نقل تونس.. صيانة واصلاح 100 حافلة و28 عربة مترو بصفة عاجلة (فيديو)    جندوبة.. المجلس الجهوي للسياحة يقر جملة من الإجراءات    منوبة.. الإطاحة بمجرم خطير حَوّلَ وجهة انثى بالقوة    برنامج الجولة الأولى إياب لبطولة الرابطة الاولى لمحموعة التتويج    قبلي: السيطرة على حريق نشب بمقر مؤسسة لتكييف وتعليب التمور    اقتحام منزل وإطلاق النار على سكّانه في زرمدين: القبض على الفاعل الرئيسي    القبض على 24 منفّذ "براكاج" بالأسلحة البيضاء روّعوا أهالي هذه المنطقة    السجن ضد هذه الإعلامية العربية بتهمة "التحريض على الفجور"    الفنان رشيد الرحموني ضيف الملتقى الثاني للكاريكاتير بالقلعة الكبرى    من بينهم أجنبي: تفكيك شبكتين لترويج المخدرات وايقاف 11 شخص في هذه الجهة    البطلة التونسية أميمة البديوي تحرز الذهب في مصر    مارث: افتتاح ملتقى مارث الدولي للفنون التشكيلية    تحذير من هذه المادة الخطيرة التي تستخدم في صناعة المشروبات الغازية    تونس تحتل المرتبة الثانية عربيا من حيث عدد الباحثين    كرة اليد: الترجي في نهائي بطولة افريقيا للاندية الحائزة على الكؤوس    وزيرة التربية : يجب وضع إستراتيجية ناجعة لتأمين الامتحانات الوطنية    قيس سعيّد يتسلّم أوراق اعتماد عبد العزيز محمد عبد الله العيد، سفير البحرين    سليانة: أسعار الأضاحي بين 800 دينار إلى 1100 دينار    كاردوزو: سنبذل قصارى جهدنا من أجل بلوغ النهائي القاري ومواصلة إسعاد جماهيرنا    الڨصرين: حجز كمية من المخدرات والإحتفاظ ب 4 أشخاص    وفد "مولودية بوسالم" يعود إلى تونس .. ووزير الشباب والرياضة يكرم الفريق    الرئيس الفرنسي : '' أوروبا اليوم فانية و قد تموت ''    تتويج السينما التونسية في 3 مناسبات في مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة    جريمة شنيعة: يختطف طفلة ال10 أشهر ويغتصبها ثم يقتلها..تفاصيل صادمة!!    قبلي : اختتام الدورة الأولى لمهرجان المسرحي الصغير    جندوبة: 32 مدرسة تشارك في التصفيات الجهوية لمسابقة تحدي القراءة العربي    باجة: تهاطل الامطار وانخفاض درجات الحرارة سيحسن وضع 30 بالمائة من مساحات الحبوب    روح الجنوب: إلى الذين لم يبق لهم من عروبتهم سوى عمائمهم والعباءات    لعبة الإبداع والإبتكار في رواية (العاهر)/ج2    الحمامات: وفاة شخص في اصطدام سيّارة بدرّاجة ناريّة    قضية سرقة وتخريب بمصنع الفولاذ بمنزل بورقيبة: هذا ما تقرر في حق الموقوفين..#خبر_عاجل    أنس جابر تستهل اليوم المشوار في بطولة مدريد للماسترز    التونسي يُبذّر يوميا 12بالمئة من ميزانية غذائه..خبير يوضح    خدمة الدين تزيد ب 3.5 مليارات دينار.. موارد القطاع الخارجي تسعف المالية العمومية    المهدية : غرق مركب صيد على متنه بحّارة...و الحرس يصدر بلاغا    Titre    رئيس الجمهورية يجدّد في لقائه بوزيرة العدل، التاكيد على الدور التاريخي الموكول للقضاء لتطهير البلاد    الكيان الصهيوني و"تيك توك".. عداوة قد تصل إلى الحظر    ماذا يحدث في حركة الطيران بفرنسا ؟    شهداء وجرحى في قصف صهيوني على مدينة رفح جنوب قطاع غزة..#خبر_عاجل    الترجي يطالب إدارة صن داونز بالترفيع في عدد التذاكر المخصصة لجماهيره    كأس ايطاليا: أتلانتا يتغلب على فيورينتينا ويضرب موعدا مع جوفنتوس في النهائي    لا ترميه ... فوائد مدهشة ''لقشور'' البيض    كتيّب يروّج للمثلية الجنسية بمعرض تونس للكتاب..ما القصة..؟    أكثر من نصف سكان العالم معرضون لأمراض ينقلها البعوض    "تيك توك" تتعهد بالطعن على قانون أميركي يهدد بحظرها    الجزائر: هزة أرضية في تيزي وزو    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    سعيد في لقائه بالحشاني.. للصدق والإخلاص للوطن مقعد واحد    "انصار الله" يعلنون استهداف سفينة ومدمرة أمريكيتين وسفينة صهيونية    اتحاد الفلاحة ينفي ما يروج حول وصول اسعار الاضاحي الى الفي دينار    وزارة الصناعة تكشف عن كلفة انجاز مشروع الربط الكهربائي مع ايطاليا    تونس: نحو إدراج تلاقيح جديدة    في أول مقابلة لها بعد تشخيص إصابتها به: سيلين ديون تتحدث عن مرضها    دراسة تكشف عن خطر يسمم مدينة بيروت    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    مصر: غرق حفيد داعية إسلامي مشهور في نهر النيل    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اليسار والبحث عن ممارسة السلطة
اليسار التونسي بين ماضيه ومستقبل البلاد
نشر في الصباح يوم 21 - 02 - 2011

-رغم تأكيد العديد من الدراسات الأكاديمية أن اليسار في تونس لم يولد من رحم المجتمع التونسي بل كان هبة استعمارية تسلّلت الينا مع بداية عشرينات القرن الماضي عبر النخب الفرنسية المثقفة الموجودة في تونس والمتأثرة بالأفكار الاشتراكية السائدة في وطنها الأم..
