على أهميتها أتت إجراءات الحكومة بشأن القطاع الصحي متأخرة... يمكن لهذه الإجراءات ان تخفف من «مصيبة» المستشفيات العمومية ومن ازمة القطاع الصحي المريض لكن القطاع يحتاج الى اكثر من تلك الإجراءات التي تأتي بعد مجلس وزاري... تشخيص واقع الصحة العمومية لا يحتاج فقط الى الحديث مع الخبراء وما يسمى بالمجتمع المدني بل يحتاج إلى أن نفهم بعمق لماذا تدهور القطاع الصحي العمومي مقابل التطور الكبير الذي عرفه القطاع الصحي الخاص في السنوات الأخيرة... في تونس هناك حقيقة غير مفهومة وهي ان ملايين المضمونين الاجتماعيين يدفعون مساهماتهم في التأمين على المرض ويدفعون شهريا الضرائب الى الدولة لكنهم محرومون من العلاج في المستشفيات ويضطرون الى دفع مبالغ اخرى طائلة للعلاج في المصحات الخاصة في الوقت الذي يكتفي فيه وزراء الصحة الذين تعاقبوا على الوزارة بتقديم برامج وإعلان إجراءات عادة لا تنفذ ليتواصل الوضع متأزما ومتدهورا وصعبا في المستشفيات التي تفتقر الى الموارد البشرية والتجهيزات والأدوية الضرورية والحساسة... كل التونسيين هربوا من المستشفيات العمومية وأصبحوا تحت رحمة المصحات الخاصة التي استغلت الموقف... كل الأطباء «هربوا» من المستشفيات العمومية لأنها صارت عاجزة عن توفير حق العلاج للمواطن المسكين الذي يدفع الضرائب للدولة ويحرم من العلاج في مستشفياتها... قطاع الصحة العمومية يحتاج الى برنامج إنقاذ حقيقي والى مبادرات وتصورات تعيد الاعتبار الى المستشفيات العمومية التي للأسف فقدت قيمتها وأصبحت عاجزة عن ضمان حق المواطن في العلاج... صحيح ان مستشفياتنا تحتاج الى الاف المليارات لكنها تحتاج أيضا الى إرادة حقيقية للإصلاح والإنقاذ...