في وقت تعاني منه منظومة الصحة العمومية من تجاوزات وانتهاكات كثيرة، وتتصاعد فيه الاحتجاجات من النقابيين أوفي «أركان» المحادثات، اختار الأطباء الشبان شكلا جديدا للاحتجاج ولفضح التجاوزات من خلال صفحة «صب بسبيطارك» أو « Balance ton hôpital». تونس (الشروق) ابتسام جمال فضح الأطباء والتونسيون تراجع واهتراء المستشفيات العمومية وتراجع الخدمات، من خلال حملة الأطباء الشبان بالفايس بوك، فكانت الصورة أكثر من «محزنة» في مؤسسات الاستشفاء العمومية. وللإشارة فإن جاد الهنشيري رئيس منظمة الأطباء الشبان هو وأعضاء المنظمة من كانوا وراء إنشاء هذه الصفحة «BalanceTonHôpital». ولقيت المبادرة صدى عالميا كبيرا. أوساخ وفظاعات من الفضلات الغذائية الملقاة في كل مكان إلى بقايا مواد البناء، وبعض الفئران الميتة والقطط والمعدات التي يلعب بها الأطفال في الشارع، وأكياس القمامة المتكدسة، تعدد الشهادات حول تجاوزات المستشفيات والاستهتار المسجل بالصحة. «دون ذكر اسم من فضلك» هي العبارة التي أرسل بها معظم الأطباء والشهادات ما عاينوه في المستشفيات مثل ما نشر حول الأوساخ ومواد البناء والجدران المتسخة في مستشفى الحبيب بورقيبة صفاقس. وفي نفس المستشفى تم تسجيل تكدس أكوام النفايات الموضوعة إلى جانب أكلات المرضى، وعدم تنظيف الطاولات المعدة للاستعمال وانتشار الفضلات في كل مكان. صورة أخرى نشرها طبيب حواستعجالي صفاقس الذي يعاني من غياب منظفة قارة وهو ما يجعل الأوساخ تتراكم في كل مرة دون تعقيم. وفي مستشفى الرابطة تم تصوير المعدات التي تمل الصدأ ودورات المياه المتسخة والمكسرة، وغرف المرضى الممتلئة بالعلب الكرتونية، والمعدات في مزاحمة لوجود المرضى. وكان الزي الطبي أيضا محل انتقاد من عدد من الأطباء والإطار شبه الطبي حيث علقت أكثر من شهادة حول ممارسات العاملين في قطاع الصحة العمومية الذين يرتدون طاقم العمل في الشارع وحتى في وسائل النقل العمومي مما يجعله معرضا للجراثيم والأوساخ. واعتبر عدد من التونسيين أن مسؤولية الأوساخ لا سيما في دورات المياه يحملها أيضا المواطن الذي يستهتر بالنظافة ولا يجيد الحفاظ على ما هو نظيف. موت وهجرة شهادات عديدة وضعها الأطباء تحمل جرعات إنسانية حول أطباء حاولوا إنقاذ أرواح بشرية لكنهم لم يجدوا لا المعدات ولا الأدوية ولا التجهيزات الضرورية لإنقاذ أرواح. وهو ما جعل عبارة «قررنا لهجرة في بلد لا تحترم فيها الأرواح البشرية» تتكرر بين أكثر من طبيب وجد نفسه يحمل مسؤولية وفاة تونسي والحال أنه حاول بما أمكن لكن العلة في النظام. والدكتورة كوثر قارس السويسي هي من القليلات اللاتي تجرأن على تقديم شهادتها باسمها كاملا وبلا أقنعة حيث تحدثت عن حادثة وفاة رضيع مولود بعد محاولة كل الفريق إنقاذه في ليلة كاملة لكن نقص بعض المعدات حال دون ذلك ليتوفى الرضيع، وتبكي الطبيبة المقيمة تلك الليلة وتبقى ذكرى الرضيع ورضع آخرين فارقوا الحياة بسبب الاستهتار في المعدات ونقص الأدوية في مخيلتها. كلمات كوثر كانت مؤثرة وهي تتحدث عن آخر ليلة قضتها كطبيبة داخلية في مستشفى الأطفال بنابل، وبعد 30 ساعة من العمل كان هناك مولود جاء إلى الحياة وهو في الشهر السادس ويتطلب رعاية خاصة ودواء خاصا وكان متعبا، ويحتاج رعاية خاصة في الإنعاش لا سيما من طبيب إنعاش للرضع، لكن هذا الطبيب غير موجود وإلى اليوم غير موجود. ونظرا لغياب الإمكانيات ورغم محاولات