26 مرشحا ينتمون إلى 3 أو 4 عائلات سياسية يتسابقون على كرسي الرئاسة... من اليمين واليسار، والمستقلين و«العروبيين» والعائلة البورقيبية أو قل الحداثية كما يحلو لبعضهم تسميتها. 26 من ضمن 97 مترشحا أسقط الغربال 71 منهم بسرعة بعضهم برنامجه الانتخابي يقوم على العدالة في «العجة»... أو «العجة لكل جائع»... والبعض الآخر يحرص على تعميم «الزطلة» وتحويلها إلى مجال استثمار... وثالث يروم الجلوس على كرسي الرئاسة ولا يعرف حتى صلاحيات رئيس الدولة... ورابعة تعاقب كل من وعد صديقته بالزواج ثم أفل. مستوى بعض المترشحين والذين لم يصمدوا طويلا، يعكس نظرة التونسي وخاصة المترشح منه إلى المشهد السياسي، فالمشهد بات لديهم مستباحا، بل هو «ظهر ذليل وقصير» يمكن الركوب عليه بيسر. هذا مع من أسقطهم الغربال في أول رقصة له، أما ال26 الذين لم يسقطهم الغربال، ولئن يمتلك بعضهم الكفاءة في الجلوس على كرسي الرئاسة، فإنهم وبنظرة سريعة ينقسمون إلى 4 أو 5 عائلات فكرية وسياسية على أقصى تقدير، وهو ما من شأنه ان يشتت الناخب من نفس العائلة السياسية الواحدة بين أسماء متعددة ربما لا يجد الفرق بينها. ولا جديد إن قلنا ان ترشح 4 أو 5 أسماء من نفس العائلة السياسية يحيل بشكل مباشر إلى أن هذه العائلات السياسية منقسمة على نفسها ولم يحصل الإجماع بينها على مرشح واحد يدعمه كل الناخبين وتقف وراءه الماكينة الحزبية. هذا المشهد الانتخابي، يؤكد بشكل لا يدعو للشك أن الوعي الحزبي في تونس لم ينضج بعد، صحيح اننا نقطع أشواطا محترمة في مجال الانتقال الديمقراطي، لكن هذه الأشواط ينقصها الوعي الحزبي القائم على اللحمة والانضباط لمواجهة كل التحديات وهو في تقديرنا ما يؤسس للديمقراطية والانتقال الديمقراطي على قواعد سليمة وصحيحة. فالتشرذم والانقسام داخل العائلة الحزبية الواحدة لا يؤدي إلا إلى انهيار المشهد السياسي، ولنا في تجربة النداء ما يغنينا عن كل تحليل، لذا المطلوب اليوم رص صفوف مناضلي الحزب الواحد الذي يستعد للحكم برئيس او برئيس حكومة أو بحزب فائز بالأغلبية أو بمشارك في الحكم. ورصّ الصفوف وراء مرشح وحيد لا يعني في تقديرنا الانتصار لشخص لا يمتلك من الكفاءة المطلوبة لتسيير دفة دولة بأكملها، بل رص الصفوف وراء مرشح يكون خادما للدولة ساهرا على احترام دستورها وضامنا لاستقلالها. صحيح أن البعض يرى أن صلاحيات الرئيس محدودة، لكن بمزيد التعمق في الدستور يتضح أن للرئيس صلاحيات واسعة... المهم القراءة الجيدة للدستور وتطبيق مابين سطور فصوله... فحين نتحدث عن الأمن القومي، فقد فتحنا بابا واسعا لمعاني الأمن التي تبدأ بالأمن الغذائي لتصل إلى أمن المواطن التونسي حتى خارج حدود الوطن. المطلوب اليوم وأكثر من أي وقت مضى بعد أن كشفت الانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها تهافت الجميع وراء كرسي الرئاسة، المطلوب من هذه الأحزاب إعادة النظر في تركيبتها الداخلية وتوحيد صفوفها وراء كلمة واحدة وموقف واحد... فلا يمكننا بناء دولة موحدة بأحزاب تمزقها الكراسي.