«الوسطية» أكثر المفاهيم استعمالا في الخطاب السياسي التونسي، واكثر الوجهات قبلة للسياسيين ،فكل المبادرات التي أثّثت المشهد السياسي في الفترة الأخيرة بُنيت على تبنّى «الوسط» كركيزة أساسية لتوجهات المبادرات والأحزاب حتّى أصبح هذا المفهوم متآكلا وفقد المعنى. تونس الشروق: أصبحت «الوسطية « فكرة ارتجالية خارج أي طرح واقعي، فكل فراغ فكري أو برامجي في أي حزب من الأحزاب الموجودة في المشهد السياسي، يتم ملأه بشعار الوسطية والاعتدال وهو ما جعل هذا التوجّه الذي من المفترض ان يكون حلاّ للعديد من الإشكالات ومهربا من التطرف، أصبح مادّة للصراع. الوسطية أو ما يسمّى بالإنقليزية « Centrism» مفهوم يستخدم للدلالة على التيارات السياسية الوسطية. والوسطية يمكن أن ينظر إليها إما كتأكيد لقوة سياسية متميزة عن اليمين واليسار، وإما كحل وسط بينهما. ويمكن أيضا أن تمثل الوسطية أيضا فكرة الاعتدال بين المحافظة السياسية والتقدمية. وسط اليسار خرجت من رحم توصيف «الوسطية « كتعبيرة سياسية، توصيفات أخرى مثل «الوسط اليساري « أو «وسط اليسار» ويُشار لهذا التوجه إليها أيضاً باسم « اليسار المعتدل» ،ويتميّز هذا التوجه بطرح سياسي يميل الى اليسار ولكنه أقرب الى الوسط والمركز من سياسات اليسار.هذا التيار يتبنى المساواة الاجتماعيّة التي يعتقد أنها قابلة للتحقيق من خلال تشجيع تكافؤ الفرص، ويعارض وجود فجوةٍ واسعةٍ بين الأغنياء والفقراء ويدعم تدابير معتدلة لتقليص الفجوة الاقتصاديّة، مثل ضريبة الدخل التدريجي، والقوانين التي تحظر عمل الأطفال، وقوانين الحدّ الأدنى للأجور، والقوانين التي تنظم ظروف العمل، والحدود على ساعات العمل والقوانين التي تضمن حقوق تنظيم العمال. وسط اليمين كما برز أيضا مفهوم «وسط اليمين « أو ما يسمى «السياسة اليمينية المعتدلة» وهو توجّه يقترب من اليمين ومقارباته السياسية والاقتصادية لكنه يميل الى الوسطية أكثر في مستوى التصورات والأفكار. الكاتب والمؤرخ عبد اللطيف الحناشي يؤكّد ان تبني أغلب الأحزاب والتيارات السياسية في تونس للوسطية ورفعها كشعار يعود أساسا إلى العجز عن ابتكار مفاهيم سياسية جديدة، ويؤكّد انه لا يوجد في تونس أحزاب معترف بها رسميّا تتبنّى المرجعية اليمينية المتطرفة او المرجعية اليسارية المتطرفة. النهضة وحزب العمال وتساءل الحناشي قائلا «الوسطية مقارنة بماذا وبمن ؟» وأضاف ان حتى حركة النهضة لا تقول بأنها تنتمي الى اليمين المحافظ بل تقول بانها حزب محافظ فقط، وأحزاب اليسار وخاصة حزب العمال يميل الى اليسار الاجتماعي اكثر من اليسار الراديكالي. الحناشي شدد على ان مفهوم الوسطية لم يتبلور بدقة خاصة في برامج الأحزاب ،بل بقيت الوسطية شعارا يُرفع في مواجهة حركة النهضة فقط ،معتبرا ان بروز الوسطية بشكل مكثّف كمقولة في الفترة الماضية يمكن تفسيره أيضا بالعودة الى الإرث البورقيبي. الصراع على الوسط أما الدكتور في القانون ونائب المجلس التأسيسي رابح الخرايفي فاعتبر ان بروز الوسطية وكثرة القائلين بأنهم وسطيّون دليل على ان الفكر السياسي في تونس لم يجدد نفسه ومازال يلوك مقولات لا يعرف مضمونها ،وشدّد الخرايفي على أنه لو كانت كل الأحزاب التي ترفع شعار الوسطية مدركة لما تقول لما وُجد هذا التفتت داخل نفس المعسكر. رابح الخرايفي أشار على ضرورة توجيه السؤال حول سبب عقم الفكر السياسي التونسي وعجزه على انتاج افكار جديدة، مؤكدا ان وجود عدد كبير ممن يدّعون الوسطية لا يؤكد التنافس بقدر ما يؤكد التفتت والتشظي ،معتبرا أن الصراع داخل المعسكر الوسطي ليس صراع أفكار بل صراع اشخاص.يكشف الصراع الحاصل على احتكار مفهوم الوسطية الى خواء فكري للاحزاب في تونس وهو ما يجعلها تحاول تغطية ضعف برامجها بتبنيها للفكر الوسطي الذي تعتقد انه اقرب الافكار الى هوية الشعب . مصطلح ديني «الوسطية « أصبحت مفهوما دينيّا بتواتر استخدام هذا المصطلح في السياق الديني وبتأكيد جوهريته في الدين الإسلامي، في مقابل قلّة استخدامه سياسيّا خاصة على المستوى العربي ،إلاّ انه في تونس كثيف الحضور.