رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي يقرر التمديد في حالة الطوارئ. الخبر يبدو عاديا لأغلبية التونسيين بما أن التمديد تحول إلى قرار شهري روتيني، ولكنه ليس عاديا بالنظر إلى المعطيات التالية: فخلال شهر مارس هدد قايد السبسي بعدم التمديد خلال ترؤسه اجتماعا لمجلس الأمن القومي ثم اضطر إلى ترؤس اجتماع موال ليقرر فيه التمديد على مضض ابتداء من يوم 6 أفريل الماضي. فما الذي تغير هذه المرة حتى يعود الباجي إلى عادته في إصدار قرار التمديد دون تهديد ودون ضجة ودون اجتماع مجلس الأمن القومي ودون ترقب وتحسب وتخمين حول إصدار القرار من عدمه؟. لم يتغير شيء عدا عادتنا التونسية في وضع الجميع أمام الأمر المقضي فالباجي تذكر خلال مارس الماضي أنه كان يصدر قرارات التمديد في حالة الطوارئ بناء على أمر صادر سنة 1978 ومناف لأحكام دستورنا الحالي. في المرات السابقة كلها لم يكن رئيس الجمهورية يهتم لمخالفة الدستور ولا لمواقف الحقوقيين وأساتذة القانون الدستوري بل كان كل همه أن يوفر للحكومة (التي كان يتحكم فيها) كل الوسائل الممكنة لحفظ النظام وحماية الدولة وحماية نفسها. في مارس تذكر أنه يعتمد أمرا غير دستوري فهدد بعدم التمديد ما لم يصدر قانون جديد دستوري، ثم اضطر خلال أفريل الماضي للتمديد وحماية الحكومة التي صار يتمنى سقوطها من باب تقديم المصلحة العامة فمصلحة البلاد أولى من مصلحته ومصلحة حزب النداء في إلحاق الضرر بالحكومة. في ماي الجاري لم يتم إصدار القانون الجديد ولم يجنح الباجي إلى التهديد لأنه لن يضيف شيئا فالحكومة باقية رغم أنفه إلى ما بعد الانتخابات ونواب البرلمان لا يملكون الوقت ولا الدافع ولا الضرورة للنظر في مشروع قانون الطوارئ. في هذا يكرس الجميع ما نعيش عليه من مبادئ، فرئيس الجمهورية التونسي مثلنا لم يصدر تهديده حتى يتم احترام الدستور، بل لإحراج الحكومة، ولما فشل، عاد إلى الروتين الشهري في التمديد، وهو ككل التونسيين لا يعاند ولا يلح على المصلحة العامة بل يكتفي بمحاولة وحيدة دون أن يعود إليها في غياب المصلحة الشخصية. ونوابنا الأفاضل لا يفعلون شيئا تحت الضغط والتهديد مثلهم في هذا مثل التونسيين الذين يمثلونهم بل يفعلون ما يروق لهم متى شاؤوا كما لو كانوا موظفين في إدارة عمومية. وأما الحكومة فلا يهتز لها جفن بل تفعل بالمثل التونسي القائل «شنقة مع الجماعة خلاعة» فلو تم التمديد استفادت مع البلاد كلها، ولو غاب كانت متضررة ضمن بقية المتضررين، لهذا لم تعلق قط على تهديد الباجي السابق ولم تشكره على تمديده بل اكتفت بإجراء روتيني لا يتجاوز حد التشاور بين رئيسها ورئيس الجمهورية. بالمناسبة لم أصادف هذه المرة أي اعتراض على التمديد… لا تتعجبوا فالحقوقيون المطالبون بالإعتراض هم في النهاية تونسيون لا يتدخلون إلا بعد وقوع الكارثة، لهذا لن يعترضوا اليوم على إصدار تمديد غير دستوري ولكنهم سيقيمون الدنيا عند تنفيذه. و.... «يوفى الكلام».