شارك فيها مئات الاشخاص.. مسيرة بالعاصمة تضامنا مع أهالي قابس    عاجل: مجلس وزاري يُقرّر الضعط على أسعار زيت الزيتون في المساحات التجارية    تونس تؤكد على ضرورة إلزام المحتل بالرأي الاستشاري الأخير لمحكمة العدل الدولية    كرة اليد    فاز بذهبية بطولة الصين .. الجندوبي بطل العالم للتايكواندو لأول مرة في تاريخ تونس    الملعب التونسي اسفي المغربي (2 1) .. «البقلاوة» تودّع ال«كاف»    عاجل: بداية من الإثنين...الصيدية ماعادش تعطيك الدواء بهذه الصيغة    في ملف حجز 370 ألف قرص مخدر و12 كغ كوكايين ...6 متورّطين من بينهم رجل أعمال أجنبي    طقس الليلة    مركز الفنون الدرامية والركحية بتوزر .. أكثر من 20 مسرحية ...وندوة فكرية حول هوية المسرح التونسي    كوثر بن هنيّة مخرجة فيلم «صوت هند رجب» ل «الشروق» .. حين يتحوّل العجز الإنساني إلى قوّة سينمائية    ترامب: قطر حليف عظيم للولايات المتحدة    طلب فاق المعدلات العادية على أدوية الغدة الدرقية    تأجيل محاكمة مهدي بن غربية وأحمد العماري في قضية ذات صبغة إرهابية إلى ديسمبر المقبل    بطولة العالم للكرة الحديدية المقيدة تحت 23 عاما - الثنائي التونسي رائد القروي واسامة البلطي يحرز برونزية مسابقة الزوجي    وزارة المالية: الاقتصاد التونسي أظهر مرونة امام الصعوبات وحقق عدة مؤشرات ايجابية    منوبة: افتتاح مهرجان الشاشية بالبطان إطلالة على التاريخ واحياء للذاكرة الشعبية    منوبة: أنشطة توعوية وترفيهية متنوعة تؤثث فعاليات الدورة الأولى للمهرجان الإقليمي لنوادي الأطفال المتنقلة    اختيار دار الثقافة بالرقاب لانجاز مشروع مختبر الإبداع ضمن برنامج "مغرومين"    الرابطة الأولى: النادي الإفريقي يعزز الصدارة ونجم المتلوي يحقق فوزًا ثمينًا    تونس تجدد التزامها الثابت بحقوق الإنسان    شنوا الجديد في مقترح قانون تشغيل أصحاب الشهائد العليا العاطلين منذ سنوات؟    إيمان الشريف :'' ابني هو من اختار زوجي الحالي و غناية جديدة على قريب ''    تفكيك وفاق إجرامي مختص في ترويج المخدرات وحجز حوالي 350 غرام من الكوكايين    مطار قرطاج : استقبال بيسان وبيلسان أبطال تحدي القراءة في دبي    وزارة النقل تفتح مناظرة خارجية في 17 خطة معروضة بداية من 26ماي 2026    تفاصيل تقشعر لها الأبدان عن جزائرية ارتكبت واحدة من أبشع جرائم فرنسا    مدنين: افتتاح فعاليات ملتقى المناطيد والطائرات الشراعية بجزيرة جربة بلوحة استعراضية زينت سماء الجزيرة    اطلاق المبادرة الوطنية التشاركية للوقاية من السلوكيّات المحفوفة بالمخاطر الاثنين 27 اكتوبر الجاري    عاجل/السجن لهاذين المسؤولين السابقين..    وزير الشباب والرياضة يجتمع بأعضاء الإدارة الوطنية للتحكيم    عاجل: مباراة النجم الساحلي و نيروبي يونايتد غير منقولة تلفزيا    ترامب يلتقي أمير قطر على متن طائرته الرئاسية بطريقه لماليزيا    رئاسة الحكومة تقرّر تعليق نشاط الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات لمدة شهر    الاقتصاد التونسي أظهر مرونة امام الصعوبات وحقق عدة مؤشرات ايجابية    وزارة الصحة: تقنية جديدة لتسريع تشخيص الأمراض الجرثوميّة    عاجل: موسم فلاحي قياسي في تونس...خبير يكشف    وفاة ملكة تايلاند الأم سيريكيت عن 93 عاما    أزمة جمركية جديدة مع ترامب.. شوف شنوة صاير؟    شاب صيني يبيع كليته لشراء آيفون وآيباد... الثمن؟ حياته    عاجل: وزارة التربية تعيد فتح المناظرة الخارجية لسنة 2024 لتوظيف أعوان..