تضخّم عدد الترشّحات لرئاسة الجمهورية، وتزايد حجم الانتظارات من الرئيس القديم تقابله حقيقة موضوعية مفادها ضعف الصلاحيات الدستورية لرئيس الجمهورية في ادارة السلطة التنفيذية قياسا برئيس الحكومة، فمباذا يفسر هذا التهافت على المنصب ؟ تونس (الشروق) قدم 10 مرشحين ملفاتهم للهيئة العليا المستقلة للانتخابات للمنافسة على منصب رئيس الجمهورية، وقياسا بالنوايا المعلنة في الغرض فان التقديرات الاولية تفيد بإمكانية وصول العدد النهائي لمرشحي الرئاسية الى نحو 50 مترشحا. هذا العدد المرتفع من المترشحين للرئاسية يتزامن مع سقف عال من الانتظارات الشعبية التي يتطلع اليها المواطنين من رئيسهم القادم، فغالبية المواطنين لا يتماهون كثيرا في قراءات الدستور و توزيع الصلاحيات حيث تحكمهم الصورة النمطية القديمة لمنصب الرئاسة في الاستجابة لمختلف حاجياتهم بما يدفع الى السؤال حول مختلف الاسباب الكامنة وراء هذا التهافت على منصب رئيس الجمهورية. غياب النضج السياسي ولعلّ عدم اكتمال التجربة الديمقراطية الانتقالية أحد أهم العوامل المفسرة لعدم بلوغ مرحلة النضج السياسي، هذه الفكرة يدافع عنها الديبلوماسي السابق أحمد ونيس معتبرا أنّ تصور العمل السياسي الجماعي لم يترسخ بعد، بما أحال الى صورة عامة للتشتت. وانطلق أحمد ونيس في تصريحه ل››الشروق›› من العدد الكبير للاحزاب السياسية الذي يعكس حالة عامة من التشتت في المشهد السياسي، لافتا الى معطى مهم يتعلق باساءة فهم الديمقراطية في الممارسة السياسية مابعد الثورة والتي قادت الى قيام كيانات سياسية متعددة يشقها تشابه كبير دون التوفق في مسارات التجميع داخل عائلاتها المتشابهة. ويعتقد المتحدث ان هذا «الجنوح الى المنحى الزعاماتي» في العمل السياسي اثر بشكل كبير في العمل الحزبي الى حدود اضعافه، وكان سببا مباشرا في تعدد الترشحات لمنصب رئيس الجمهورية في الوقت الذي كانت فيه التجربة التونسية تحتاج الى ترشحات مرشدة قليلة العدد، ترفّع في جودة التنافس، و تقلل من تشتت الاصوات، وتكفل حرية الاختيار على قاعدة النجاعة. من تمثّلات الديمقراطية كما أن عدد الترشحات في الأيام الاولى رافقه جدل مواطني حول تقدم بعضها للسباق من قبل بعض الشخصيات التي لا يعرف عنها المواطن الشيء الكثير، فتراوحت التقديرات بين من يراها ترشحات مدفوعة بنية تشتيت الاصوات ومن رأى فيها ظاهرة صحية للتجربة الديمقراطية. وفي هذا السياق اعتبر القاضي الاداري السابق عبد الرزاق بن خليفة ان ما سمي بالترشحات الغريبة يعد شهادة صحة للديمقراطية التي لا تقوم على منطق الاقصاء الا عبر نتائج الصندوق ،سيما وأن الظاهرة في رأيه موجودة في اعتى الديمقراطيات التي يكون فيها الفرز الحقيقي نابعا عن الارادة الواعية للمواطنين. رواسب الماضي وعلى الرغم من مضي 5 سنوات في اختبار تجربة النظام السياسي الجديد الذي اصطلح على تسميته بالنظام البرلماني المعدل ، الذي يقسم السلطات بين باردو والقصبة وقرطاج، وضعف صلاحيات رئيس الجمهورية في ادارة الجهاز التنفيذي قياسا برئيس الحكومة فإن تعلق معظم التونسيين بالرئاسة له العديد من الدلالات سيما وأن ما ترسخ في الذهنية العامة من سطوة للنظام الرئاسي لا يمكن تجاوزه في ظرف وجيز. وان كان شق كبير من المواطنين ما يزال محكوما برواسب الماضي، فإن الطبقة السياسية بدورها شديدة الاهتمام ايضا بجدوى هذا المنصب سيما وأن انصار النظام الرئاسي يمكنهم المبادرة مستقبلا بتعديل النظام السياسي القائم لو توفرت لهم الاغلبية المطلوبة في البرلمان والتي سيكون منصب رئيس الجمهورية أحد اهم محدداتها خاصة و أن الانتخابات الرئاسية ستسبق الاستحقاق التشريعي استثنائيا. دلالات تعدد الترشحات يرى استاذ التاريخ المعاصر والمحلل السياسي في تصريحه ل››الشروق›› أن تعدد الترشحات للانتخابات الرئاسية مسألة يمكن مقاربتها ببعديها الايجابي والسلبي، فمن الناحية الايجابية هي تعبير عن ممارسة حق دستوري وحرص مواطني في المشاركة الفعلية في ادارة الشأن العام. أما من الناحية السلبية فيرى الحناشي ايضا انها دلالة على فراغ في ضوابط الترشح المحددة والتي تجعل من البعض يسيء لاهمية المنصب، لافتا الى أن هذه الظاهرة يمكن توصيفها ب››أشواك الديمقراطية›› التي ستتقلص مع نضج التجربة الديمقراطية مستقبلا، ودلالة ايضا على حالة من الوهن الحزبي الذي لم ترشّد فيه بعد عمليات تجميع العائلات السياسية المتقاربة.