حدث ما يُشبه الإجماع على أنّ الجولة الثالثة والأخيرة من المناظرة التلفزية بين المترشحين لرئاسة الجمهورية لم ترتق إلى مستوى الانتظارات المأمولة منها، فإلى جانب تواصل الانتقادات حول مضامين الأسئلة المقدّمة التي أجمع كثيرون، ومنهم حتى مشاركون في المناظرة، على أنّها أسئلة بسيطة لم تفتح الباب كما يجب الى الاستماع الى طروحات وأفكار المرشحين إضافة إلى ما شابها من روتين وتكرار، فإنّها، أي المناظرة، كشفت المحدودية الخطابيّة والتواصليّة لعدد من المترشحين وما يُشبه العجز في تبليغ الفكرة وتحقيق التواصل الناجع مع المشاهدين والمستمعين. كما أثارت الحلقة الثالثة من المناظرة حالة استياء عامّة نتيجة ما تمّ تسريبه وإشاعته من وجود تدخّل في توزيع الأسئلة فانتشرت عبارة « أسئلة على المقاس»، وهذا الأمر يهم جل المشاركين، فما حقيقة ما جرى؟ وهل تمّ فعلا خرق أحد ضوابط المناظرة في سريّة الأسئلة واعتماد القرعة دون سواها في توزيعها؟ وهي أسئلة حاول منظمو المناظرة الاجابة عنها لدحر كلّ الشكوك والتأكيد على أن توزيع الأسئلة تم بحضور عدل منفذ وكل مديري حملات المترشحين. ولكن على الرغم من كلّ تلك الانتقادات فقد أثبتت هذه المناظرة، كسابقتيها، قدرة الاعلام العمومي على أخذ مشعل التطوير والارتقاء بالأداء الاعلامي السمعي البصري في بلادنا. فربّما هي المرّة الأولى التي يُتابع فيها التونسيّون مثل هذه السجالات الهادئة التي دار جلّها في كنف الاحترام المتبادل. وعكست نسب المشاهدة توقا وتطلعا لدى التونسيّين إلى جدل سياسي حقيقي بعيد عن المزايدات ولغة الشيطنة والسباب. لقد نجحت التلفزة الوطنية في تجميع كلّ الفرقاء السياسيّين في فضاء واحد. وتمكّن الصحفيون من إدارة الحوارات وجعلهم يستعيدون المبادرة والسبق لفائدة الاعلام العمومي والحد بذلك من سطوة القنوات الخاصة ذات المنحى التجاري والتي كرّست التهريج وانحرفت برسالة الاعلام. انطباعات أولية حول المتنافسين سلمى اللومي: رغم ما أبدته من هدوء فإنّه ظهر عليها الارتباك وانعدام القدرة على التأليف والاستقراء والاستنتاج فكانت إغلب اجاباتها معومة وبعيدة في الغالب عن إطار السؤال المطلوب. الصافي سعيد: كان المترشح الصافي سعيد واثقا من إلمامه بالأسئلة التي طرحت عليه بالرغم من بعض الارتباك في بداية المناظرة لكن في ما بعد كان يجيب بأريحية وكعادته كان يرى ان قدراته أكبر من الاسئلة التي طرحت عليه ومن المجال الزمني الذي حدد للإجابة. سيف الدين مخلوف: ظهر بمظهر المتشنج والصدامي الذي يفاضل الخطاب الثورجي على تقديم البرامج والذي يبني تدخلاته على مهاجمة الخصوم مهما كانت طبيعة السؤال سعيد العايدي: لم يظهر سعيد العايدي في شكله المعهود وكان مرتبكا وكانه متوجس من امكانية الوقوع في خطإ بالرغم من ان اجوبته كانت فيها دراية الى حد ما بطبيعة عمل رئيس الجمهورية وصلاحياته. يوسف الشاهد: من الواضح ان يوسف الشاهد مرشح حزب حركة تحيا تونس استغل تجربته في الحكم ومعرفته بمختلف الملفات ليظهر بمظهر الواثق المعتد بنفسه لم يسقط في فخ الاثارة ولكنه بدا أحيانا رتيبا في أجوبته. حمة الهمامي: بدأ المناظرة مرتبكا واستفاد من طبيعة الاسئلة التي وجهت اليه لاظهار وفائه لمبادئه ودوره المعارض لكنه في المقابل سقط في فخ استفزاز الخصوم ليخندق نفسه في نفس المربع الذي يتهمه فيه خصومه بالمعارضة دون تقديم البدائل. قيس سعيد: كعادته لم يخرج المترشح قيس سعيد عن طريقة حديثه التي عهدها عنه التونسيون وكان وفيا أيضا لإمكانياته وصلاحيات رئيس الجمهورية ففضل عدم الانسياق نحو تقديم الوعود الزائفة غير أن خطابه افتقر الى التجربة السياسية التي يفتقدها.