الرابط والآجال    رضا الكشتبان يحاضر حول "تاريخية العلاقات التّونسيّة الإسبانيّة"    سليانة: افتتاح موسم جني الزيتون    الفحص الدوري للسيارة: كيفاش تحمي روحك وكرهبتك قبل ما تصير مصيبة!    دراسة تكشف: اللي فرحان يعيش بصحة أحسن    تناول ماء الحلبة يوميًّا لمدة أسبوعين.. فوائد ماكش باش تتوقعها    "اليونيسف" تحذر من ضياع جيل كامل مع انهيار قطاع التعليم في قطاع غزة..    زلزال بقوة 5.9 درجة يضرب هذه المنطقة..#خبر_عاجل    بشرى سارة..العالم على مشارف "دواء سحري".. يعالج الصلع في 3 أسابيع    رزنامة جديدة للامتحانات؟....رئيس الجمعية التونسية للأولياء والتلاميذ يوّضح    الإفراج عن السائق وعون الصيانة بعد حادث سقوط التلميذ!    اليوم 14:30: تفرجوا في الماتشوات الكل على القنوات الرسمية    رسميا/ أودي "A6 سبورت باك إي ترون" في تونس: أيقونة السيدان الكهربائية.. فخامة واداء..مميزاتها وسعرها..    مصر.. تعطل الدراسة في 38 مدرسة حرصا على سلامة التلاميذ    اسألوني .. يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    خطبة الجمعة ..حذار من موت الفَجأة    زحل المهيب: أمسية فلكية لا تفوت بتونس    ما معنى بيت جرير الذي استعمله قيس سعيّد؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ملئ الفراغ في العراق أطماع إقليمية أم حرب بالوكالة : الدكتور مهند العزاوي
نشر في الفجر نيوز يوم 25 - 12 - 2009


الدكتور مهند العزاوي الفجرنيوز
غزو العراق خطا ستراتيجي يقود إلى خطيئة
إيران ملئ الفراغ وأطماع في العراق
تجريف القدرة العسكرية العراقية
استعادة المبادرة الستراتيجية
استنزفت الحروب الاستباقية الولايات المتحدة الأمريكية الكثير من قدراتها العسكرية والاقتصادية وعرضت الشرق الأوسط والمشرق العربي لتهديدات ومخاطر مركبة أبرزها صراع الأطماع الإقليمية على التركة العربية, خصوصا بعد فوضى غزو العراق وتداعياته السياسية والأمنية, لقد جرفت الولايات المتحدة الأمريكية وإيران معا الدولة العراقية وصفرت قدراتها العسكرية وقد كانت القوات المسلحة العراقية السد العالي ضد طوفان الأطماع والتهديدات الأجنبية والإقليمية, وهي العنصر الصلب في معادلة التوازن ومنظومة الأمن القومي العربي , وقد تجاوزت الولايات المتحدة الأمريكية الأعراف المهنية والقوانين الدولية ومنها اتفاقيات جنيف, عندما سمحت لدولة إقليمية خاضت حرب ضد العراق وعبر زعانفها السياسية محاكمة أسرى الحرب من قادة الجيش العراقي, ونمط محاكمات سياسية وكيدية, وتجريم الوقائع الحربية والتهديدات التي كان يتعرض لها العراق اينذاك, ولم تكتفي بذلك بل تركت الباب مفتوحا لتصفير خبرات وقدرات الجيش العراقي عبر التصفية الجسدية والتهجير ومصادرة الممتلكات والتجويع والاعتقالات والتعذيب والقتل تحت مسمى الجثث مجهولة الهوية(منزوعة الهوية) ونفذت تلك المجازر من قبل مليشيات مرتبطة بأجهزة المخابرات الإيرانية وموشحه بلباس الدولة الحالية, بل وحرصت على حرمانهم من الحقوق الاعتبارية والمعنوية والمالية المنصوص عليها دوليا, بينما انيطت مقدرات العراق السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية إلى مليشيات امتهنت اللصوصية وقطع الطرق والقتل والعمليات الإرهابية والعمالة للأجنبي وقد وشحت اليوم بصبغة سياسية وتعد هذه الوصاية أبرز خطيئة ستراتيجية ارتكبتها امريكا بحق العراق,لقد كان تصفير قدرات العراق العسكرية مطلب ستراتيجي إقليمي لملئ الفراغ في العراق.
