تعاني تونس من تفاقم عجز ميزان الطاقة الأولية الذي بلغ ذروته في السنوات الأخيرة في ظل تنامي الطلب وتراجع الإنتاج الوطني من المحروقات مع تذبذب الأسعار العالمية للطاقة. فما هو واقع الطاقة المتجددة في تونس؟ وماهي الاستراتيجيات المرتقبة للنهوض بهذا القطاع؟ تونس – الشروق: إن تراجع الإنتاج الطاقي في تونس وغياب الاستراتيجيات الجيدة في تطوير مجال البحث عن الطاقات البديلة والمتجددة. و بالتوازي مع تراجع صرف الدينار التونسي انعكس على المالية العمومية. وشكل عائقا أمام تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المنشودة. ورغم أن تونس تمتلك 100 كلم مربع من الأسطح، التي يمكن تجهيزها بالألواح الشمسية. ويمكنها أن توفر للبلاد 17 مليار كيلواط في السنة مقابل استهلاك وطني جملي من الكهرباء يقدّر ب 15 مليار كيلواط في السنة، حسب تقرير "الشركة التونسية للكهرباء والغاز" لسنة 2016 الا أنها أصبحت تعاني من عجز طاقي بلغ حدود 50 % وتنتج 96 % من الطاقة بالاعتماد على الغاز الطبيعي في حين لا يتعدى إنتاج الطاقة الشمسية حدود 3 %. طاقة مهدورة على عكس دول أخرى على غرار المغرب، التي تمكنت من إنجاز أكبر محطة شمسية في العالم، هدفها تأمين 2000 ميغاواط في أفق 2020، والرأس الأخضر، الذّي حقق إنتاجا قياسيّا من الطاقات المتجدّدة أو كوستاريكا، التي توشك على التحرر تماما من الطاقة الاحفورية. وتعلن نفسها كأوّل بلد في العالم خال من الكربون، تستغرق تونس الكثير من الوقت لتعديل مزيجها الطاقي والتحكم في العجز الطّاقي بسبب غياب قرارات استراتيجية ونقص الطموح وتعطل المخطط الشمسي، الذّي تم إعداد النسخة الأولى منه منذ سنة 2009. ويمكن أن تخسر تونس أكثر. وتتأخر مرة أخرى، حسب رأي خبراء الاقتصاد الكلي والمناصرين للطاقة الشمسية والمتابعين لتطورات استعمالها على الصعيد العالمي، "المخطط الشمسي في تونس 100 بالمائة طاقة شمسية في 2030". كما أن "تحويل الكهرباء من المحطات الى المستهلكين يمكن أن يتسبب في ضياع 16 بالمائة من الكهرباء في حين أن التزويد على عين المكان "إنتاجا واستهلاكا" يؤدي الى ضياع 6 بالمائة من الطاقة المنتجة فقط. وتشهد التكنولوجيات المعتمدة في مجال الطاقة الشمسية انخفاضا في كلفتها بنسبة 80 بالمائة منذ 2009 وبالإمكان أن يستمر هذا التراجع بنسبة 59 بالمائة في أفق سنة 2025 مما يجعل من هذه التكنولوجيات الأقل كلفة لتوليد الطاقة حسب الوكالة الدولية للطاقات المتجددة. ويمكن لتونس أن تستفيد من هذا المنحى التنازلي للأسعار والاستثمار أكثر في مشاريع توليد الطاقة الشمسية الفوطوضوئية وبالتالي التقليص من عجزها الطاقي، الذّي صار عجزا هيكليا يثقل ميزانية الدولة، حسب ما يؤكده خبراء الطاقة المتجددة. تطوير مصادر الطاقة بين بلحسن شيبوب مدير عام الكهرباء والطاقة المتجددة بوزارة الصناعة والمؤسسات الصغرى والمتوسطة, أن تونس وصلت إلى مرحلة أصبح فيها الاعتماد على الطاقة المتجددة والبديلة أمرا ملحا وضروريا وليس مجرد تنويع لمصادر الطاقة. كما أنّ التحوّل الطّاقي والانتقال الى الطّاقات المتجدّدة في مناخ عالمي لم يكن ملائما بالقدر الحالي (انخفاض أسعار الطاقة الفوطوضوئية في الأسواق العالمية مع توفر تسهيلات اتفاق باريس حول المناخ)، لم يعد خيارا بالنسبة الى تونس، التي تتأتى أغلب احتياجاتها من الطاقة من المصادر التقليدية (97بالمائة) بالإضافة إلى