الاّ أن تونسة التيار فيما بعد وتمسّك نخبنا بفكره النقدي وايديولوجياته المثلى ساهم في تجذّره محليا بحيث وبعد سنوات نضجت تجربة اليسار التونسي وراكمت ارثا سياسيا واجتماعيا واقتصاديا ...غير أن سنوات القمع والاقصاء لليساريين لم تتح لهم الفرصة للتعبيرعن أفكارهم وتجسيد أطروحاتهم على أرض الواقع فبقيت التنظيمات اليسارية في تونس منذ عهد الاستعمار الى دولة الاستقلال بحكمها الفردي الذي انقسم الى عهدي بورقيبة وبن علي تلعب دور القوة المضادة والرافضة لاستبداد السلطة وجورها... واليوم بعد سقوط نظام بن علي يرى الكثير من الملاحظين أن لليسار فرصة تاريخية للاقتصاص من «سنوات الضياع» وتثبيت أقدامه في المشهد السياسي المتصحّر والبروز كقطب حزبي يضمن توازنا سياسيا على المدى البعيد ويشيع مناخا من الديمقراطية والتعدّدية في ظل قوى تتقدّم بخطى ثابتة نحو أخذ مكانة يخشاها الكثيرون ممن يتمسكون بالعلمانية كمكسب سياسي وحضاري لا ينبغي التفريط فيه دون أن يعني ذلك اقصاء الأخر وتهميشه...
«الأسبوعي» ارتأت فتح ملف اليسار التونسي بإرثه التاريخي وبأطروحاته الراهنة اقتصاديا واجتماعيا فاتحة المجال لليساريين للإجابة عن سؤال جوهري يخالج الكثيرين : هل بإمكان اليسار اليوم قيادة البلاد سياسيا واقتصاديا؟ مع الاستئناس برأي باحث في علم الاجتماع السياسي ومؤرّخ اشتغل على أهم الحركات اليسارية في تونس ألا وهي حركة «آفاق»
--------------------------
حمة الهمامي :إرساء جمهورية برلمانية.. ومصادرة الثروات الفاحشة
لا يمكن الحديث عن اليسار التونسي دون ذكر حمة الهمّامي زعيم حزب العمّال الشيوعي الذي ما انفك يدافع عن أفكاره اليسارية التي اعتقل من أجلها أكثر من مرة وأجبر على الدخول في السرية ليضمن استمرارية نشاط حزبه..
«الأسبوعي» استطلعت رأي الهمامي حول ما يمكن أن يقدّمه الفكر اليساري اليوم من حلول سياسية واقتصادية لتونس وهل هو قادر على قيادة البلاد مستقبلا...
اليسار والطبقة العاملة
رغم أن الكثير من المؤرخين للتيار اليساري في تونس يؤكدون أن اليسار التونسي لم يلد من رحم الطبقة العاملة في تونس كباقي التيارات اليسارية في العالم غير أن زعيم حزب العمّال الشيوعي يدحض هذا الرأي بقوله :»اليسار في تونس له جذور قديمة وقد ظهر بظهور الطبقة العاملة وانتشار الأفكار الاشتراكية خصوصا ابان عشرينات القرن الماضي من خلال المنظمات الاشتراكية والنقابة العمّالية.. وبعد دحر الاستعمار الفرنسي وقيام النظام البورقيبي ظهر يسار جديد معارض لنظام الحزب الواحد وأوجد لنفسه قدما في الحركة الشبابية والنقابية والنسائية والثقافية وهو ما يعود له الفضل في نشر الأفكار التقدمية على نطاق واسع.»
ويضيف الهمامي: «حزب العمّال الشيوعي ولد من رحم اليسار الجديد على قاعدة نقد التجربة الشيوعية واليسارية وما انفك الحزب منذ نشأته منتصف الثمانينات عن النضال مع الشعب ضد الجور والاستبداد..» وحول البدائل التي يحملها اليسار اليوم يؤكّد الهمامي :»نحن نعتبر أن اليسار بما اكتسب من نضج لا يحمل بديلا سياسيا فقط بل هو يحمل أيضا بديلا اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا قادرا على إيجاد الأجوبة الضرورية للمعضلات التي تتخبّط فيها بلادنا..»
البديل السياسي
حول الطرح اليساري السياسي يرى حمة الهمامي أن «في المجال السياسي يطرح اليسار اليوم اقامة الجمهورية الديمقراطية البرلمانية التي توفّر للشعب الحرية والصيانة وتمكّنه من تقرير مصيره»
البديل الاقتصادي
طالما اتهمت التيارات اليسارية بقصور أطروحاتها الاقتصادية وعدم تجاوبها مع معطيات الوضع الاقتصادي العالمي الراهن، غير أن حمة الهمامي كان له رأي مخالف اذ يقول :»ان اليسار يطرح سيادة الشعب على خيرات البلاد وثرواتها الأساسية من خلال التأميم والمصادرة... (تأميم الخيرات الأساسية كالفسفاط والماء والكهرباء) وذلك دون أن ننسى مصادرة الثروات الفاحشة بالقانون وارجاعها للدولة... كما يطرح اليسار ضمان الدولة لأهم الحقوق الاجتماعية والثقافية كالصحة والتعليم والضمان الاجتماعي والسكن لأفراد المجتمع باعتبارها حقوق أساسية دنيا» وفيما يتعلّق بمقترحات اليسار حول علاقاتنا بالقوى الرأسمالية والليبرالية الدولية أفادنا الهمّامي :»يعتبر اليسار أن العلاقة بالخارج الرأسمالي ينبغي أن تقع مراجعتها جذريا من أجل الغاء كلّ الاتفاقيات والمعاهدات التي لا هدف منها الاّ نهب تونس وعرقلة تطوّرها وابقائها في تبعية ... وبالتالي يجب صياغة علاقة جديدة قائمة على المصلحة المشتركة. فالهدف من أي علاقة بالخارج ينبغي أن يكون في خدمة البلاد وشعبها وذلك يكون بنظام اقتصادي وطني وشعبي لا نظام اقتصادي يخدم أقلية استغلالية محلية كانت أو أجنبية.»
