في الحقيقة وعلى امتداد فترة حياتنا تظهر في جسمنا خلايا سرطانيّة بصفة دائمة ومتواصلة لكن لا تتحوّل كلّ خليّة سرطانيّة بالضرورة إلى خليّة خبيثة. في البداية يحدث ضرر يطال الحامض الرّيبونووي منزوع الأكسجين DNA (الذي نعثر عليه أساسا في النّواة والمكوّن للرّصيد الوراثي) وتدوم هذه العمليّة فترة قصيرة. إذا لم تقع مواجهة هذه الأضرار وإصلاحها من طرف جسمنا تنتقل الخلايا المصابة إلى مرحلة ثانية تسمّى بالمرحلة الدّفينة أوالكامنة أو المرحلة الصّامتة أو مرحلة التّرقّب وتدوم سنوات قبل ظهور الورم السّرطاني. خلال هذه المرحلة تظهر عوامل عديدة في الجسم منها ما يعطّل ظهور السّرطان ومنها ما يسرّع في بروزه. من بين هذه الآليّات إصلاح الأضرار التي تطال الخلايا عن طريق أنزيمات تصلح المادّة الوراثيّة. عندما تعجز الأنزيمات عن إصلاح العطب يتدخّل الجسم عن طريق جهاز المناعة. كما يمكن للجسم أن يدعم الكولاجين المحيط بالخلايا السّرطانيّة ليمنع توسّعها. عديدة هي المغذيّات التي تساهم في تعطيل وقتل ومحاصرة الخلايا السّرطانيّة من ذلك الفيتامين أ وج وه والبيتاكاروتين واللّيكوبان وبعض الأملاح والمواد المضادّة للأكسدة. كما توجد عديد المواد المستخرجة من النّباتات مثل الفلافونول Flavonoles والإيزوفلافون Isoflavones والتّربان Terpène والإندول Indole ومادّة Resveratroles و Sulfure Diallyle الموجودة في الثّوم والبصل والإيسوتيوسيانات Isothiocyanates المتوفّرة في الخضر من نوع الصّليبات (الملفوف والجرجير والكرنب والفجل واللفت والخردل واللفت، والقرنبيط....) ومواد أخرى نباتيّة متوفّرة في الغذاء أو نباتات طبية وحامية من السّرطان. لكي نتقدّم في علاج هذا المرض العصري بامتياز لا بدّ لنا أن نفهم بعض خصائص هذا الورم. فالسّرطان يحبّذ الحموضة: من المعلوم أنّ الغذاء العصري يمتاز بكميّة فائقة من الحموضة (فارينة، عجائن لحوم حمراء، مقليّات، خبز أبيض، سكريات، مرطّبات، مشروبات غازية، مشروبات صناعيّة...) وبنقص في الخضر والغلال علما بأنّ استعمال المبيدات وتبني زراعة مصنّعة، كيميائيّة ونفطيّة مخرّبة للبيئة والتربة وملوّثة للخضر والغلال قد أدّى إلى تراجع نسبة الأملاح والفيتامينات في الغلال والخضر ففقدت جزء من مذاقها وطعمها. لكلّ هذه الأسباب يصبح الجسم عرضة للحموضة. يقاوم جسمنا هذه الحموضة باستنزاف الأملاح القلويّة (المضادة للحموضة) الموجودة في العظام ممّا يتسبّب في تهششها. تشكل الحموضة عاملا مساعدا على بروز الأورام الخبيثة. في غياب غذاء متوازن ينصح بعض الأطبّاء المختصين بتناول البيكربونات Bicarbonate de soude الذي يضاف إلى ماء الشراب لتعديل نسبة الحموضة في الجسم. السّرطان يأبى الأكسجين: من المعلوم أنّ الخلايا السرطانيّة تنمو وتتوالد في محيط خالي من الأكسجين. فلو وضعنا خليّة لمدّة 72 ساعة في مجال خالي من الأكسجين لتحوّلت إلى خليّة سرطانيّة. يُساهم التلوّث بالمعادن الثقيلة وكذلك التعفّن الفيروسي والبكتيري والمواد السامة (كالمبيدات والمواد السامة المستعملة في المنازل) في انسداد نسبي للشرايين والأوعية الصغيرة وبالتالي يُمثّل عاملا يساعد على ظهور مرض السّرطان إضافة إلى مفعولها المباشر. سيتبيّن لنا لاحقا أنّ علاج مرض السّرطان سيستند إلى هذه الخاصيّة. (يتبع)