نهى الإسلام عن الفساد في الأرض بكل أشكاله وألوانه وذمّ الله سبحانه وتعالى المفسدين في كتابه العزيز فقال: ﴿وَيَسْعَوْنَ فِى 0لأرْضِ فَسَاداً وَ0للَّهُ لاَ يُحِبُّ 0لْمُفْسِدِينَ﴾ (المائدة: 64) وقال أيضا: ﴿وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ (العنكبوت: 36). ومن صور الفساد في الأرض ما نراه ونسمعه خلال الأيام والاسابيع القليلة الماضية من اضرار باملاك الفلاحين وحرق لمحصول القمح والشعير والاعلاف. والغريب في الامر ان هناك إرادة مبيتة لدى بعض أصحاب السوء من الذين لا يرعون ذمة ولا خلقا ممن تم القاء القبض على بعضهم وتبين انهم تعمدوا افساد محصول الفلاحين عن قصد وبكامل مداركهم وسبق اصرارهم. وهو ما يقيم الدليل على أننا أصبحنا نعاني أزمة خطيرة في القيم والأخلاق والتخلي عن الدين القويم الذي يهدي للذي هو أقوم وينهى عن السوء والضرر والافساد مهما كانت انواعه واسبابه. ولذلك رتب الإسلام عليها عقوبة قاسية وشديدة من أجل تحقيق الردع والوقاية قال تعالى: ﴿ِإنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنْ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ (المائدة: 33). وقرن الله تبارك وتعالى بين القتل وبين الإفساد في الأرض، واعتبر فعل أحدهما بمنزلة قتل الناس جميعًا، فقال: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: 32]. ولا يخفي ما في هذا من وعيدٍ عظيمٍ شديد، وقد يُظنُّ أنَّ الآية خاصَّة ببني إسرائيل، وعلى هذا يَرُدُّ الحسن البصري حين سئل: «هذه الآية لنا يا أبا سعيد، كما كانت لبني إسرائيل؟ فقال: إي، والذي لا إله غيره، كما كانت لبني إسرائيل، وما جعل دماء بني إسرائيل أكرم على الله من دمائنا. فالفساد في الأرض محرم في شرعنا وفي شرع من قبلنا، وكما توعَّد الله فاعله من بني إسرائيل فإنَّ فاعله من أمَّة المسلمين داخل تحت هذا الوعيد كذلك؛ لأنَّ الله سبحانه وتعالى لا يُحابي أحدًا، وإذا كانت دماء بني إسرائيل ليست أكرم على الله عز وجل من دماء المسلمين، فكذلك الأرض التي عاش عليها بنو إسرائيل ونُهُوا عن الإفساد فيها، هي ذاتها الأرض التي نعيش عليها، فلن ينهى الله عز وجل بني إسرائيل عن الإفساد فيها ثم يُجَوِّزه لنا. لقد تكرَّرت عبارة: {وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} [البقرة: 60] على لسان الأنبياء في دعوتهم، قالها صالح عليه السلام لثمود: {فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} [الأعراف: 74]، وقالها شعيب عليه السلام وذكرها الله عنه ثلاث مرات؛ إحداها قوله سبحانه وتعالى: {وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} [هود: 85]، وقالها موسى عليه السلام لبني إسرائيل: {كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} [البقرة: 60]. وإذا لم يكن دليل -كما قال أبو حيان - على تخصيص نوع من الفساد أو نوع من الصلاح، فإنه يصحُّ أن نقول: إنَّ عموم الإفساد في الأرض منهيٌّ عنه في دعوة الأنبياء، بل ربما عُدَّ كذلك في باب الحرابة.