غزو العراق خطا ستراتيجي يقود إلى خطيئة
اعتبر المحللين والخبراء أن غزو العراق عام 2003 يعد من اكبر الأخطاء الستراتيجية التي ارتكبتها امريكا والغرب بحق العراق, وقد صنفها الرئيس الأمريكي اوباما ب "حرب الخيار" ليجعلها من الأوليات المتأخرة, وقد اغفل عامل مهم لأنها كرة الثلج قد كبرت وأصبحت "خطيئة ستراتيجية" تحتاج إلى أسبقية خاصة في المعالجة, ما لم يكن هناك "تحالف مسئولية" يفضي لتجزئة المنطقة بالكامل وفق النموذج العراقي الشاذ الذي يعمم فوضى المليشيات بدلا من الدولة والنظام, لقد قدم الكثير من الخبراء والمحللين ومراكز الدراسات الأمريكية أبحاث ودراسات لترقيع الخطيئة العراقية , وغالبيتها غير واقعية لتتناسب مع البيئة السياسية والاجتماعية العراقية وتتجه إلى المرفنة والتخدير وليس العلاج الجذري , متجاهلين حقيقة التشضي السياسي وأساليب القضم الجيوبولتيكي الإقليمي, وبذلك نوصف المشهد السياسي العراقي المضطرب وملامحه الدموية وسماته المليشياوية بعيدا عن دولة مؤسسات أو قانون أو ديمقراطية كما يحاول أن يوصفها البعض من السياسيون الجدد وفق شعارات الدعاية الانتخابية , ولابد أن نسميها "الخطيئة الستراتيجية" نظرا للحقائق الجيوسياسية ذات المنحى الستراتيجي الذي يشكل تجزئة وفوضى العراق الهدامة رقما يصعب تطويعه في معادلة استقرار العراق والأمن القومي العربي ومعادلة التوازن الدولي , وباتت من المسلمات الكارثيه شكل الدولة الشاذ "البرايمرية" وهشاشة الطبقة السياسية كخليط غير متجانس فكريا وعقائديا وسياسيا وطبقيا, والتي شكلت المشهد السياسي الدموي الفاسد, وتجاهلت امريكا عدم تجانس تلك الورش مع البيئة الوطنية والمنظومة القيمية العراقية مهما طال الزمن , كون الكثير من (الأحزاب, المنظمات , الأشخاص) لم يخرج من رحم العراق ومعاناته وليسوا سوى زعانف وأوراق ضغط مخابراتية مليشياوية أجنبية وإقليمية طامعة, واستخدمت كرخ في لوحة الشطرنج الحربية ضد العراق قبل الغزو, وهذا يعطي انطباع لغياب القدرة القيادية وصنع واتخاذ القرار الوطني ومعالجات الأزمات والملفات السوداء التي أوجدها الاحتلال المركب للعراق , وشهدنا قيام القوات المسلحة الإيرانية قبل أيام باحتلال أبار الفكه العراقية التي تقع في أراضي وطنية عراقية بالقوة, ولم يكن غريبا المواقف الشاذة وطنيا لعدد كبير من الطبقة السياسية وزعانفها الوزارية ومفاصلها المؤسساتية وكذلك رئيس الحكومة لتسطيح وتسفيه ونفي هذا العدوان العسكري على الأراضي والثروات العراقية وهي تمس السيادة العراقية والأمن القومي العراقي والعربي والإقليمي , ويعد قانونيا عمل عسكريا عدوانيا, ووطنيا احتلال لأراضي عراقية, وسّوقيا الاستيلاء على ثروات وطنية ملك للشعب العراقي يفترض حمايتها,وإستراتيجيا ثروات ترتبط بشبكة المصالح الدولية , وهناك الكثير من علامات الاستفهام والتكهنات لمستقبل شعب العراق وشعوب المنطقة في ظل تلك الخطيئة وتشظي الفوضى الهدامة , خصوصا مع حرب تصفير مقومات القدرة العربية الشاملة ومنها القدرة العسكرية العراقية, وتجريف عناصر القوة معنويا وتنظيميا وبشريا وقيميا, نعم انه مخطط تصفير قدرة العراق العسكرية ومنظوماته القيمية الوطنية وضرب البني التحتية الاجتماعية باستخدام أساليب القضم الجيوبولتيكي تمهيدا لملئ الفراغ الايراني في العراق .
