وموازين القوى فيه، ملاحظا أن الأزمات التي تعيشها تونس جعلت اقتصادها مرتبطا بتدخل المؤسسات المالية الكبرى والأسواق الدولة . أما على المستوى الداخلي فان غياب الرؤية وفقدان السياسات الاقتصادية والمالية وعدم القدرة على خلق منوال اقتصادي جديد مثلت جميعها عقبات جعلت تونس عرضة للتداين الخارجي والتبعية الاقتصادية التي مست بسيادتها الاقتصادية وهدد استقلالها في هذا المجال. تهديدات اجتماعية ينطلق المختص في علم الاجتماع سامي نصر من التقارير الدولية بخصوص مؤشر السعادة وحلول تونس في مراكزه الاخيرة ليؤكد ارتباط هذا المؤشر بتزايد الظواهر الاجتماعية السلبية والتي لها انعكاس نفسي على المواطنين. ومن هذه التهديدات تزايد منسوب التطرف والتشدد اضافة الى التفكك الاسري وانتشار ‹›ثقافة اليأس» وتراجع قيم العمل والمعرفة والتهديدات التي طالت الفئات الاجتماعية والتي تتقاطع جميعها مع مفهوم الاستقلال في بعده الاجتماعي. ويلاحظ سامي نصر أن كل الدراسات في علم الاجتماع السياسي تؤكد مرور المجتمعات التي عاشت ثورات وتجارب انتقالية بالعديد من الازمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والقيمية، لافتا الى أن ذلك لا يمكن مجابهته بثقافة الاستسلام والتشكي والخوف والتشكيك في كل شيء ودعا سامي نصر الى ضرورة وضع هذه التهديدات الاجتماعية في اطارها الموضوعي الذي يتزامن مع الفترة الانتقالية، مشددا على أنه من الواجب الاشتغال على المعالجات الجدية التي كان من الممكن الشروع فيها بعيد الثورة عبر تحضير المجتمع للازمات بدلا من اطلاق الوعود الحالمة. سياسة المحاور تهدد الاستقلال واستقلال تونس مهدد ايضا بالوقوع في سياسة المحاور الإقليمية والدولية حيث أن البلاد خسرت موقعها القديم كدولة غير منحازة أو مصطفة في محور من هذه المحاور كما يبين ذلك الديبلوماسي السابق عبد الله العبيدي. ويلاحظ عبد الله العبيدي أن سوء سياسة الحوكمة تجاه الاستحقاقات الشعبية في تونس دفعت بالحكام الى الاصطفاف في محاور غير محمودة العواقب وبعيدا عن المسارات التقليدية للديبلوماسية التونسية. واعتبر العبيدي أن سياسة المحاور اندمجت فيها كيانات سياسية بغية تحقيق مصالح شخصية واخرى حزبية ضيقة بعيدة كل البعد عن مفهوم الدولة فانتجت العديد من التدخلات السافرة التي ادت في نهاية المطاف الى استنزاف المقدرات المالية للبلاد والزج بالبلاد في صراعات تشكيل الخارطة الجيواستراتيجية الجديدة والتي تجعل كل السيناريوهات مفتوحة على كل الاحتمالات. عبد اللطيف الحناشي حكيم بن حمودة سامي نصر عبد الله العبيدي