أربعة رؤساء حكومات من مجموع سبعة رؤساء قدموا ترشحهم لرئاسة الجمهورية، ولولا بعض الموانع الذاتية أو الموضوعية لجرب جميعهم حظوظهم في الامتحان الرئاسي فلماذا يتهافت رؤساء الحكومات على منصب محدود الصلاحيات؟. تونس الشروق: من محمد الغنوشي رئيس أول حكومة بعد الثورة إلى يوسف الشاهد رئيس الحكومة الحالية... سبعة رؤساء كان لهم شرف قيادة الحكومات التي تلت سقوط نظام بن علي قبل ثماني سنوات ونصف سنة. في هذه المجموعة كان للرئيس الراحل الباجي قايد السبسي شرف المرور من القصبة حيث مقر الحكومة إلى قصر قرطاج مقر رئاسة الجمهورية بعد أن فاز بانتخابات 2014 الرئاسية، لكن هذا الشرف يستهوي حاليا أغلب البقية، فقد قدم كل من حمادي الجبالي ومهدي جمعة ويوسف الشاهد ترشحاتهم رسميا لرئاسية 2019، وقد كان بالإمكان توسيع الشرف على جميع رؤساء الحكومات لولا الموانع التي حرمت الثلاثة الآخرين. فمحمد الغنوشي زهد في المناصب السياسية منذ أن تم إجباره على الاستقالة خلال فيفري 2011، والمستقل حبيب الصيد كان ينتظر من يرشحه كما تم تكليفه سابقا برئاسة الحكومة، أما علي العريض فقد كان حتى السادس من أوت الجاري مرشحا بارزا قبل أن تقرر حركته ترشيح عبد الفتاح مورو رسميا فما الذي يشد رئيس الحكومة إلى رئاسة الجمهورية؟. أسوة بالباجي لرئيس الجمهورية صلاحيات محدودة في نظامنا السياسي الحالي (نظام برلماني معدل) مقارنة بصلاحياته في النظام الرئاسي (كما كانت صلاحيات بورقيبة وبن علي)، ولكن الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي حقق بالصلاحيات المحدودة ما لم يحققه غيره بالصلاحيات الواسعة. الباجي جرب رئاسة الحكومة سنة 2011، ثم راهن على رئاسة الجمهورية سنة 2014 وفاز بها فغنم من الثانية (الشهرة والمجد والاكبار والتبجيل والعرفان…) ما لم يغنم من الأولى لهذا بات قدوة لمن لحقوا به في رئاسة الحكومات. هذا المعطى يرتبط بآخر مهم، فمن يتذوق حلاوة الحكم والشهرة والتبجيل يجد صعوبة في التخلي عنها ويجد في الآن ذاته صعوبة أكبر في إعادة التأقلم مع واقعه السابق الخالي من البروتوكولات والحراسة الشخصية والمواكب والتشريفات والترحيب... لن نذكر الأسماء تفاديا للإحراج ولكن هناك من الرؤساء السابقين من احتاج إلى بعض الأشهر حتى يقتنع بأنه لم يعد «السيد الرئيس». يمكن تحقيق الشهرة والمجد والتبجيل عبر المراهنة مرة أخرى على رئاسة الحكومة ولكنها تبدو أصعب بكثير من المراهنة على رئاسة الجمهورية فالأولى تحتاج حزبا قويا وهو ما يفتقده البعض من رؤساء الحكومات المترشحين للرئاسية. كما أن رئاسة الحكومة تخضع إلى قدر من المفاوضات وجملة من التنازلات بين الحزب الفائز ومن يقبل بمشاركته الحكم قد تنتهي إلى ترشيح شخصية مستقلة (مثال حبيب الصيد). ولعل الأهم أن هناك طموحا تونسي الصنع نحو الفوز بكل المناصب الممكنة كما فعل الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي وفي هذا إثراء للتجربة السياسية يدفع بشخصيات مثل الشاهد وجمعة والجبالي إلى التنافس على رئاسة الجمهورية بعد أن حققوا غرضهم من رئاسة الحكومة. مع هذا كله، نجد سببا آخر معقولا فالفوز برئاسة الجمهورية يجعل لحزب الرئيس الجديد أجنحة تساعده على التحليق عاليا في الانتخابات التشريعية الموالية. هذا التحليق يزيد حتما في حظوظ نجاحه، وإن لم يحل أولا أو ثانيا في التشريعية فإنه يبقى رقما صعبا يستهوي الحزب الفائز ويدفعه إلى تقديم التنازلات حتى يشركه في حكومته إذ ليس هناك أنفع للفائز بالتشريعية من التحالف مع حزب الفائز بالرئاسية. رؤساء حكومات ما بعد الثورة محمد الغنوشي (78 سنة)، شغل منصب الوزير الأول منذ 17 نوفمبر 1999 وواصل مهمته على رأس حكومة الوحدة الوطنية التي تشكلت يوم 17 جانفي 2011 لكنه أجبر على الاستقالة يوم 27 فيفري 2011. الباجي قايد السبسي: توفي يوم 25 جويلية الماضي عن سن 93 سنة، أسند له بورقيبة عددا من الحقائب الوزارية ثم ترأس البرلمان في عهد بن علي ثم ترأس الحكومة من 27 فيفري 2011 إلى 13ديسمبر 2011 ثم ترأس الجمهورية منذ فوزه بالانتخابات الرئاسية في 14ديسمبر 2014 حتى وفاته. حمادي الجبالي: (70 سنة) ترأس حكومة الترويكا الأولى من 24 ديسمبر 2011 إلى 13 مارس 2013 عندما قرر الاستقالة احتجاجا على رفض أحزاب الترويكا (النهضة والمؤتمر والتكتل) تشكيل حكومة تكنوقراط. علي العريض: (64 سنة) خلف حمادي الجبالي يوم 13 مارس 2013 ثم قدم استقالة الحكومة يوم 29 جانفي 2014 استجابة لرغبة الرباعي الراعي للحوار. مهدي جمعة: (57 سنة) قاد حكومة التكنوقراط خلفا لحكومة علي العريض وأنهى مهمتها يوم 6 فيفري 2015. حبيب الصيد: ( 70 سنة) مستقل قاد أول حكومة تشاركية بعد انتخابات 2014 التشريعية وتم سحب الثقة من حكومته يوم 27 أوت 2016. يوسف الشاهد: حل محل الصيد في رئاسة حكومة وحدة وطنية ويواصل رئاسة الحكومة رغم انسحاب أغلب الأحزاب من حكومة الوحدة.