التكتل اليساري اليميني
شهدت الأسابيع الأخيرة تقاربا بين التيار اليساري واليميني في تونس بحيث باتت تضمهما أطر واحدة وحول ذلك يقول الهمّامي: «الالتقاء كان بهدف العمل المشترك حول قضايا مشتركة. أمّا تواجد اليسار في نفس الأطر «مجلس حماية الثورة» مع قوى أخرى مختلفة فكريا وسياسيا فمرجعه ما يطرحه الواقع من مهمّات مشتركة لإنهاء الدكتاتورية دون أن يعني ذلك نفيا للاختلاف والخلاف أو الصراع السياسي». وكان للهمّامي موقف واضح من أحداث الأيام الأخيرة التي أكّد أنها تهدف الى تشويه الثورة والتشويش عليها بتخويف التونسيين من خطر الاستمرار في الثورة وإرباكهم وثنيهم عن المضي قدما بالثورة لتحقيق أهداقها.
---------------
محمد الكيلاني : استقطاب القوى الاجتماعية بتخليص اليسار من الشوائب
الحزب الاشتراكي اليساري من الأحزاب اليسارية التي حصلت على التأشيرة بعد سقوط نظام بن علي وكما يتضح من اسمه فان الأفكار اليسارية الاشتراكية خاصة حاضرة في عقيدته السياسية ويصنّف الحزب حسب رئيسه محمد الكيلاني بأنه من أحزاب وسط اليسار المعتدلة عكس الأحزاب اليسارية الراديكالية والتي تجسّدها في تونس المرجعيات الشيوعية... عن تنظيمات اليسار ودورها السياسي والاقتصادي في قادم الأيام والأشهر حدّثنا محمد الكيلاني.
يسار غيرموحد..
حول ما تقدّم يقول محمد الكيلاني «رغم عراقته وتاريخه النضالي الطويل فان اليسار في تونس لا يبدو موحّدا كجبهة قوية او ككتلة حزبية وهو ليس له مشروع مشترك يستلهم من المرجعيات الأم وبالتالي فهو لا يمتلك لا القوة ولا الاليات ليلعب دور القيادة ولا يمكن أن يتجاوز حدود دور الشريك السياسي.. باعتبار أن اليسار يبقى طرحا سياسيا بامتياز لذلك فهو يتعرّض دائما للقمع والتمييز والمحاصرة. ولكي يستقطب اليسار القوى الاجتماعية بقواعدها وكوادرها لا بدّ أن يخلّص نفسه من الشوائب التي علقت به من ذلك أن الشيوعية تعني ضرورة الالحاد وننسى أنها فكرة تكافح الاستغلال وتدافع على الطبقات المحرومة.
التماشي مع روح العصر
قد لا تتماشى اليوم أطروحات اليسار التقليدية التي قد تكون بدت مبهرة في العشرينات من القرن الماضي فالواقع تغيّر وحدود العالم تهاوت وبالتالي وفي اطار مناخ اقليمي له طرحه الاقتصادي ومناخ عالمي في مجمله ليبرالي يجب على اليساريين اعادة النظر في أطروحاتهم بما يضمن تلاؤمها مع الراهن فلا بأس من حماية الطبقات الفقيرة من كل حيف أواستغلال اقتصادي لكن مع الأخذ بعين الاعتبار لكل التوازنات الاقتصادية فالعدالة الاجتماعية ليس بالذات التوزيع العادل للثروات.. فحماية الحقوق الأساسية ووضعها في يد السلطة الحمائية للدولة كالصحة والتعليم والثقافة يمكنها ان تكون من بين الحقوق الاقتصادية المعقولة .. وليس التمسّك بأطروحات عشرينات القرن الماضي وهو ما يجعل اليسار الراديكالي يفشل سياسيا لأنه بهذا المنحى يكون عقائديا يستلهم ايديولوجيته من الأفكار اليسارية التقليدية وليس تيارا سياسيا له برامج واضحة.
وحول مستقبل اليسار يقول الكيلاني» لكي ينجح اليسار في الوصول الى مرتبة التداول على السلطة يجب ان يشتغل السنين المقبلة على مراجعة أطروحاته
وتكييّفه مع متطلّبات الواقع اذ يبدو صعبا اليوم انطلاقا من المعطيات اليسارية الراهنة الوصول الى السلطة اوالانفراد بها»
---------------
جلول عزونة :لا دور لليسار في قيادة البلاد.. لكنه قوي بفكره النقدي
جلول عزونة وجه يساري غني عن التعريف فهو من مؤسسي حزب الوحدة الشعبية في1981 وأوّل رئيس تحرير لجريدة «الوحدة» وهو الآن «رئيس رابطة الكتاب الأحرار» التونسية..
ويؤكّد جلول عزونة «أن ما يميّز اليسار هو التنظيرات الايديولوجية والفكرية الطامحة الى التغيير الجذري للواقع والحلم بغد أفضل «والفكر اليساري حسب ما يذكر محدثنا هو فكر نقدي بالأساس ينطلق من تراكمات ايديولوجية عميقة ضاربة في عمق عصر الأنوار لنصل الى اليسار الراديكالي مع كارل ماركس وضرورة مسح كل التنظيمات القديمة والبناء من جديد..والنفس اليساري الثوري في تونس -يقول محدّثنا- بدأ مع ثورة علي بن غذاهم ضد استبداد البايات والطغيان والتوزيع غير العادل للثروات...لنصل الى عشرينات القرن الماضي ونقابة محمد علي الحامي أولى نقابات العالم العربي ..»الأسبوعي «التقت جلول عزونة ليحدثها عن مدى نجاح اليسار في التجذّر في المجتمع التونسي وعن مستقبله السياسي في المشهد السياسي الراهن.
