إعداد محمد الماطري صميدة كان أنيس منصور من أهم الرجال المبحرين في حياة المرأة فبخلاف كتاباته المداعبة للمرأة بالسخرية، أنتج موسوعة من 10 مجلدات عن المرأة أطلق عليها «موسوعة المرأة المصرية» واستعرض خلالها نماذج مختلفة من النساء على مر العصور منذ سيدات عصر الفراعنة وحتى نساء الألفية الثالثة. «فتش عن المرأة وراء كل مصيبة»، «مهما كانت متاعب النساء، فهي أقل من متاعبنا، فليست لهن زوجات كالرجال»…جمل اشتهر بها عدو المرأة الأول «أنيس منصور»، كما وصفه الجمهور، إلا أن حياته كانت مختلفة تمامًا عن كتاباته التي دومًا ما تسخر من المرأة. الكاتب وأمه لقد بكى أنيس منصور على فراق والدته وقالها صراحةً «كم أحببت هذه الأم وبكيت ومازلت أبكي فراقها فقد دفعتني للتفوق والقراءة، وحفظ القرآن في طفولتي، كانت أمي وصديقتي في طفولتي وصباي». وقبل رحيله بعام واحد انتهى من آخر كتاب له يحمل اسم «أمي.. ابنها» الذي يؤرخ على صفحاته أحداث حياته التي شاركتها أمه ويصب فيها مشاعره تجاه مأواه الأسمى ورفيقه الأول ولكنه لحقها قبل خروج هذه المذكرات من بين متعلقاته الشخصية بمكتبه وأوصى أن يتم دفنه بجوارها الكاتب وزوجته عاش « أنيس منصور» مع زوجته رجاء حجاج، قصة حب غيرت مفاهيمه عن الزواج، وبالرغم من أنه لم يكن مؤمناً بالزواج ويراه نظاما اجتماعيا فاشلا؛ فإن حبه لرجاء كان أقوى وجعله يعزف عن هذه الرؤية، فلم يكن أنيس يتعامل مع حياته الزوجية بمنطق ما كان يكتبه رغم ما زعم عن اضطراب حياته الزوجية بسبب شروطه على زوجته عدم الإنجاب، إلا انه كان سعيدًا، بل كانت سبب بكائه للمرة الثانية عندما مرضت وخشى فقدانها، قائلاً: « كنت أتصور أنه بعد البكاء المستمر على أمي لن أبكي على أحد بعدها، فهي التي كانت تساوي ولا تزال، ولما مات الأستاذ العقاد بكيت كثيرا، ولما رأيت السادات آخر لحظات حياته، وإحسان عبد القدوس وتوفيق الحكيم، تحولت كل عين إلى نبع يتدفق دموعا، وكنت أظن أنها جفت، ولكنني أبكي أضعاف ما بكيت طوال عمري، أدعو بطول العمر والعافية، وأتوسل وأركع وأسجد لله، وكل دموعي حروف تكتب على الأرض رحمتك يا ربي إنها زوجتي». زوجته تحكي عنه ! وعن رحلة الحب في مملكتها قالت رجاء حجاج في أحد الحوارات : - « أول مرة رآني فيها أنيس منصور كانت فى نادى التوفيق الرياضي، وكنت ألعب تنس هناك، و فوجئت به بعد ذلك يتابعنى باهتمام شديد، ثم عرفنى على نفسه، ولأننى كنت أحب القراءة جدا، شعرت من أول وهلة إننى أمام كاتب كبير وموسوعى عظيم، ولأننى من عائلة محافظة جدا، ولى أخ وزير، وآخر من الضباط الأحرار.. ثم أصبح بعد ذلك وزيرا أيضا، أيقن «منصور» من اللحظة الأولي، أن الوصول إلي صعب و مرهق للغاية، لذا فكر فى حيلة كى يأتى ويتقدم لى كعريس، فذهب إلى منزل شقيقى الأكبر حامد فى الزمالك... ومعه الكاتب الكبير الراحل محمد حسنين هيكل، لأنه كان صديقا لأخى ومقرباً منه، وهذا السر أقوله لأول مرة فى حياتي، وظل هيكل يثني على موهبة منصور لأخي، والذى توسم فيه أيضا مستقبلا بارعا وباهرا.. لذا وافق على زواجى منه، وأعتقد لولا تدخل الأستاذ هيكل، لم يكن أشقائى سيوافقون على «أنيس منصور»، لأنه كان فى بداية حياته المهنية، واستمرت الخطوبة حوالى عامين، وتزوجنا فى مطلع العام الثالث. وأضافت : كان فارق السن بيننا 12عاماً، كما أننا تزوجنا بعد مرور 3 سنوات من انفصالى عن زوجى الأول، ووالد ابنتى «مني» ، والذى كان يكبرنى ب 25 سنة، وكان زواجنا تقليديا جدا، فهو كان يعمل أستاذا جامعيا، وصديقا لأشقائى وأبى الذى كان يعمل مهندسا فى القصور الملكية، وأعترف إننى أحببت أنيس بعد