اتسمت العلاقة بين الهند و تونس بالودية و الدعم المتبادل لما للشعبين من روابط مشتركة عديدة خاصة في الطموح والغايات والتطلع الى تحقيق نمو مستدام كثّفا من اجله التعاون الاقتصادي لإيمان قيادتي البلدين بان التعاون بينهما في مصلحة كليهما لخلق افاق اوسع امام اقتصاديهما. حول هذه التعاون الاقتصادي وافاقه وعائداته على البلدين خاصة تونس كان ل»الشروق» هذا الحوار مع سفير الهند ببلادنا ببلادنا سعادة براشانت بايسي. لو توصّف لنا العلاقات بين البلدين ومؤشراتها في التعاون بينهما؟ علاقات البلدين ضاربة في القدم تاريخيا وكانت المبادلات بينهما من قديم الزمان وهو ما تواصل حاليا وتم استثماره للبناء عليه لمعرفة الشعبين بطبائع بعضهما البعض وحاجياتيهما وما يمكن ان يفيد به هذا الطرف ذاك وقبل استقلال تونس شهدت العلاقة بينهما منحى جديدا بمساندة الهند لبلادكم العزيزة علينا في المحافل الدولية سعيا للاستقلال. كما اقتدت تونس برموز حركة التحرير في الهند أشهرهم الزعيمين مهاتما غاندي وجواهرلال نهرو واستوحت من التجربة الهندية الكثير وصولا إلى الاستقلال التام الذي ما ان تحقق لتونس حتى انطلق مشوار تطوير العلاقات بين البلدين وبدأت مرحلة جديدة وفريدة من العلاقات الثنائية التي تبلورت في شكل وفود رسمية و بعثات تجارية وفرق ثقافية لفتح أفق الاستثمار للاستفادة من خبرات بعضهما البعض في ميادين مختلفة وكسر الحواجز و فتح جسور التواصل بين الشعبين ليتعرفوا على ثقافة جديدة رغم بعدها الجغرافي فإنها تضيف الكثير لزادهما المعرفي. منذ انطلاق الالفية الجديدة برزت الهند كقوة اقتصادية صاعدة بقوة فاي فرص ارحب للتعاون بين البلدين في هذا المجال خاصة انه يكاد ينحصر في الفسفاط الذي يعد أكبر منتج تونسي تستورده الهند من بلادنا؟ صحيح ان الألفية الجديدة مثلت حجر الأساس في دفع نسق الترابط الدبلوماسي الهنديالتونسي عبر بعثات و لقاءات رفيعة المستوى أفضت إلى التوقيع على خارطة طريق هي الأولى من نوعها في تاريخ العلاقات بين البلدين. هذه الخارطة حددت حاجيات كل بلد من الاخر ووضعت برنامجا للتعاون من شانه ان يفيد الطرفين فالهند بلد طامح لان يكون له موقع في العالم اقتصاديا في اطار احترام خصوصيات الشعوب وحقها من الاستفادة من ثرواتها ولاننا تربطنا بتونس قواسم مشتركة عديدة كان لا بد لنا من الانفتاح على بلادكم التي تتمتع بعديد الامتيازات اذ اضافة الى احتوائها على ثروات مهمة في الفسفاط فانها تمثل ارضا خصبة للاستثمار وسوقا استهلاكية تتمتع بذوق رفيع يمكن ان يشكل مقياسا لنا لمعرفة جودة منتجاتنا اضافة الى امتلاكها ثروة مهمة في العقول والتخطيط الاستراتيجي لتعاون مثمر اضافة الى موقعها المتميز في القارة الافريقية وتوسطها لثلاث قارات بما يجعل منها منصة مهمة للهند للوصول الى اسواق افريقية عديدة عبر تعاون بين البلدين يكون على قاعدة «رابح – رابح» وهو ما سعت القيادة الهندية الى الاستثمار فيه بقوة لتقوية نسق العلاقات وزيادة قوتها. وما هي حصيلة خارطة الطريق تلك على مستوى المشاريع المشتركة؟ لتقوية نسق العلاقات الاقتصادية لا بد من توفر ارادة سياسية تحفز وتدفع الى التقارب اكثر وهذا المعطى متوفر في الحالة التونسيةالهندية حيث يسعى المسؤولون في البلدين الى فتح الطريق امام المستثمرين للتعاون وبناء الشراكات وقد كانت زيارة نائب الرئيس الهندي محمد حامد أنصاري إلى تونس صحبة وفد هندي منتصف سنة 2016 فرصة هامة لتمتين العلاقات وامضاء عديد الاتفاقيات المفيدة للطرفين و قد أفضت تلك الزيارة التاريخية على مزيد تعزيز العلاقات الثنائية و التعاون في قطاعات تكنولوجيا المعلومات والاتصال و الأدوية والمستحضرات الصيدلانية و النفط والغاز الطبيعي والمؤسسات الصغرى والمتوسطة و النسيج. في حين مكن اجتماع الدورة الثانية عشرة الوزاري للجنة المشتركة الهندية-التونسية المنعقد في نيو دلهي أوخر 2017 من تطوير علاقات التعاون الثنائي وتعميق التشاور والتنسيق السياسي عبر الامضاء على جملة من الاتفاقيات. وهل تحسّن نسق المبادلات التجارية بين البلدين بفعل تلك الاتفاقيات؟ هذا مؤكد والحصيلة اكثر من مبهرة للطرفين حيث تطورت العلاقات التجارية لتكون في ارقى مستوى لتصل الى مرتبة الشراكة في تبادل الخبرات واستيراد المواد سواء الأولية أو الجاهزة على غرار الفسفاط وزيت الزيتون التونسي في حين دخلت شركات صناعة السيارت والجرارات الهندية السوق التونسية عن طريق شركاء من رجال أعمال تونسيين لتشهد الماركات العالمية مثل Mahindra وTATA وTAFE إقبالا كما تحققت قفزة نوعية للشراكة في قطاع الفسفاط بما يمثله من ثروة حيوية للاقتصاد الوطني التونسي باعتبار الهند المستورد الأكبر لهذه المادة من تونس. لمسنا تركيزا من الهند على نشر ثقافتها في تونس فهل ترون ان هذا الامر سيزيد من حجم التعاون الاقتصادي بين البلدين ام انه رغبة منكم في الاقتداء بباقي القوى الاقتصادية التي تسعى الى نشر ثقافتها لمزيد الترويج لمنتجاتها؟ ان التقارب الثقافي بين البلدان من العوامل المساعدة على تسريع وتيرة التعاون الاقتصادي وتقوية نسق التبادل التجاري لان الثقافة تعرف بعادات الشعوب والهند سعت إلى إعطاء الفرصة للتونسيين للتعرف على حضارتها من خلال أشكال عديدة. والتعاون الثقافي اخذ بعدا اقتصاديا من خلال برنامج التعاون التقني و الاقتصادي الهندي «ITEC» الذي يوفر دورات تدريبية في مختلف الاختصاصات لمئات التونسيين المنتسبين إلى وزارات و جمعيات عديدة في الهند. و نذكر بادرة هي الأولى من نوعها ألا وهي دورتين تدريبيتين حصريتين في الهند، الأولى لصالح خمسين دبلوماسياً والثاني لثلة من الإطارات السامية من مختلف الوزارات التونسية. وبحديثنا عن التلاقح الحضاري عبر الزيارات، شرفت الشابة مها قعيدة تونس عبر إحرازها على الميدالية الفضية في المسابقة العالمية الثقافية حول معرفة الهند إذ تم تكريمها من طرف رئيس الوزراء و وزيرة الخارجية الهنديين على هذا الانجاز. أما عن المساعي الهندية في تونس، فقد عينت سفارة الهند مدرب هندي مختص في اليوغا و اللغة الهندية يقوم بإعطاء دروس دورية في مختلف جهات الجمهورية. كما ان التونسيين شغوفون بالمسلسلات الهندية وبأفلام بوليود وكل هذا زاد في تعريف المنتجات الهنديةبتونس ودفع المستثمرين الى التعاون فالتونسيون يتعرفون على مختلف حاجيات الهند لان السينما والثقافة عامة مرآة للشعوب وهو ما سيجعلهم ينتجون مواد تحتاجها الهند وتلقى الرواج في اسواقها. هنالك حديث متنام عن الديبلوماسية الاقتصادية فلو تضعنا في صورة الاستفادة من هذا الآليّة بين البلدين؟ دبلوماسيا تصب المساعي الهنديةالتونسية في اتجاه واحد وهو تعزيز العلاقات الدبلوماسية لتنعكس ايجابا على تنمية العلاقات والتعاون في كل المجالات واولها الاقتصاد و قد شهد العام الفارط الاحتفال بالذكرى الستين للعلاقات الهنديةالتونسية من خلال جملة من الأحداث التي دلت على العلاقات الوثيقة بين البلدين مثل مهرجان الهند في تونس و مهرجان تونس في الهند و زيارات الفرق الموسيقية من كلا البلدين ومهرجان المأكولات الهندية في مختلف جهات تونس. كما عرفت هذه السنة حدثا مميزا ألا وهو الذكرى المائة والخمسون لميلاد المهاتما غاندي الرمز العالمي للسلام الذي تم تخليد ذكراه في تونس عبر ندوات و حملات و نشاطات تحسيسية أبرزها حملة تشجير رياض غاندي بأريانة. وكل هذا كان حصادا للديبلوماسية بمختلف تفرعاتها اذ ان الهند حريصة كل الحرص على تعزيز علاقاتها مع تونس البلد الصديق في سبيل مد جسور التواصل بين الشعبين والاستفادة من بعضهم البعض على جميع الأصعدة. وقد تبلورت هذه الصداقة من خلال المبادلات الثقافية والتجارية في المجالات ذات الاهتمام المشترك والدعم الدبلوماسي في المحطات الدولية. بمَ تختمون هذا الحوار سعادة السفير؟ انا اود شكر جريدة «الشروق» جزيل الشكر على سعيها الى انارة الرأي العام في تونس بالتطور الحاصل في علاقات البلدين خاصة في المجال الاقتصادي كما انني كلي أمل في ان علاقات بلدين ستتمتن اكثر فاكثر لانه لا خيار امامهما الا مزيد تمتين الشراكة وعدم الاكتفاء بالاسواق التقليدية التي تعودوا على التعامل معها كما ان هنالك مجالات واسعة يمكن ان يفيد فيها البلدان بعضهما البعض.