قمع اليسار
حول تعامل بورقيبة مع اليسار أكّد عزونة «أن اليسار كان يطالب بتغيير جذري للنظام واعتبره مقصّرا في الاستجابة الى تطلّعات الشعب العميقة وبالخصوص منه الطبقات الكادحة والعاملة والمطالبة بتوزيع أعدل للثروات فاليسار حينها وبكل ألوانه كان يطالب بعدم إقصاء الطبقات الفقيرة ولاقت هذه الأفكار قمعا بورقيبيا تواصل ضدّ كل الأطياف اليسار من قوميين وشيوعيين ووطنيين من ذلك محاكمة أمن الدولة للوحدة الشعبية في أوت 1977 وتواصل هذا القمع في عهد بن علي الذي هو في الحقيقة امتداد للعهد البورقيبي.
أوّل سجين يساري في عهد بن علي
يقول جلول عزونة «:أنه كان أوّل سجين سياسي في عهد بن علي لأنه «عند مناقشة الميثاق الوطني القاضي بتشريع ضمانات دستورية وقانونية حتى لا يقع الانزلاق نحو الحكم الفردي والدكترة وحتى لا نضطر ل7 نوفمبر جديد. حذّرت في هذا النقاش من الديكور الديمقراطي الذي كان بن علي بصدد إرسائه بتدجين الأحزاب زجّ بي في سجن.»
لا دور لليسار في قيادة البلاد
ذهبت أراء الكثير من الملاحظين الى أن تقوقع اليسار في التنظير أضرّ به كثيرا وفي هذا السياق أكّد عزونة « أن التنظير مرآة لتوضيح المسار السياسي لكن لا يجب أن يتحوّل الى عقيدة عقيمة»
وأمام هذا المعطي طرحنا على محدّثنا سؤالا قدرة اليسار على قيادة البلاد ؟فأجاب «ان اليسار بتعدّد ألوانه وأطيافه لا دور له في قيادة البلاد فاليسار قوي بفكره النقدي فهو قوة نقد ودفع للأمام بعدم سكوته عن كل الهنات والتجاوزات وأنا أخالف الادعاء القائل بغياب حنكة اليسار السياسية لأن الحنكة السياسية لا تتشكّل فقط من خلال المشاركة في الحكم فاليسار كان ولا يزال قوّة اقتراحية واليسار في العالم وان وصل الى الحكم أحيانا فانه مثّل دائما قوة توازن ضرورية للحياة السياسية للحدّ من غطرسة قوى اليمين والقوى الرأسمالية».
السياسة الاقتصادية
حول السياسة الاقتصادية المقترحة يقول محدثنا «أمام هيمنة التوجّه الليبرالي العالمي على الاقتصاد تفشت الخوصصة وأنا اعتقد أن الخوصصة وان كان لا بدّ منها فانها يجب أن تكون محدودة جدّا مع ضمان حقيقي لمصالح العمّال والموظفين من خلال التأطير العمالي ...واليسار يقترح الآن أقل ما يمكن وقفة تأملية للسياسة الاقتصادية المتبعة قبل الإقدام على مراجعتها وان في بعض الجوانب وذلك مراعاة للاتفاقيات التي أمضتها تونس ولميزان القوى العالمي وللمحيط الاقليمي.»
منية
---------------
محمد معالي :اليسار لن يحوز على إجماع سياسي شعبي
محمد معالي كان أحد الوجوه «البرسبكتيفة» البارزة بداية السبعينات حين مثّلت حركة آفاق متنفسا سياسيا لشباب جامعي متحمّس لأفكار ديمقراطية حقيقية تقطع مع تفشي الهيمنة البورقيبية وحزبه الواحد وحكمه الفردي..
«الأسبوعي» التقته كمناضل يساري سجن من أجل أفكاره مع شباب حركة آفاق لاستطلاع ارائه حول واقع اليسار وقدرته على الفعل في المشهد السياسي التونسي ما بعد نظام بن علي..
اليسار لا يعيش في صمت
حول أفكاره وخلفيته الايديولوجية ذات المنحى اليساري يقول محدّثنا «الجيل السبعيني لآفاق والذي كنت منه تأثّر الى حد بالثورة الثقافية الصينية الماوية السائدة أنذاك في العالم وبالحركات الثورية خاصّة في أمريكا اللاتنية ... بعد سجن القيادات التقليدية لآفاق تغيرت الأفكار داخل الحركة فباتت تستلهم البعد القومي العروبي خصوصا بعد حرب اكتوبر والروح الجديدة التي أصبح يتحلّى بها العرب بخصوص اسرائيل وامكانية هزيمتها ودحرها وكذلك اشعاع أدب الثورة الفلسطيني.. وخلال عشرية السبعينات تواصل الوجود القوي لليسار خاصة في الجامعات لكن الثمانينات كانت بداية اشتعال الصراع بين السلطة كغريم تقليدي وقوى يمينية صاعدة بعيد نجاح الثورة الاسلامية الايرانية والمتمثلة خاصة في حركة النهضة بمرجعياتها المختلفة.
وفي اطار هذا الصراع أسّسنا مجلة» أطروحات» وحاولت كل من التيارات اليسارية واليمينية افتكاك ساحات الجامعة التي باتت ميدانا لاستعراض القوى والافكار.
جليد التسعينات..