الارتفاع الكبير والمشط للدعم الطاقي الذي توفره الدولة. حيث ارتفع من 1500 إلى 1700 مليون دينار. فتفاقم الدعم فرض على وزارة الصناعة ورئاسة الحكومة التفكير بجدية في تركيز مشاريع جديدة للطاقات المتجددة. وسيكون الاعتماد على طاقة الرياح في الشمال والطاقة الشمسية في الجزء الجنوبي للبلاد والوسط الغربي. وقد وافقت وزارة الصناعة مبدئيا على بعث 14 مشروعا جديدا للطاقات المتجددة والبديلة في اطار نظام التراخيص. ويمكن لتونس أيضا إذا اتخذت من الطاقات المتجددة خيارا جديّا أن تخفف من عبء دعم الطاقة، الذي مافتىء يثقل كاهل الميزانية خاصة أنه تجاوز عتبة 2،5 مليار دينار خلال سنة 2018 حسب وزارة الطاقة. وتساعد الظروف المناخية والجغرافية تونس بتوفر معدل ساعات مشمسة يفوق 3000 ساعة في السنة والكفاءات اللازمة والأرضية المناسبة (100 كلم2 من الأسطح) لتركيز الألواح الشمسية. كذلك تحظى بدعم من شركائها مثل منظمة التعاون الدولي الألماني وبرنامج الأممالمتحدة للتنمية والصندوق الأخضر وأطراف أخرى في مجال الطاقات المتجددة. ويمكن لتونس أن ترفّع من إنتاجها من الطّاقة الفوطوضوئية المركّزة، الى حدود 1800 ميغاواط، منها 400 مغاواط حسب نظام التراخيص والزيادة في حصّة الطاقات المتجدّدة في مزيجها الطاقي، الذّي لا يتجاوز 3 بالمائة. وأضاف السيد بلحسن شيبوب أن اعتماد سياسة استباقية في مجال إنتاج الطاقة سوف يمكن من الرفع من مساهمة الطاقات البديلة من 3 بالمائة حاليا إلى حوالي 30 بالمائة في حدود سنة 2030". كما ارتكز الاهتمام خلال الفترة المنقضية على بلورة سياسة طاقية جديدة تستجيب لمقتضيات وتحديات المرحلة من خلال السعي إلى الانتقال من النظم التقليدية للإنتاج والاستهلاك إلى نموذج طاقي جديد ومستدام يرتكز على تنويع مصادر ومنظومات الإنتاج والاستهلاك والنفاذ إلى الطاقة والتحكم فيها. وقد اعتمدت الحكومة استراتيجية جديدة للانتقال الطاقي ترتكز على جملة من المحاور أبرزها التخفيض في الطلب على الطاقة الأولية بنسبة 30 % مقارنة بسنة 2010 والتشجيع على إنتاج الطاقة البديلة في إطار ثلاثة أنظمة مختلفة. وهي الانتاج الذاتي والتراخيص واللزمات. وقد تضمن البرنامج خلال الفترة 2017 – 2022 تركيز أكثر من 1800 ميغاواط إضافية. وفي اطار اللزمات قامت الوزارة بنشر ثلاثة طلبات عروض انتقاء أولي في ماي 2018 تتعلق بمشاريع لانتاج الكهرباء من طاقة الرياح والطاقة الشمسية الفولطاضوئية بقدرة جملية 1000 ميغاواط. وقد أعلنت الوزارة خلال شهر نوفمبر الماضي عن النتائج الخاصة بالمشاريع التي سوف تنجز على مواقع مقترحة من قبل الدولة. وسوف يقع انتاج 5000 ميغاواط بواسطة الطاقة الشمسية و 500 ميغاواط بواسطة طاقة الرياح. كما تم في نطاق خطة تونس لتعزيز استعمال الطاقات البديلة وضع أطلس الرياح لتحديد أماكن تركيز محطات الرياح في كامل البلاد. وقد مكنت هذه العملية من وضع قائمة للمشاريع القادمة مؤكدا، "أن تونس تمتلك مخزونا كبيرا من الإمكانيات لاستغلالها في إنتاج الطاقات البديلة. ولكن العراقيل لا تزال كبيرة. وتتعلق بالجوانب القانونية والاجتماعية والتمويل والتنفيذ التقني". وفي جانب آخر أشار السيد بلحسن شيبوب إلى أن تونس تسعى دائما الى الاستعانة بخبرات وتجارب الدول المتقدمة في مجال الاستثمار في الطاقات البديلة على غرار التجربة الألمانية. حيث سعت تونس بعد إمضاء اتفاقية تعاون في مجال