رغم ان منظومة الحكم المحلي واللامركزية قلّصت نسبيا من مشمولاته إلا أن الجهات تبقى دائما في حاجة إلى «الوالي» خاصة في الفترة الانتقالية التي تسبق الارساء النهائي للحكم المحلي والجهوي. تونس – الشروق: طوال السنوات الماضية تمكن الولاة في مختلف جهات البلاد من المحافظة على جانب كبير من استقرار وتماسك الدولة وعلى الامن والسلم الاجتماعي في الجهات رغم الصعوبات العديدة التي اعترضتهم ورغم تقصير بعضهم في القيام بمهامهم على الوجه الأفضل. لذلك ظل الولاة – رغم ما تعرضوا له من اضعاف وتهميش ورغم ان القانون الجديد للجماعات المحلية قلص من مهامهم- سلطة جهوية كبرى تعول عليها الدولة في الجهة في شتى المجالات. ومؤخرا اجتمع رئيس الحكومة بالوُلاة وكلفهم بمهمة متابعة منظومة السوق في الجهات والتشارك مع الرقابة الاقتصادية والسلط الامنية للقضاء على مظاهر الاحتكار وترفيع الأسعار وهو ما يؤكد تواصل الدور الكبير للوالي في الجهة لانه يبقى في نظر المتابعين سلطة ذات وزن هام على الصعيد الجهوي على الأقل خلال هذه الفترة التي تتميز بتقلبات مختلفة عديدة. جزء من الدولة طيلة أكثر من 60 عاما، ظل الوالي بمثابة العمود الفقري للدولة حيث منحه الرئيس بورقيبة منذ الاستقلال سلطة كبرى للتدخل في شتى المجالات. فهو المجسم للدولة في جهته (يأتي في مرتبة رابعة بعد رئيس الدولة ورئيس الحكومة والوزير) ويجب ان يكون في مثل قوتها وهيبتها وكفاءتها وقدرتها على ادارة الشأن العام بمختلف جوانبه الاقتصادية والاجتماعية والأمنية وتأتمر بأوامره كل السلطات الجهوية. صلاحيات كبرى حسب القانون المنظم لمهامه، فان الوالي هو المؤتمن على سلطة الدولة وممثل الحكومة بدائرة ولايته وهو مسؤول عن تنفيذ السياسة القومية للتنمية على الصعيد الجهوي، وبهذه الصفة يدرس ويقترح على الحكومة الوسائل الكفيلة بتحقيق النهضة الاقتصادية والاجتماعية لدائرة ولايته. كما يسهر على تنفيذ القوانين والتراتيب والقرارات الحكومية. ويتولى تحت سلطة الوزراء الذين يهمهم الأمر تنشيط وتنسيق ومراقبة المصالح الجهوية الراجعة بالنظر للإدارات المدنية التابعة للدولة. ويباشر الوالي إدارة الشؤون العامة للولاية ويسهر على المحافظة على الأمن العام بها. ويمكن للوالي وحده وبعد الترخيص مسبقا من الحكومة الالتجاء إلى القوة المسلحة كلما اقتضت ذلك الظروف الاستثنائية. ضعف وهشاشة بعد الثورة وقع تهميش اسم الوالي مع مختلف الحكومات الانتقالية مما تسبب في تراجع المكانة الاعتبارية للوالي وهيبته بالتوازي مع تراجع شامل لهيبة الدولة. فكم مرة يجد الوالي نفسه في وضعية صعبة في ظل اتهامات عديدة له بالتقصير وبعدم الكفاءة وبعدم القدرة على حل الملفات الشائكة في جهته، وكانت هذه الاتهامات والانتقادات في بعض الاحيان في محلها. لكن في احيان اخرى كان الوالي في بعض الجهات ضحية التجاذبات والصراعات السياسية والعراقيل المجانية وهو ما ادخل على عديد الولاة الارتباك وأضعف سلطتهم وافقدهم هيبتهم. لامركزية يقتضي نظام اللامركزية والحكم المحلي حسب الدستور ومجلة الجماعات المحلية اسناد رئاسة المجلس الجهوي إلى رئيس منتخب من بين الأعضاء المنتخبين مباشرة من الشعب في الانتخابات الجهوية التي ستُجرى لاحقا. كما منح قانون الجماعات المحلية الجديد صلاحيات عديدة للمجلس الجهوي ولرئيسه كانت في السابق من صلاحيات الوالي. وهو ما سيزيد من تراجع واضعاف دور وسلطات الوالي في الجهة ( الولاية). كما ان صلاحيات القرار بالنسبة للشان الاقتصادي والتنموي في الجهة ستنتقل من الوالي الى المجلس الجهوي اذ ينص القانون الجديد للجماعات المحلية على ان للجهة جماعة محلية تتصرف بحرّيّة في الشؤون الجهوية وتعمل في نطاق دائرتها على تحقيق التنمية الشاملة والمتضامنة والتكامل بين المشاريع التنموية والمرافق العامّة ودعمها وتعزيزها. بينما كان ينص القانون السابق على ان «الوالي مسؤول عن تنفيذ السياسة القومية للتنمية على الصعيد الجهوي ويدرس ويقترح على الحكومة الوسائل الكفيلة بتحقيق النهضة الاقتصادية و الاجتماعية لدائرة ولايته». ويعتبر المختصون ان منظومة الحكم المحلي واللامركزية مازالت تواجه عديد الصعوبات خاصة من حيث التسيير، لذلك فانه من الافضل في رايهم تخصيص فترة انتقالية لبضع سنوات يواصل خلالها الوالي الاضطلاع بالصلاحيات الهامة والحساسة إلى حين اكتساب المجلس الجهوي الخبرة والدراية اللازمة بتسيير الشأن الجهوي. تطور وضعية الوالي ماي 1975 : صدور أمر يصنف الادارة العامة للشؤون الجهوية ( ينتمي إليها سلك الولاة) والإدارة العامة للجماعات العمومية المحلية ضمن الهياكل الادارية المختصة لوزارة الداخلية. 20 ماي 2016 : قرار رئيس الحكومة السابق الحبيب الصيد الحاق الادارة العامة للشؤون الجهوية (ينتمي إليها سلك الولاة) برئاسة الحكومة والإدارة العامة للجماعات العمومية المحلية بوزارة الشؤون المحلية والبيئة. 11 ماي 2017 : قرار رئيس الحكومة يوسف الشاهد اعادة الحاق الإدارة العامة للشؤون الجهوية (التي تُعنى أساسا بعمل الوُلاة) بوزارة الداخلية بعد مرور عام عن الحاقها برئاسة الحكومة. وبذلك استرجعت وزارة الداخلية الاشراف على سلك الولاة وهو ما سهل نسبيا مهامهم خاصة من حيث التنسيق بينهم وبين السّلطات الامنية الجهوية ( اقاليم ومناطق الامن).