منذ تولي بن علي الحكم أراد الاستفراد بالسلطة وبالمشهد السياسي عامة فبدأ في قمع كل القوى المضادة يساريين واسلاميين وهو ما دفع بالكثير من رموز اليسار الى التقوقع على ذاته وانحصار اشعاعه تحت وطأة القمع والعزل والاقصاء أو بفعل الدخول في السرية لتجنّب مواجهة غير متكافئة مع السلطة وهو ما جعل اليسار تعلوه طبقة من الجليد والتجمّد بحيث أن فترة الركود تلك هي التي أثّرت على اشعاعه وتواجده في الفضاءات التقليدية التي نشط فيه لسنوات فاليسار لا يستطيع أن يعيش في صمت أو بشعارات محفوظة بل يجب أن يكون ملتصقا بنبض الشارع وهموم الجماهير.
اليسار عاجز عن قيادة البلاد سياسيا
وفي ما يتعلّق بمطامح التنظيمات اليسارية في قيادة البلاد ومدى قدرتها على ذلك يجيب محدّثنا «ليس من صالح البلاد أن يقودها اليسار في الوقت الراهن فنحن أحوج ما يكون لحكومة وحدة وطنية وسطية لا يسارية ولا يمينية لكن بإمكان كل الأطياف السياسية أن تتشارك لبناء دولة حديثة وديمقراطية.
وتعود أسباب ذلك في رأيه» الى أن طرح اليسار غيّب عن الناس لسنوات بحيث بات هناك لبس واضح في ذهن الناس كما أن سنوات الركود جعلت اليسار يعيش منفصلا عن نبض الشارع وهو ما قد يجعل أفكاره تقليدية بعض الشيء خاصة أن اليسار لا يمكنه أن يعيش على الأفكار المعلبة.» ويضيف محمّد معالي قائلا «هذا لا يعني اقصاء اليسار فهو له من الأفكار التقدمية ما تجعل منه شريكا سياسيا يعتدّ به»
أطروحات اقتصادية جديدة
الطرح الاشتراكي اليساري الكلاسيكي لا يمكن أن تكون له نجاعة معتبرة اليوم في إطار مناخ اقتصادي عالمي واقليمي مرتبطين به ويتبنى الأفكار الليبرالية والرأسمالية ويجب استنباط أطروحات جديدة تطالب بتنمية عادلة والأخذ بعين الاعتبار احتياجات مناطق الظل ويجب تغيير التعامل مع القطاع العام من ملكية مشاعة للدولة محكومة ببيروقراطية مقيتة إلى ملكية جماعية كما يجب أن تسيّر قطاعات الإنتاج من قبل أهله بالإدارة الذاتية.
---------------
سعيدة قراش :ما ينقص اليسار هو التسويق الاعلامي الصحيح
اختلفت رؤى اليسار وتباينت حتى في الأوساط اليسارية نفسها الاستاذة سعيدة قراش ذات المرجعية الايديولوجية اليسارية تقول «اليوم في تونس لا نتحدّث على يسار واحد بل «يسارات» بتلوينات وحساسيات وأطياف تتعدّد وتختلف ... وتبقى الأطروحات اليسارية الراديكالية الأقل اندماجا والأبعد عن القاعدة الجماهيرية العريضة... لكن هناك يسار بالغ في الاعتدال والوسطية بحيث بات يمينا... لكن يجب أن يتعدّل الجهاز المفاهيمي حتّى يتم التواصل المنشود.
فاليسار يحوز على مبادئ أساسية رائدة وقريبة من نبض الشاعر كالتوزيع العادل للثروة والحركات الاقتصادية المبنية على العدالة الاجتماعية .. فعندما حدثت انتفاضة الحوض المنجمي كان هناك مطلب واحد هو الحق في التنمية العادلة البعيدة عن المزايدات السياسية مع مطلب المساواة دون تمييز بين الجهات فكل هذه المطالب هي من عمق الأفكار اليسارية بالاضافة الى التداول على السلطة وتشريك كل الشرائح والفئات مع ضمان حق الطبقات الكادحة عكس ديمقراطية الفكر الليبرالي التي تعني التداول على السلطة دون عدالة اجتماعية حقيقية.
واليسار كذلك أفكاره ضاربة في عمق الاقتصاد العادل دون تهميش أواقصاء او مركزة للثروات تخدم فئة دون أخرى تكون هي الاكثر تنفّذا والاكثر ثراء.
دور حاسما..
حول دور اليسار وعلاقته بالحراك السياسي والاجتماعي تقول الأستاذة قراش «للافكار اليسارية دور حاسم في التعبير عن ثورة الطبقات المطحونة تحت وطأة القمع والحيف الاجتماعي وهو ما لمسناه جليا في أحداث المناجم. فاليساريون هم من اصطفوا للذود على حريات وحقوق سجناء الحوض المنجمي وندّدوا بتراكم ثروات البعض وشظف عيش البعض الأخر وهم كذلك من وقفوا بحزم في الدفاع عن حق الاسلاميين في التمتّع بمحاكمة عادلة تتوفّر فيها كل الضمانات القانونية... وحتى ابان الثورة الشعبية جلّ من خرجوا للشوارع لم ينادوا بشعارات وأفكار يمينية أو دينية بل دافعوا عن قيم يسارية أساسا.
ويبقى لليسار مجال أن يلعب دورا حاسما وتاريخيا دون أن ينفرد بالسلطة لأن المجتمع التونسي قد لا يحتمل الفكر اليساري اذا تعلّق الامر بالعودة الى الخطاب الهوياتي (العربي الاسلامي) رغم أني شخصيا أعتقد ان الهوية متحرّكة وخاضعة للخارطة الجغرافية ينتسب للفكر الانساني...
وبالتالي فالتأسيس السياسي يبدأ من التفكير بالانتماء الى الانسانية في انفتاحها وتسامحها والتمسّك بالقيم الكونية المنادية بعدالة اجتماعية أكثر وبانفتاح اقتصادي متعقّل ورأسمالية تراعي احتياجات الطبقات الكادحة وأنا اعتقد أن ما ينقص اليسار هو التسويق الاعلامي الصحيح ولا بدّ أن تدحض مقولات اليسار ملحدا وبلا أخلاق ونخبويا وذا طابع فوقي ويدعو للتغريب والانسلاخ عن الهوية العربية أو الاسلامية.