إيران ملئ الفراغ وأطماع في العراق
يسال الكثير من الباحثين والخبراء عن طبيعة ونمط التقاطع الأمريكي الايراني على ارض العراق وفسحة الدور الإقليمي في المنطقة وتبادل الأدوار المثير للريبة والشك بين مباركة امريكية لنفوذ وتدخل يوصفه العراقيين احتلال ثاني, وحروب شبحية بالوكالة تستهدف نسيج الشعب العراقي وتهيمن على مقدراته وتستنزف ثرواته, ويبدوا وكأنه ملئ فراغ مؤجل وترجمة لإطماع في العراق , لقد باشرت إيران بملء الفراغ الغير شرعي وتدمير المؤسسات العراقية ونهب قاعدتها المادية وتصفير خبراتها العقلية والمهنية والحرفية المختلفة , حيث مارست حرب التطهير الطائفي والتغير الدموغرافي لمناطق ومدن العراق, وتصفير عناصر القدرة العسكرية العراقية بمختلف الوسائل السادية, وجاءت متسقة مع مشروع الاحتلال بالكامل, يا ترى هل هو "تحالف مسئولية"؟ أم تقاسم نفوذ وقتي يصعب بيان غاطسه الحقيقي؟ أم أنها حرب بالوكالة؟ أم ملئ فراغ مؤجل؟, أم نفوذ إقليمي كشرطي شرير في خاصرة المشرق العربي؟ ليكون مفصل لين في منظومة الأمن القومي العربي.
برزت الاختلافات الإيرانية الإسرائيلية على الكعكة العراقية, وسرعان ما اتجهت للتأثير على أمريكا والإيحاء بأنها لاعب جيوستراتيجي في المنطقة ومحورا جيوسياسيا عالميا من خلال اقتنائها القدرة النووية والصاروخية, وباستخدام أوراق ضغط كالعراق , أفغانستان , لبنان, الباكستان,الخليج, إفريقيا, وليمكن إغفال حقيقة أن إيران شكلت زعانف المشهد السياسي في العراق بوشاح طائفي سياسي مليشياوي مخطط له بعناية, وتمكنت من القرصنة على أبار النفط العراقية المتاخمة لحدودها ,وقطع الأنهار والروافد عن مناطق جنوب العراق , والمطالبة بميناء "خور العميه" ورأس البيشه" وتلك المطالب تشكل احد ألمحارك الأساسية لتقسيم العراق ونهب ثرواته وتفكيك نسيجه الاجتماعي, وتعد نفوذها الإقليمي في العراق, مكسبا سياسيا وعسكريا واقتصاديا, ويلقي بظلالها سلبا على الاستقرار السياسي والمجتمعي في العراق ومعادلة التوازن ومقومات الأمن القومي العربي ,وتتصف فلسفتها الستراتيجية تجاه العراق والمنطقة كلاعب بما يلي:
1. استخدام الطائفية السياسية كغطاء ومحرك أطماع إقليمي .
2. تقاسم النفوذ مع إسرائيل في رقع اللوحة الإقليمية وفي بعدها العربي.
3. التفتيت الدموغرافي لدول الطوق العربي .
4. القضم الجيوبولتيكي لدول الطوق العربي.
5. تقاطع المصالح مع القوى الكبرى في الشرق الأوسط .
6. تعزيز النفوذ الليبرالي في دول ذات الاهتمام الستراتيجي .
7. تعزيز قدراتها الحربية–النووي- الصاروخية – البحرية .
8. الشغب الحربي والمناورات العسكرية وحافة الحرب لتحقيق مكاسب سياسية.
9. القوة اللامتماثلة - مليشيات – منظمات- أحزاب كأوراق ضغط سياسية.
