ظن كثيرٌ من النّاس أنّ هناك تعارضا بين الوطنيّة والإسلام ولا شكّ أنّ هذا الظنّ أو الاعتقاد عائد إلى ما علق بأذهان النّاس من تفسيراتٍ خاطئة لمفهوم الوطنيّة وما يتعلّق بها من مظاهر وتعبيرات فما مفهوم الوطنيّة بشكلٍ عام؟ وما هي نظرة الإسلام للوطنيّة؟ الإسلام دينٌ يحترم المشاعر الإنسانية التي جُبل عليها الإنسان ويوليها اهتمامًا كبيرًا ويعمل على وضعها ضِمن القالب الصحيح؛ كي تُوظَّف في خدمة المجتمع المسلم ومن تلك المشاعر الأصيلة للإنسان حب الوطن والحنين إليه، لذا وردت كلمة الوطن في القرآن الكريم أكثر من مرة بلفظ الدار أو الديار، قال الله تعالى: (وَالّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ)، وقد أحبّ الرسول -صلى الله عليه وسلم- وطنه الأم مكة وقال عنها إنها أحب البلاد إليه، فالإسلام ينظر إلى الوطنية على أنها حبٌ للوطن وتعلُّقٌ به وانتماءٌ إليه وهذا من الفطرة السوية، دون عصبية جاهلية . وقد اقترن حب الأرض بحب النفس في القرآن الكريم؛ قال الله -عز وجل-: (وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنْ اُقْتُلُوا أَنْفُسكُمْ أَوْ اُخْرُجُوا مِنْ دِيَاركُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيل مِنْهُمْ...) [النساء: 66]، بل ارتبط في موضع آخر بالدين؛ قال تعالى: (لَا يَنْهَاكُمْ اللَّه عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّين وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَاركُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّه يُحِبّ الْمُقْسِطِينَ) [الممتحنة: 8]. وقد وضع الإسلام الأسس القويمة لتعزيز فكرة الوطنية التي يُمكن تعزيزها كفكرةٍ رائدةٍ تخدم المجتمع المسلم بعيدًا عن الأفكار المغلوطة أو الخاطئة حولها عن طريق احترام الإنسان في وطنه وتوفير كافة حقوقه الشرعية والقانونية. وتوفير أشكال الحرية والعدالة كافة التي تضمنها للإنسان القوانين السماوية والوضعية. وتوفير سُبل وأسباب العيش الكريم وكسب الرزق. وتوفير الأمن والأمان لأبناء الوطن كافة والضرب بيدٍ من حديد على أيدي المفسدين والمخربين. والعمل على محاربة الأسباب المؤدية إلى انتشار الفقر والجهل والرذيلة والفساد والمرض. ويعد الانتماء حاجة من الحاجات الهامة التي تشعر الفرد بالروابط المشتركة بينه وبين أفراد مجتمعه، وتقوية شعوره بالانتماء إلى الوطن وتوجيهه توجيهًا يجعله يفتخر بالانتماء ويتفانى في حب وطنه ويضحي من أجله، كما أن مشاركة الإنسان في بناء وطنه تشعر الفرد بقيمته في مجتمعه وتنمي لدى الفرد مفهوم الحقوق والواجبات، وأنه لا حق بلا واجب، وتقديم الواجبات قبل الحصول على الحق. ومن مضامين الانتماء قيمة الاعتزاز والفخر بالانتساب إلى الوطن وإلى جميع مؤسساته المدنية والأمنية والعمل الجاد من أجل تحقيق المصلحة العامة لأبناء هذا الوطن. ويشتمل الانتماء على قيم مهمة تتمثل في قيمة محبة الفرد مجتمعه وحرصه عليه وتفاعله مع جميع أفراده. كما تعد طاعة ولاة الأمر والتفاعل معهم والالتفاف حولهم جزءًا مهما لتحقيق الانتماء الوطني وتحقيقًا لتماسك المجتمع ونجاحه في تحقيق أمنه ونجاح خطط التنمية وتحقيق رفاهيته. كما تتناول قيمة الانتماء الوطني حرص أبناء المجتمع على الحوار بين أفراده وإبراز ثقافة أدب الحوار وأدب ثقافة الخلاف وجعل مصلحة الوطن بارزة أمام الجميع؛ فالحوار من أجل الوطن وليس من أجل تحقيق تفوق شخصي أمام الآخرين. ومن قيم الانتماء الوطني العمل على إبراز قيمة الوحدة الوطنية وجعلها هدفًا يعمل الجميع على تحقيقه والمحافظة عليه، كما أن قيمة التسامح جزء مهم من قيم الانتماء الوطني؛ لأن من يعيش على أرض الوطن له الحق في المشاركة في بناء حضارته والمساهمة في التفاعل مع مجتمعه. ويعد الحفاظ على الأمن جزءًا مهما من الانتماء الوطني للفرد والمجتمع حيث إن المواطن يعيش على أرض هذا الوطن ويعمل على الحفاظ على أمن الوطن الفكري والأمني والاجتماعي والاقتصادي.