---------------
سالم لبيض :غريم النهضة ليس اليسار بل القوى السلفية وحزب التحرير
التجربة اليسارية التونسية لم تكن بعيدة عن دراستها وتمحيصها من منظور اجتماعي أكاديمي بالاستئناس إلى ما راكمته من وشائج اجتماعية على مرّ سنوات من النضال والصدامات مع الغرماء الايديولوجين ومع السلطة..»الأسبوعي» التقت بالدكتور سالم لبيض الباحث في علم الاجتماع السياسي وحاورته حول عدة مسائل مفصلية تهم تجربة اليسار التونسي..
كيف تتجلّى علاقة اليسار بالمجتمع التونسي ؟
قبل الحكم على علاقة اليسار بالمجتمع التونسي لابدّ من الرجوع الى الوراء شيئا ما وتفكيك معنى اليسار فاذا كنّا نقصد باليسار كل من يعتمد الماركسية اللينينية والستالينية والماوية والغيفارية مرجعية ايديولوجية له فيمكننا القول أن اليسار تيار واسع يضمّ السياسي والفكري والايديولوجي والنقابي. أما اذا كنّا نعتبر أن اليسار هو موقف سياسي بالأساس فيمكن أن نتحدّث عن أكثر من يسار وليس يسارا موحّدا.. والأرجح عندي أن نتحدّث عن اليسار اليوم في صيغته أو صيغه السياسية وليس بالمعنى الايديولوجي وبهذا المنطلق يصبح اليسار التونسي مجموع الأحزاب التي تعتمد الماركسية مرجعية فكرية لها لكنها تنشط سياسيا من أجل تحقيق أهدافها وبهذا المعنى لا يكون اليسار موحّدا بل متعدّدا ومختلفا وأحيانا متناقضا ...
وعلاقة اليسار بالمجتمع التونسي انبنت على معطى تاريخي هام يعود بنا الى العشرينات من القرن الماضي عندما ظهر الحزب الشيوعي الفرنسي مجسّدا في مجموعة من المعمرين الشيوعيين لتتم تونسة الحزب لاحقا ويمرّ بمجموعة من المراحل كانت معروفة لدى المؤرخين.. ومن رحم تلك التجربة نشأت عدة تيارات وأحزاب يسارية وهي ليس لها موقف متجانس لا من المجتمع ولا السلطة ففي حين يبرز اتجاه براغماتي يتعامل مع ما وصفها أولوية مطلقة لتحقيق الأهداف السياسية وان كان ذلك في ظلّ حكم وهيمنة الغريم السياسي وهذا الاتجاه كرّسه ومارسه بعض أفراد حركة «أفاق» مثل محمّد الشرفي ذو المرجعية الماركسية «الراديكالية» الذي قبل أن يعمل وزيرا في ظل حكومة يقودها جنرال ويهيمن عليها حزب واحد و كان المهم أن يجد سبيلا لتنفيذ أفكاره... وفي مقابل ذلك هناك تيارات يسارية أخرى راديكالية اختارت العمل السري طيلة حكم بن علي..
وتبقى العلاقة بين اليسار والمجتمع التونسي علاقة في غالب الأحيان نخبوية وقد تصل الى نوع من الفوقية لأن الأحزاب اليسارية التي هي من المفترض أن تكون ممثلة للطبقة العاملة والشرائح الاجتماعية الأكثر تهميشا واضطهادا تجد نفسها تعيش نوعا من الانفصام الثقافي وتجد هوة عميقة بينها وبين مختلف تلك الشرائح الاجتماعية اعتبارا لكون الخطاب الفكري والسياسي الذي تروجه غالبية التيارات اليسارية يبقى خطابا مبهما وغامضا بالنسبة للشرائح الاجتماعية الدنيا.. كما أنه بقدر ما استطاعت التيارات السياسية أو أغلبها أن تعيد انتاج تفكيرها وارائها تجاه قضية الهوية الاّ أن التيارات اليسارية في أغلبها لم تستطع اعادة التفكير وانتاج خطابها الديني وتجديد الموقف من الاسلام ليس بوصفه الوجه الأخر للهوية العربية وللغة العربية وانما بوصفه دين الغالبية العظمى من الشعب وهو الحاضن لمجموع القيم الأخلاقية والاجتماعية والثقافية السائدة وأنا أعتقد أنه طالما لم تستطع تيارات اليسار اعادة النظر في موقفها من الاسلام بوصفه المرجعية المتجدّدة والمتنقلة من جيل الى جيل لدى التونسيين يصبح العسير بالنسبة لهذه التيارات أن تبني لنفسها عمقا اجتماعيا يمكّنها من دخول عالم الساسة وممارسة الحكم من بوابة الشرعية الشعبية.
كيف يمكن ان تقيمون العلاقة بين قوى اليمين واليسار في تونس؟
أنا أرى أن المساحة التي يحتلها كل من اليمين واليسار بالمعنى التقليدي للمصطلحين هي مساحة غير ثابتة ومتغيرة وربما بدأنا نرى في الساحة التونسية بعض من مشاهد الساحة السياسية في أوربا وهذا ينعكس خاصة من خلال الالتقاءات والتحالفات ومن خلال العلاقة بين الجماعات اليسارية من خارج السلطة وحركة النهضة فوجود كلا الطرفين في مجلس حماية الثورة وسابقا فيما كان يعرف بجبهة 18 اكتوبر يعكس لنا أن الرؤية السياسية بدأت تتغيّر ولا أقول تغيرت لأن قوى جذب من الطرفين يمكن أن يرجع بها الى مربّع الصراع ناهيك أن ما يهدّد النهضة اليوم لم تعد المجموعات اليسارية بل أن غريم النهضة هوالقوى السلفية والجهادية وحزب التحرير التي تبدو أمام النهضة على أنها جزء من المشهد الراديكالي الاسلامي الذي يصل الى حد التطرّف غير أن المرحلة السياسية الراهنة تستدعي هذا التكتل بين قوى اليمين واليسار مع بعض القوى الأخرى من المجتمع المدني في مجلس حماية الثورة واضعة هذه القوى اختلافاتها على جنب لتشتغل مع بعضها حتى لا تسرق الثورة لان قوى الردة منظمة وقوية ولها امكانياتها والياتها ومن هنا يمكن أن نفهم أن نضجا سياسيا هبّت ريحه على جميع التيارات الايديولوجية لتتمكّن من التعايش رغم تناقضاتها الجوهرية.