الطاقم الموجود وقتها فإنه لم يستمر في الحياة إلا 28 ساعة. كوثر بكت ليلتها وتحدثت عن أن الرضيع كان سيعيش في بلاد متقدمة ومتحضرة وتحترم الروح البشرية وتعتبره أولوية. وهو ما يجعلها تتأثر كلما تشاهد فيديو لمولود في بلد متقدم ولد قبل وقته وعاش. وتحدت عن تأثر صديقتها تلك الليلة بما حدد قرارها الهجرة، حتى لا يتكرر معها مشهد عدم قدرتها على إنقاذ إنسان بسبب عدم توفير الإمكانيات، والاكتفاء بالنظر إليهم بسبب قلة الحيلة، بين غياب أدوية وإمكانيات. شهادة أخرى من طبيب تحدث عن تعطل المصاعد مما اضطره كطبيب ذات مرة إلى حمل الرضيع في ذراعه وزميلته تضع له الأكسيجين وحمله إلى الطابق الثالث في الدرج. وفي غياب العاملين وعدم انضباطهم وجدت طبيبة داخلية نفسها مضطرة إلى حمل رضيعة خرجت من قاعة العمليات بعد انتظارها ثلاث ساعات العامل المكلف بتحويلها نحو القسم الخاص بها. شهادات أخرى جاءت من مرضى وعاملين حول أطباء يطلبون الرشوة من أجل توليد مريضة، أو من أجل إجراء عملية، أو من أجل علاج مريض. أما في وسيلة بورقيبة فيعمل القسم بممرضة واحدة ل 70 مريضا مع غياب القطن ومعدات أخرى حسب شهادة لمنية هداوي. كما تصاعدت الشكايات من مشاكل مستشفى قفصة الذي يعاني من مشاكل مختلفة من النظافة وصولا إلى طلب الرشوة وسوء المعاملة. كما روى الدكتور زياد بوقرة عما سماه بليلة الرعب التي عاشها عندما كان طبيبا مقيما في قسم الكلى بمستشفى شارنيكول جراء نقص المعدات والاضطرار للبحث عن المعدات والأدوية من قسم إلى آخر، واضطرار الطبيب إلى الخصام من أجل جلب جهاز الأكسيجين لمريض من قسم آخر، وتواصل الوضع إلى اليوم. وتحدث ممثلون عن جمعيات المجتمع المدني عن انتشار الفساد لاسيما في المعدات الطبية حيث عادة ما تصل معدات من الخارج وتوجد جمعيات من الخارج ترغب في مساعدة المستشفيات، لكن سرعان ما تضيع و«تذوب» هذه المعدات. كما أشار أطباء من الخارج إلى رفض الحصول على تبرعات من الخارج بآلات مستعملة رغم أن هذه الآلات أفضل بكثير مما هو موجود في تونس وهي قابلة للاستعمال. ورغم كل الفظاعات والتجاوزات كانت هناك بعض الشهادات حول بعض الأقسام والمستشفيات التي تقوم بواجبها لا سيما المستشفى العسكري، وبعض أقسام مستشفى محمود الماطري. وتحدثت شهادة أخرى عن ممرض في قسم الرعاية الأساسية بمنزل بورقيبة يعتني بالمصحة ويضع الزهور. عريضة الأطباء الشبان من أجل «الكرامة» والحق في الصحة وسط صفحة فضح المستشفيات تم نشر عريضة لإنقاذ الصحة العمومية من المنظمة التونسية للأطباء الشبان. وتهدف إلى ضمان صحة وكرامة التونسي من خلال الرهان على قطاع الصحة العمومية. وقد دعت جميع الأطباء الشبان، والإطار الطبي وشبه الطبي، والتونسيين إلى إمضاء مبادرة وطنية تطرح فيها اهم مشاكل القطاع وونقائصه والحلول لمعالجتها. ومن النقاط التي تم طرحها متابعة ومحاسبة كل من ثبتت عنه تهمة فساد. ونشر كراس شروط رسمي للمستشفيات العمومية، على غرار المعمول به بالمصحات والمستشفيات الخاصة. ورقمنة القطاع، بما في ذلك الملفات الطبية، المواعيد للمرضى، إدارة الموارد الطبية وخاصة منها الأدوية، وغير ذلك، بما من شأنه الحد من الفساد. وإيجاد بديل عن «النظام التكميلي الخاص» الحالي (APC)، وتطوير الميزانية المخصصة للصحة العمومية وإعادة تهيئة المستشفيات العمومية وتجهيزها, ونشر برامج وزارة الصحة للعموم تحقيقا للشفافية. كما دعت إلى إيجاد بديل لطريقة التسمية الحالية لرؤساء الأقسام وإرساء التداول على رئاسة الأقسام مع تحديد فترة معينة للرئاسة، إرساء خريطة طريق على المدى القريب والبعيد في قطاع الصحة. زياد بوقرة عضو مؤسس للأطباء الشبان .. قطاع الصحة في مفترق طرق حاسم تفاعل كبير من الأطباء في صفحة «صب بسبيطارك» فهل هو شكل احتجاجي جديد من الأطباء ؟ - بعد المأساة التي عرفها مستشفى وسيلة بورقيبة، موت الرضع، لم نرد ان تكون هذه الحادثة تعبر فقط عن أرواح ماتت، ثم تنتهي. أردنا أن يفتح الباب لإصلاح منظومة قطاع الصحة العمومية، ولتحسين الخدمات الصحية للمواطن. الحملة على صفحات «الفايس بوك» شارك فيها الأطباء الشبان لكن تفاعل معها أيضا المواطنون وتفاعل معها أيضا أساتذتنا من الأطباء الذين دعمونا وساندونا. هي حملة لكل من عاش أشياء مروعة وعاينها ليتم نشرها في هذه الصفحة. وهدفنا إيقاظ المسؤولين وتحسيسهم بما يحدث في المستشفيات وإصلاح المنظومة العمومية. لاحظنا تفاعلا كبيرا، وهو ما يخلق أملا جديدا في المستقبل، من خلال شكل جديد للحركات الاحتجاجية الراقية بعيدا عن الطرق القديمة المستهلكة، وهذه طريقة لمعالجة مشاكل قطاع الصحة. هل تعتبرون أن مسألة النظافة من أبرز الإشكاليات المطروحة والمستعجلة في المستشفيات العمومية ؟ - حادثة الرضع أثارت مسألة هامة في المستشفيات تتعلق بحفظ الصحة والنظافة التي يجب مراعاتها. وقد وجدنا في الصفحة تفاعلا من شهود عيان في المستشفيات رصدوا الأوساخ والقاذارات المنتشرة في محيط المستشفيات وحتى في بعض أجزائها، وهذا مظهر من مظاهر التسيب وانعدام الاهتمام الذي لا بد من مراقبته عن كثب، إضافة إلى الاهتمام بمسألة غسل الأيدي وبوضع معايير للنظافة في كراس الشروط قصد الوقاية من التعفنات ومن الامراض المعدية، ومن جراثيم المستشفيات. ولا ننسى أن ما قد يكون أصاب الرضع هو جراء هذه التعفنات، وتجعل المرضى وهم يعانون من مناعة منخفضة أكثر عرضة للعدوى بأية جرثومة. هل أن حملة الأطباء الشبان هي ايضا للدفاع عن الطبيب الذي أصبح يواجه اتهامات تردي المنظومة العمومية، وكثيرون منهم هاجروا أو يفكرون في ذلك ؟ - أطلقنا كأطباء شبان ومنذ 6 سنوات صيحة فزع حول تردي أوضاع المستشفيات العمومية. الاتهامات الموجهة من المواطن، يتحمل مسؤوليتها كل من الأطباء والطاقم شبه الطبي وكل المتدخلين في القطاع. ونحن كطاقم طبي لا نتملص من المسؤولية لكن نطالب بتنظيم إطار العمل ووضع المعايير وتحديد المسؤوليات. كما نطالب بمقاومة الفساد وضمان ظروف عمل جدية، وتوفير الإمكانيات لقيام الطبيب بمسؤوليته. وظروف العمل هي من أسباب هجرة الاطباء، حيث تغيب الإمكانيات والظروف المادية والمعنوية، كما نعيش ضغوطات مادية ولوجستية، وغياب إمكانيات مواكبة التطورات في البحث العلمي. كما أن التقنيات الجديدة في المداواة والتشخيص شبه منعدمة، وتغيب خاصة في المستشفيات العمومية مما يجعل الطبيب الطموح يهاجر لتعلم الجديد في الخارج. نحن كأطباء شبان نسعى للمساواة في الحق في الصحة، من خلال توفير الإمكانيات المتطورة لكل المرضى. لكن اليوم المريض الذي له امكانيات يجد هذه التقنيات في القطاع الخاص أو يذهب للخارج، ومن ليست لديه الإمكانيات ... اليوم نعيش علامة فارقة في تاريخ الصحة، فهو مفترق طرق، فإما أن نعطي الصحة الأولوية والإمكانيات، ونسترجع الثقة في الإطار الطبي وشبه الطبي وإلا فإن مستقبل الصحة قاتم.