الزواج وليس قبله. ولقد كانت الحياة مع أنيس منصور مزعجة جداً فى الحقيقة، خاصة أننى كنت مسؤولة عن كل شيء.. ملابسه و كتبه والتزاماته، وأعتقد أنه لو لم أكن موجودة بجواره وهيأت له كل أجواء الكتابة والإبداع لتغير الحال، لقد ألف 186 كتاباً، وهذا الرقم كبير جدا فى عالم الكتابة والكتب، فهو ترك لى كل شيء من مسؤوليات، وأنا تفرغت له، لقد قررت بعد الزواج أن أجعل منه أهم كاتب عربي، لأنه متفرد الموهبة، والحمد لله استطعت تحقيق ذلك. ولكن ما السر وراء لقب عدو المرأة؟ - بسبب مقالاته فى الأهرام كل يوم جمعة، أطلقوا عليه هذا اللقب، وهو كان يرى أن المرأة مهما بلغت من مناصب هى أقل بكثير من الرجل من حيث الكفاءة، لذا أطلقوا عليه هذا اللقب، وغضبت منه مرة، وقلت له «هيقولوا عني إنى مطلعة عينك»، لكن هو كان يحب هذا اللقب جدا، ولم يكن عدوا للمرأة على الإطلاق، لأنه كان دائم التشجيع لي.. خاصة فى العمل الاجتماعي، وفى الجمعية التى كنت أتولى رئاستها وهى جمعية هدى شعراوي، ولكى أكون منصفة هو إنسان رائع وزوج «هايل». أنيس منصور يحكي عن زوجته و يروي «أنيس منصور» أن ملفاته الأمنية كانت سببا مرجحا لزواجه، فيقول: عندما طلبت من الرئيس السادات أن يطلعني على الملفات المكتوبة عني في أجهزة الأمن رأيت بعضها، فوجدت ملاحظتين: الأولى أن عددا كبيرا من النكت منسوبا إلي كأني لا أفعل شيئا في هذه الدنيا إلا النكت، من المؤكد أن بعضها من تأليفي، ولكن ليست كل هذه النكت، الملاحظة الثانية عن قصصي الغرامية الكثيرة، كأني متفرغ للغراميات مثل واحد يجلس في الشارع على حارة زنقة الستات لا شيء يشغله إلا الحب، وقد أفادني هذا التقرير الأمني في زواجي! . ولقد اعترض أخوا زوجتي وكانا يشغلان منصبي وزير التموين والشئون الاجتماعية، ولكن أحدهما قال لزوجتي: لو ثبت أن أنيس يعرف ألف واحدة سأزوجه لك، ولو كان يعرف واحدة فقط فلن أزوجك له، لأنه لن يتركها، وحينما أطلع على على التقارير الأمنية وافقا على زواجي.» ! كم روي الكاتب «إبراهيم عبد العزيز» في كتابه «رسائل أنيس منصور» أن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر اعترض على اقتران أنيس بزوجته، باعتبار أنه لا يجوز لصحفي أن يناسب الضباط الأحرار، فما الحال بصحفي من «أخبار اليوم» التي كان عبد الناصر ينظر إليها وإلى مؤسسها بريبة وشك؟! . وكان هيكل هو الذي خطب لأنيس زوجته، وكان شاهدا على عقد قرانه، حتى حينما فصل كان أحد الساعين لإعادته. وأكد أنيس منصور أن الزواج نظام اجتماعي صعب بسبب صعوبة استمرار حياة طويلة بين زوجين لم يتعرفا إلى بعضهما بالشكل الكافي ولكنه قرر أن يخفف من وطأة صعوبة الحياة الزوجية حين قرر عدم الإنجاب ووافقته زوجته على ذلك. ولقد صرح الأديب «أنيس منصور» صراحة عن حبه للمرأة، قائلا :»نعم أحب المرأة.. فهي التي استطاعت بذكائها وتسامحها ورقتها ورهافة مشاعرها، وفي نفس الوقت بقوة شخصيتها واحتوائها أن تجذبني بخيوط حريرية ناعمة من حياة العزلة لأصبح مخلوقا اجتماعيا يتفاعل، وينعم بالزواج بعد إضرابي، خوفا من أن يصبح الزواج عائقا أمام كياني الإبداعي ككاتب وأديب. وفاته ولد أنيس منصور في 18 أوت 1924، بمحافظة الدقهلية، وحفظ القرآن في سن صغيرة، وكان الأول في الثانوية على طلاب مصر كلها، ودخل كلية الآداب قسم فلسفة بجامعة القاهرة، ثم عمل فيما بعد بالأدب والصحافة. وفي نهاية حياته دخل أنيس منصور مستشفى الصفا بالمهندسين إثر التهاب رئوي، وبعد حدوث مضاعفات ومعاناة مع المرض تم وضعه تحت أجهزة التنفس الصناعي، إلى أن توفى في 21 أكتوبر عام 2011، وتم دفن جثمانه بمصر الجديدة.