تاريخيا كيف كانت علاقة بورقيبة بالتيارات اليسارية ؟
يمكن القول أن الصراع الرئيسي لبورقيبة لم يكن مع اليسار فالصراع الذي ظهر في نهاية الستينات وبداية السبعينات كان مسبوقا بصراع دموي مع الحركة اليوسفية وبالتالي يمكن القول أن أعداء بورقيبة الحقيقيون هم اليوسفيون ذوي الانتماء العروبي القريب من جمال عبد الناصر حيث وقع سحلهم سحلا... وعكس ذلك كانت علاقة بورقيبة باليسار علاقة صراع سياسي بالأساس ولم يكن ذلك الموقف يفسد الود بين الكثير من مجموعات اليسار وبورقيبة التي وقفت معه في صراعه ضد بن يوسف وضد جماعة قفصة.. وبقي مفكر اليسار ينظرون لبورقيبة على انه رجل حداثة ويتفقون معه حول نظرته الازدرائية للدين التي جمعتهما فكريا.
هل يمكن للاطروحات الاقتصادية اليسارية أن تجد صدى لها في الوقت الراهن مع الأخذ بعين الاعتبار للتوازنات الاقليمية والعالمية التي تنتهج مسارا ليبراليا رأسماليا ؟
الأطروحات الاقتصادية التي تقوم على تأسيس الاقتصاد الاشتراكي الذي تحكمه الطبقة العاملة أصبحت تصنّف شيئا ما في خانة الأفكار الطوباوية الاقتصادية وأعتقد أن الكثير من مجموعات اليسار هيأت نفسها لكي تدافع عن الاتجاه الليبرالي للاقتصاد مثل دفاعها عن الليبرالية السياسية وبالتالي وفي أقصى الحالات اما متعايشة مع هذا الاقتصاد الليبرالي المعولم الذي يبدو أن فك الارتباط معه صعب لأنه يمثّل بناء اقتصاديا فوقيا ليس من السهل بالنسبة للاقتصاديات المحلية التخلّص من تداعياته وتأثيراته الاّ باقناع نفسها بأنها تقوم بدور في هذا المجال يعود الى نوع من حمائية الدولة الى ذلك الاقتصاد حتى تشعر بالتماهي مع أطروحاتها التقليدية.
منية العرفاوي
---------------------------
عبد الجليل بوقرة : مشكلة اليسار التشتّت التنظيمي.. ولا دور سياسي له مستقبلا ما لم يعد إلى روح «آفاق»
مجلس حماية الثورة ولد ميتا بتناقضات قابلة للانفجار
لم تكن التجربة اليسارية بعيدة عن الدراسات الجامعية والأكاديمية بالنظر الى زخمها الثقافي والاجتماعي والسياسي... الدكتورعبد الجليل بوقرة المؤرّخ والجامعي تناول في كتابه حول حركة آفاق اليسارية الكثير من المحطات التي مرّ بها اليسار التونسي بانكساراته وباللحظات التاريخية التي أتيحت له ولم يستغلها ليكسب القاعدة الجماهيرية القادرة لوحدها على منحه شرعية شعبية..
«الأسبوعي» التقت بعبد الجليل بوقرة ليشرح أسباب نكسة اليسار في الماضي وهل بإمكانه اليوم قيادة البلاد سياسيا واقتصاديا؟
تونسة اليسار وأخطاء البداية
يقول الباحث عبد الجليل بوقرة في معرض حديثه عن حركة «آفاق» اليسارية»: قبل الحديث عن حركة آفاق هناك اشكالية لابدّ من الاشارة اليها وتتعلّق باليسار هي هل أن اليسار جزء من تاريخنا الثقافي والاجتماعي والأهم هو هل كان لهذه الحركة دور في الحراك الاجتماعي وفي استقطاب واستيعاب كافة الشرائح الاجتماعية.. باعتبار أن كل قاعدة اجتماعية ضرورية لكل حركة سياسية التي قد تقودها نخبة لكن لا بدّ أن تغذيها القاعدة الاجتماعية.
وتاريخيا فاليسار التونسي لم ينشأ داخل الأوساط العمالية الطبقة المعنية بفكر اليسار الاشتراكي فكل أنحاء العالم كانت الطبقات العمالية هي من تبنت الأفكار اليسارية المنصفة لها اجتماعيا... ففي تونس ظهر اليسار أول ما ظهر في عشرينات القرن الماضي في أوساط فرنسية كامتداد لليسار الفرنسي على يد جان بول فينودوري ورغم تونسة اليسار فيما بعد على يد نخب تونسية لم يكن ذلك كافيا لإيجاد صيغة للتواصل مع العمّال رغم عدم إنكار نبلهم وصدق نواياهم فالتونسة كانت تونسة شخصيات وليس تونسة برامج وأهداف وبقي اليساريون على مسافة بعيدة من طموحات وأهداف الشعب التونسي الذي طالب مع نهاية الأربعينات بالاستقلال التام عن فرنسا في حين كان الشيوعيون يطالبون باتحاد فرنسي على غرار الاتحاد السوفياتي..