الطاقة سنة 2012 مع ألمانيا، الى الاستفادة من الخبرة الألمانية في مجال الطاقات البديلة التي ساهمت سنة 2013 في توفير 24 بالمائة من إنتاج الكهرباء. وتعتبر ألمانيا "شريكا متميزا لتونس في مجال الطاقات البديلة وذلك لاعتبارات عديدة أهمها الشراكة القائمة في هذا المجال وتوفر الخبرات والإمكانيات الصناعية الكبيرة لدى عديد الشركاء في ألمانيا إلى جانب التجربة الثرية في مجال حماية البيئة والتي تحاول تونس أن تستلهم منها نجاحاتها وتميزها". منير المؤخر رئيس غرفة الصناعة والتجارة بتونس.. هدفنا تشجيع المؤسسات الصناعية على استعمال الطاقات البديلة أشار منير المؤخر رئيس غرفة الصناعة والتجارة لتونس إلى أن موضوع الطاقات المتجددة والبديلة أصبح من المواضيع الحارقة التي يجب إعطاؤها الأولوية المطلقة خاصة في ظل ارتفاع العجز الطاقي الذي وصل حدود ال50 %. لذلك سعت الغرفة إلى ضرورة تحفيز القطاع الخاص للاستثمار في مشاريع إنتاج الكهرباء من الطاقات المتجددة. وسوف نسعى كصناعيين لإنجاح مجال الاستثمار في الطاقة البديلة وتحقيق ما ترنو إليه تونس، على المدى البعيد، في إطار التزاماتها الدوليّة من أجل المناخ، إلى وضع أسس اقتصاد أخضر في أفق 2050 واستعمال الطاقات المتجددة والنظيفة. كما أنها المرة الأولى في تونس، التّي يتمّ فيها إطلاق مشاريع بهذا الحجم. وستساعدنا هذه المشاريع على الحد من العجز الطاقي ودعم الأمن الطاقي والمساهمة، أيضا، في تحقيق النمو". ولبلوغ هذه الأهداف الطموحة أصبح من الضروري إدخال ديناميكية جديدة من خلال تطوير المنظومات المؤسساتية والقانونية والمالية وتحديثها. حيث تم إصدار النصوص القانونية والترتيبية المتعلقة بإنتاج الكهرباء من الطاقات المتجددة وتدعيم الآليات التحفيزية من خلال إحداث صندوق الانتقال الطاقي والهيئة التونسية للاستثمار. وستمكن هذه الآليات من تحفيز القطاع الخاص للاستثمار في مشاريع إنتاج الكهرباء من الطاقات المتجددة. كما سعت غرفة الصناعة والتجارة من خلال مشروع " "فوستر ان ماد" projet FOSTER IN MED الى تطوير تقنيات الطاقة الشمسية الفوتوضوئية المبتكرة في منطقة البحر الأبيض المتوسط . ويذكر أن المشروع النموذجي ل"فوستر ان ماد" الذي سيتم إنجازه بمركز تكوين المكونين برادس قد دخل حيز التنفيذ وأن المرحلة الحالية هي مرحلة الإنجاز الفعلي للمشروع على أرض الواقع . ولقد اعتمدت تونس، منذ سنة 2016، استراتيجيّة تحوّل طاقي تعتزم من خلالها إرساء الظروف المناسبة للقيام بانتقال تدريجي ومعتدل للنظام الطّاقي الحالي. ولا تستهدف هذه الاستراتيجية الانفصال السريع والفجئي عن شبكة الطاقة التقليديّة (نفط وغاز) وإنما تنويع مصادر الطّاقة وتنمية الطّاقات المتجدّدة وخصوصا الطاقة الشمسيّة وطاقة الرياح وكذلك الاستغلال الأمثل لمكامن النجاعة الطاقية. وأكد السيد منير المؤخر أن تونس مجبرة على أن تضغط على كلفة إنتاج الكهرباء للحد من الإخلال الذي يسببه ذلك على التوازنات المالية للبلاد والتي تشكو عجزا متفاقما منذ سنوات. كما أن قطاع الطاقة أصبح يمثل حملا ثقيلا على موازنة الدولة وعلى الصناعيين خاصة في ظل ارتفاع أسعار الطاقة وتراجع الدينار معتبرا أن إنتاج الكهرباء باستعمال الطاقات البديلة من قبل المستهلكين من مؤسسات وأفراد لا مناص منه لتغطية العجز الكبير للموازنة العامة للدولة والتحكم في ارتفاع أسعار الكهرباء في السوق المحلية.