"يقول كارل ماركس إنّ التاريخ يعيد نفسه مرتين مرة على شكل مأساة ومرة على شكل مهزلة. وما نراه الآن هو المهزلة " هكذا هي قصة ملوك الطوائف ارادها المخرج اللبناني الراحل منصور الرحباني أن تكشف عن مهازل الساسة العرب ومصير شعوبهم الشبيهة بمأساة الأندلس في القرن الحادي عشر... تونس «الشروق» نجوى الحيدري أمام جمهور متوسط العدد عرضت المسرحية الغنائية اللبنانية "ملوك الطوائف " في سهرة اول امس الإثنين في اطار الدورة ال55 من مهرجان قرطاج الدولي. وهو عمل يعود الى سنة 2003 أخرجه الراحل منصور الرحباني. ثم أعاد ابنه المخرج والمؤلف والموسيقي مروان الرحباني تجديد العمل مع المحافظة على النص والموسيقى في حين تم تغيير الفنانة كارول سماحة بهبة الطوجي صاحبها في ذلك غسان صليبة وصمم الرقصات فيلكس هاروتيونيان... ملوك الطوائف الذي يعرض لأول مرة في دولة عربية بعد لبنان هو قصة تنحدر من أعماق التاريخ لتكشف عن مأساة واقع عربي قد يواجه نفس المصير... مشهد مصغر عما يحدث اليوم في العالم العربي احتضنه المسرح الأثري بقرطاج ذاك المسرح التاريخي الذي شهد امس الأول عن مشاهد من التاريخ زادها قيمة وجمالا ومصداقية كما قال عنها غدي الرحباني (شارك في تلحين المسرحية) " هذا العمل سيزداد قيمة وجمالا على مسرح تاريخي يعود الى عهد الرومان». حين ينسج التاريخ خيوطه من جديد... عشرات الممثلين والراقصين والمرددين احتلوا مسرح قرطاج... تناسق وانسجام أفرز ابداعا حقيقيا لعمل فني راق سافر بالجمهور الى حقبة تاريخية بدأت تنسج خيوطها من جديد في هذا العصر. وتلك هي رسالة الفن ورسالة الرحابنة الذين أرادوا من خلال هذا العمل أن ينبهوا العرب وحكامهم الى مصير قد يكون شبيها بمصير الأندلس. وملوك الطوائف... هي فترة تاريخية في الأندلس بدأت سنة 422 ه لما أعلن الوزير أبو الحزم بن جهور سقوط الدولة الأموية في الأندلس، مما حدا بكل أمير من أمراء الأندلس ببناء دويلة منفصلة وتأسيس أسرة حاكمة من أهله وذويه وفي العقدين 1020، 1030 بعد سقوط الخلافة نشأ ملوك الطوائف الذين قسموا الدولة إلى 22 دويلة، منهم غرناطة وإشبيلية والمرية وبلنسية وطليطلة وسرقسطة والبرازين والبداجوز ودانية والبليار ومورور. وبينما ورثت تلك الدويلات ثراء الخلافة إلا أن عدم استقرار الحكم فيها والتناحر المستمر بين بعضها البعض جعل منها فريسة لمسيحيي الشمال. ووصل الأمر إلى أن ملوك الطوائف كانوا يدفعون الجزية للملك ألفونسو السادس.وكانوا يستعينون به على أخوانهم... هذه الحقبة التاريخية هي التي اختارها منصور الرحباني لينفذ عمله المسرحي الذي يعكس واقعنا الراهن. بل يتشابه معه في كل تفاصيله. فعدد طوائف الأندلس 22 طائفة. تقابلها 22 دولة عربية في حين شبه المخرج اجتماعات القمم العربية التي تنعقد وتنتهي دون نتائج إيجابية بالمؤتمر الذي دعا الى عقده المعتمد بن عباد ملك إشبيلية . اما الملك الفونسو السادس الذي تهابه ملوك الطوائف وتسعى الى إرضائه بشتى السبل حتى على حساب بعضها البعض فهو صورة اخرى عن الرئيس الأمريكي وتعامل الدول العربية معه وخاصة منها الخليجية... هكذا هو المشهد يتكرر اليوم في الدول العربية على غرار ما يحدث في تونس من تطاحن الأحزاب حول السلطة في حين يعيش الشعب تحت وطأة غلاء المعيشة والفساد المالي والاداري والبؤس والحرمان... ونفس المشهد يتكرر في بقية الدول العربية على شاكلة العراق وما يحدث فيها من صراعات طائفية... رسالة مضمونة الوصول الى القادة العرب ملوك الطوائف التي شدت اليها الجمهور على امتداد الساعتين والنصف تقريبا اجتمعت فيها كل عناصر الفرجة من الرقص والموسيقى والغناء والحوار والديكور واللباس الذي جمع بين الأزياء الأندلسية والبربرية والإسبانية حتى ان المشاهد لها يشعر كأنه في ذاك العصر . وبالرغم من ان العمل ملحمي تراجيدي الا انه لم يخل من الهزل والسخرية. اذ استطاع مخرج العمل توظيف سلوك ملوك الطوائف الذين يبحثون فقط عن اللهو وملء بطونهم في اضحاك الجمهور ... وتتواتر الأحداث المشوقة في العمل.. كل حاكم منشغل عن قضايا شعبه بالمؤامرات والدسائس لبقية الملوك في حين يستفيد الملك الفونسو من هذه الخصومات لإعداد جيش قوي والنيل منهم... ويعيش ملوك الطوائف حياة البذخ والرفاهية واللهو في حين يموت الشعب تحت وطأة الفقر والجوع والحرمان ويعم الفساد السياسي والإداري... وذاك هو حال الشعوب العربية اليوم... هذا العمل المسرحي الغنائي الذي ابهر الجمهور لم يكن عملا عاديا. بل قدم لجمهور قرطاج فرجة حقيقية عانقت الإبداع لما فيها من خصائص فنية قيمة. فالعمل اتخذ منهجا تصاعديا في كل جوانبه من غناء ورقص وموسيقى واحداث وصلت الى ذروتها مع سقوط الأندلس... ماض اسود للتاريخ العربي اراده الرحباني ان يكون عبرة للعرب اليوم الذين يسلكون نفس المنهج لعلهم يتعظون من اخطاء اسلافهم... وتبقى نقطة الضعف الوحيدة في هذا العمل الإعتماد على الموسيقى المسجلة اذ لم يصاحب العرض موسيقيون وهو ما افسد لذة المشاهدة احيانا.