أصبحت إيران تلعب على المكشوف في العراق وقد مارست كافة أنواع القمع والجريمة السياسية وجرائم الإبادة البشرية تجاه الشعب العراقي, ابتداء بعمليات التطهير الطائفي والتغيير الدموغرافي مرورا بتصفية البني التحتية المؤسساتية العراقية ونشر المخدرات والجريمة المنظمة ,وانتهاء بالعمل العسكري واحتلال منابع النفط العراقية, ولكن تعاظم الوعي الوطني العراقي فضح طبيعة الأطماع الإيرانية عبر سياسة قضم الأراضي العراقية ونهب الثروات عبر الوكلاء والعملاء الذين شكلوا المشهد السياسي لصالح إيران , وسيحاولون صرف أنظار الرأي العام العراقي والعربي والعالمي عن الحدث بافتعال أزمات أمنية وأعمال إرهابية وتفجيرات في مناطق العراق وتصعيد الاغتيالات والتعذيب والاعتقالات , نعم تسعى إيران لتصدير أزماتها الداخلية للخارج والإيحاء بأنها لاعب جيوستراتيجي إقليمي (شرطي المنطقة) .
تجريف القدرة العسكرية العراقية
تنتهج دول العالم مخططات واستراتيجيات أنية ووسيطة وبعيدة المدى لتامين منظومة الأمن الوطني والقومي لبلدانها , وتشكل قارب النجاة للشعب والدولة والأمة ضد التهديدات الخارجية والداخلية, ولتختلف مرتكزاتها بين دولة وأخرى, وتتبع معايير وقيم سياسية عسكرية أمنية ذات منحى سوقي ستراتيجي معضد بمفاهيم علمية ترصن آليات عمل القوات المسلحة, التي تطبق المخططات والستراتيجيات وسياسة الدولة, ناهيك عن قدرة الطبقة السياسية في تركيز منظومة القيم الوطنية الفاعلة عبر مشروع سياسي وطني رصين ومنظومة قوانين تضبط إيقاع هذا العمل كصمام أمان لديمومة الدولة وحماية المجتمع, لقد استهدف الجيش العراقي بشكل سادي ومخزي ومؤلم , ويفترض ان الشعوب تفتخر بجيوشها وما تحققه من نصر في حروب الدفاع عن حدودها السياسية وحماية ثرواتها وشعبها , ولكن الملفت للنظر ان تاريخ الجيش العراقي المشرف جعله يدخل دائرة الاستهداف السياسي الواسع لان خاسر الأمس هو الذي شكل الطبقة السياسية في العراق ويطوعها لسياسته , وسرعان ما تعرضت هذه المؤسسة العسكرية العريقة لكافة أنواع التدمير والاستنزاف لقدراتها البشرية والمعنوية والمادية, وكانت القوات المسلحة العراقية حجر الزاوية في منظومة الأمن الوطني العراقي والقومي العربي, ولها من القدرات والخبرة العسكرية تضعها في أولويات مرتكزات القوة الصلبة العربية.
نشهد اليوم انهيار مقومات الأمن الوطني العراقي, وباتت القوات المسلحة الحالية والمدمجة مليشياويا والمقسمة ولائها حزبيا جزء من المشكلة في المشهد العراقي كحال الطبقة السياسية الحالية, ويفترض أن الأمن القومي العراقي يخضع لاعتبارات أساسية تخص صفحتي الأمن والدفاع وتضع قوائم تهديدات حالية ومحتملة خارجية وداخلية , ويركز على التهديدات الخارجية التي تستهدف وحدة الأرض وسلامة وامن الشعب وصيانة الثروات والدفاع عن كيان الوطن بشكل كامل, ولوحظ هشاشة إستراتيجية الأمن القومي العراقية وخلوها من تبويب التهديدات الأجنبية والنفوذ الإقليمي, وتفتقر لسياسة الاحتواء والاحتواء المزدوج وإعادة التأهيل وترتيب المخاطر والتقييم , وتفتقر كذلك لمنظومة القيم الوطنية خصوصا منح الجنسية للأجانب بعد الغزو والارتباطات المخابراتية للطبقة السياسية الحالية وأولويات التهديد, وليمكن القفز على طبيعة تشكيل القوات المسلحة الحالية الذي تخضع لعقيدة الشركات الخاصة ذات الطابع الارتزاقي والمهام الشرطية لمكافحة ما يسمى (الارهاب) وكذلك نظام الدمج المليشياوي, وهؤلاء يشكلون قوات نظامية مجافية نائمة تنشط عند الحاجة وقد تنفذ أجندات غير وطنية, ويعتبر هذا تهديدا مركب داخلي وخارجي كونه يخرق منظومة القيم الوطنية ومفاهيم العقيدة العسكرية ومرتكزات الدفاع عن العراق, وبالتأكيد هذا انعكاس لحل القوات المسلحة العراقية وجرف قدراتها وخبراتها ونسف جميع المفاهيم والمنظومات القيمية, ليقف العراق اليوم عاجز عن إزاحة قوة عسكرية معادية بعدد أصابع اليد بعد أن خاض حروب لم يفرط بشبر من الأراضي العراقية, بالتأكيد القوات المسلحة انعكاس للشعب وخادمة له وللوطن وتعمل لتحقيق إرادته الحرة وفق مشروع سياسي يطبق برنامج يستند على منظومة القيم الوطنية ويضع التهديدات الخارجية في أعلى أولوياته ويعد قوات مسلحة حرفية وطنية قادرة لمجابهة التهديدات وتحقيق الأمن والاستقرار للعراق وكذلك في المنطقة والعالم وهذا ليس صعبا إذا تمكنا من استعادة المبادرة الإستراتيجية.