ابن شرعي لنظام الحزب الواحد
في النصف الثاني من القرن الماضي تشكّلت ملامح جديدة لليسار التونسي بولادة حركة أفاق التي يصفها الدكتور عبد الجليل بوقرة بقوله «من رحم آفاق ولدت أطياف اليسار الحالية» ويضيف «بعد الاستقلال عاشت جموع الشباب المتطلّعة بعيون حالمة لدولة الاستقلال وينتظر أن تنجز له الحداثة المنشودة وترسي مبادئ دولة القانون والمؤسسات كواقع وليس كشعار .. لكن النتيجة كما وصفتها الكاتبة هالة الباجي «خيبة وطنية: دراسة حول الاستقلال» وهي خيبة بداية الاستقلال التي سادت عندما برزت النزعة الاحتكارية لكل المؤسسات والفضاءات من طرف الحزب الحرّ الدستوري التونسي.. ومن داخل الجامعة برز قطب يساري جديد ضمّ تروتسكيين ومنهم وزير الثقافة الحالي عز الدين باش شاوش والاشتراكيين العرب ومنهم رشيد بللونة والشيوعيين ومنهم خميّس شمّاري و صالح الزغيدي وكذلك اليساريين المستقلين نور الدين بن خضر وأحمد السماوي وهاشمي جغام..
وهو ما مثّل قطبا يساريا داخل الجامعة رغم أن بورقيبة منع أي نشاط سياسي خارج هياكل الحزب الدستوري لكن الحركة الطلابية تحولت الى حركة سياسية ستلعب دورا سياسيا داخل المجتمع التونسي ككل وجاء في هذا السياق تأسيس منظمة افاق في ديسمبر 1963 كأنها مولود شرعي بعد 9 أشهر لتمركز نظام الحزب الواحد..علما ان التنظيم بدأ عبارة عن مجلة تناقش الأفكار اليسارية ولا تنطق باسم أي حزب أو تنظيم.»
محاولات لكسب الجماهير
ولم تخلّص بداية الستينات اليسار من نخبوية البداية مع ذلك تكرّرت محاولاته للالتحام بالجماهير الواسعة، وعن ذلك يقول محدّثنا «رغم أنه منذ نهاية الستينات بدأ التعامل الشرس لبورقيبة مع قيادات حركة آفاق الذين زجّ بهم في السجن فان باقي منخرطي الحركة بدأوا في تغيير الخط السياسي أملا في استقطاب الجماهير فبعد حرب اكتوبر 1973 برز النفس القومي العربي في الحركة ورغم ذلك بقوا على مسافة من الجماهير رغم أن محاكمات 68 كلّفتهم 150 سنة سجنا ..لتكون الثمانينات بداية التشظّي الفعلي للحركة مع عجز في الوصول الى الطبقات الكادحة جوهر التنظير اليساري.»
ومن بين أسباب العجز يقول بوقرة «بالاضافة الى دور السلطة المحوري من خلال قمعهم فان العامل الذاتي لا يمكن تغييبه فالقيود الايديولوجية جعلتهم لا يحلّلون الواقع بآليات سياسية بل بآليات ايديولوجية..»
تشتّت تنظيمي..
حول راهن اليسار يقول الدكتور بوقرة «الى اليوم مازال اليسار ينشط على هامش التاريخ ولم يستوعب بعد اللحظة التاريخية.. فاليوم من الضروري أن تكون هناك كتلة يسارية تحدث التوازن مع القطب اليميني المتمثل في حركة الاتجاه الاسلامي وتحديدا حركة النهضة.. فقد أعاد اقتراف نفس الأخطاء بصيغة أخرى ففي أواخر الثمانيات هاجم اليساريون قيادات النهضة ودخلوا معهم في صراع أجوف واليوم ينظرون بعيدا عن نبض الشارع بل يتحالفون مع الغريم السياسي فمجلس حماية الثورة الذي جسّد هذا التحالف ولد ميتا باعتباره يحمل متناقضات قادرة على الانفجار في أي لحظة فالاختلاف الايديولوجي هو قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي لحظة..
بعث جديد لليسار..
وحول مستقبل اليسار في المشهد السياسي التونسي أكّد الدكتور عبد الجليل بوقرة «الأمل مستقبلا هو بعث جديد لليسار متمثل في الشباب الذي قاد الثورة والذي يعبّر عن نفسه ويجدها في أفكار يسارية وقومية واسلامية ولا يخضع لا للقيود الايديولوجية ولا للثقل العقائدي ولذلك قد يبشّر الشباب بولادة يسار جديد بعد أن يكون رموز اليساراكتشفوا أن يسارهم أصبح كلاسيكيا مقارنة مع شباب الثورة لأنه لم يستوعب جوهر تجربته ولم يقم بقراءتها قراءة علمية لما أفرزته من تشتّت تنظيمي فالرأي العام التونسي لا يعرف ما هو الفرق بين حزب العمّال الشيوعي وحركة «الديمقراطيين الوطنيين» وحركة «اليسار الاشتراكي».. بالاضافة الى تغييب كلي للشباب في هياكل هذه التنظيمات اليسارية اذ استعمل ديكورا في جبهة 14 جانفي.. وكل ذلك التشتّت أسفر عن عجز اليسار في تشكيل قطب متماسك قادر على توجيه الأحداث والتأثير فيها في مواجهة النهضة.
وذلك لن يتحقّق ما دام اليسار لم يعد الى روح حركة آفاق عند التأسيس فانه لن يقوم بدور في المستقبل رغم أن البلاد في حاجة ملحة الى قطب حداثي تقدمي في ظل حكومة سياسية أعتقد أنها ستبقى دائما حكومة فنية مؤقتة لأنه تم الفصل الكامل بين الدولة والأحزاب السياسية.
منية العرفاوي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.