الآن وقد انتهت ترشحات الانتخابات الرئاسية السّابقة لأوانها بعد أيام من وفاة رئيس الجمهورية الرّاحل الباجي قائد السبسي ينبغي التطلع إلى هذا الاستحقاق الانتخابي الهام بعقل وحكمة بعيدا عن المهاترات التي يضجّ بها المشهد السّياسي منذ تسع سنوات. وهي عقلانية مطلوبة إزاء ما يبدو استسهالا للكثيرين ممّن قدّموا ترشحاتهم وسط استغراب واستهزاء شرائح واسعة من الرّأي العام. البعض قدّم ترشحه وليس لديه من خبرة في المجال السياسي شيئا يذكر والبعض الآخر موصوف بالشعبوية والغوغائية والبعض الآخر حصد الفشل الذريع في انتخابات سابقة ومازال على قيد عناده يطارد خيط السّراب. كلّهم أمسكوا بتلابيب الدستور الجديد وما أتاحه من حق مطلق للترشح للانتخابات. هنا تكمن علة الديمقراطية خاصّة عندما تكون ناشئة لأنها تفسح المجال أمام من هبّ ودبّ لتقديم ترشحه مثلما حصل خلال انتخابات سنة 2011 التي افضت إلى بروز أسماء أصبحت سريعا أضحوكة الناس وإحدى مهازل المرحلة والتاريخ. الكثيرون يستسهلون منصب رئيس الدولة وهو في حقيقة الأمر منصب هام وخطير واستراتيجي حتى وإن كان النظام برلمانيا لأنه المصدر الأساسي لهيبة الدّولة وشخصيتها الوطنيّة والتعبير الأوّل عن هويتها. وقد نجح الرئيس الرّاحل الباجي قائد السبسي رحمه الله في إعادة الاعتبار لهذا المنصب بعدالتصدع الذي لحقه في زمن «الترويكا» ورغم كل ما ناله من نقد واستهداف سياسي خاصة في السنتين الأخيرتين منذ أن أعلن عن نهاية التوافق مع حركة النهضة. ورغم كل التحديات والعوائق نجح الرئيس السابق رحمه الله في إعادة الرّوح إلى مفهوم وكيان رئيس الجمهورية بفضل ما راكمه من خبرة عقود طويلة من العمل السياسي على رأس وزارات السيادة وبفضل تكوينه العلمي الرّفيع وبالخصوص الكاريزما المتميزة التي يتميز بها في الداخل وفي الخارج. رحيل الرئيس الراحل وما رافقه من حزن شعبي عارم وألم عميق لدى الأقطار الشقيقة والصديقة، كل ذلك سيجعل الرئيس القادم المنتخب أمام مهمة صعبة لأنه سيرث منصب رئيس ملأ الدّنيا وشغل الناس حيّا وميّتا، رئيس فائق العقلانية سريع البديهة، خبير بمتاهات السياسية وله دراية كبرى في معالجة الأزمات والتعاطي مع كل التحديات وهو الذي عمل لسنوات طويلة مع الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة وأفاد منه واستفاد. الرئيس القادم سيجلس على كرسي المسؤولية الأهم والأخطر والأكثر جسامة في مرحلة دقيقة تواجه فيها تونس عاصفة من الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية العاتية... مرحلة دقيقة كانت دائما حاضرة بقوّة ووضوح في فكر وقلب ووجدان الرئيس الرّاحل. الآن قدّم العشرات ترشحاتهم إلى الانتخابات الرئاسية وكأنّ منصب الرّئاسة نزهة الخاطر، لكن على هؤلاء أن يتذكروا أنّ الشعب التونسي ذكيّ بما يكفي وأنّ التاريخ لا يرحم. وإذا كان الشعب قد ودّع رئيسه السابق بالمحبة والزغاريد والدموع والهتافات في لوحة لن تنساها الذاكرة أبدا، فلأن الرئيس الراحل كان من عظماء تونس، ورجل دولة فذّ يحترمه التونسيون ويقدره العالم ويجله زعماء البلدان القريبة والبعيدة وفي ذلك برهان قاطع ودليل ساطع على أّنّ منصب رئيس الجمهورية ليس أمرا سهلا كما قد يظنّ البعض لأنه يحتاج إلى الحكمة والحنكة والعقلانية والخبرة ومحبّة النّاس. الرئيس المقبل ينبغي ان يكون من الكبار ومن سيحكم تونس في المستقبل ينبغي أن يعي جيّدا أن التاريخ لا يخلد إلاّ الرموز والكبار أمّا هواة الشعبوية من الأدعياء والانتهازيين والمغامرين وذوي الأجندا المشبوهة فموضعهم الطبيعي والحتمي هو مزبلة التاريخ «والفاهم يفهم». تونس الجديدة تحتاج في المستقبل إلى رئيس من طينة ومعدن الزعماء الكبارامثال الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة... في الإخلاص والوطنية و نظافة اليد و الضميرو هي مدرسة ودرس وعبرة لمن سيقود السّفينة بعد الانتخابات القادمة.و الشعب في انتظار نزول ستار ركح المهرجان الرئاسي للانتخابات الرئاسية و للحديث بقية . أمّا أولئك الذين ترشحوا للانتخابات التشريعية فتلك مسألة دقيقة وهامة سأعود إليها لاحقا بعد أن تبوح الصناديق بأسرارها ويقول الشعب كلمته العليا. وعند الامتحان يكرّم المرء أو يهان. برلماني وقنصل عام سابق مؤلف كتاب ملحمة النضال التونسي