استعادة المبادرة الستراتيجية
افرز المشهد العراقي السياسي المضطرب والغير متجانس والذي اعد على عجل لملئ الفراغ السياسي بعد الغزو حقائق جيوسياسية خطيرة تتطلب استعادة المبادرة الستراتيجية عراقيا وبإرادة وطنية ودعم عربي ودولي, ويتطلب ذلك أعادة قراءة اللوحة الستراتيجية ومفاصلها اللينة وهشاشة البني التحتية السياسية والقانونية والمؤسساتية والرقابية, ويفترض تطويع المعطيات والحقائق كما هي, وحتمية محاسبة المقصر المزدوج الولاء, وكشف نقاط الضعف ومعالجتها باستخدام الخطوط الستراتيجية الناجعة في التصدي للتهديدات بعد حسم موضوع الانسحاب الأمريكي المثير للجدل, وضرورة التأكيد على أولوية المعالجات الموضوعية (الفورية –العاجلة –القريبة –المتوسطة –الطولية الأمد)), ومن الضروري أتباع سياسة سد الثغرات وإيقاف التصدع الستراتيجي والعملياتي, وإعادة تقيم الأهداف وقائمة التهديدات بشكل واقعي, وتبويب الأسبقيات والأوليات حسب أهميتها, وتفكيك المعضلة إلى عواملها الأولية ومعالجة كل عامل على حدة, باستخدام الوسائل والآليات المناسبة من خلال حشد الموارد البشرية والمادية , وإعادة بناء القدرات الذاتية التي تؤمن الدفاع الطوعي تجاه التهديدات الآنية والمتمثلة بالاحتلال المركب الأمريكي الايراني, وضرورة مراعاة خطورة التقطيع الناعم للشعب العراقي وللمجتمعات والشعوب العربية لاحقا وباستخدام الحرب الدموغرافية, وكذلك استهداف المنظومة القيمية , مع الأخذ بنظر الاعتبار طبيعة وتجانس التحالفات الدولية والإقليمية, وتطويعها لتحقيق المصلحة الدفاعية العراقية العليا وديمومة معادلة التوازن العربي , ومعالجة نقاط الخرق والضعف في الأمن القومي العربي, خصوصا فوضى العراق الذي يتجه إلى دولة مكونات طائفية سياسية تلقي بظلالها على المشهد الامني للمنطقة بالكامل وهي تشهد نزاعات وحروب وبقع متقدة, وتقوية أواصر التماسك الدموغرافي, وتعزيز المنظومة القيمية ( تعاليم الدين الإسلامي الحنيف - العادات العربية - منظومة القيم الوطنية) التي بمجملها تشكل السد المنيع تجاه التهديدات والأطماع الإقليمية والدولية, وبالتأكيد استعادة المبادرة الستراتيجية تحتاج إلى بحوث ودراسات تخصصية لتعالج الثغرات وتعيد تقييم المواقف للخروج باليات عمل , تمهيدا لإعادة الأمن والاستقرار للعراق والمنطقة, وإشغال دور مؤثرا في صنع القرار الدولي مع الحفاظ على الثوابت الأساسية
د.مهند العزاوي
مركز صقر للدراسات الستراتيجية والعسكرية
‏السبت‏، 26‏ كانون الأول‏، 2009


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.