توزر «الشروق»: ولد أبو القاسم الشابي في أسرة من سلالة الشيخ ابن عرفة الشابي ومسعود الشابي وذلك يوم 24 فيفري سنة 1909 وتوفي سنة 1934 وهو الابن البكر لوالده الشيخ محمد بن بلقاسم الشابي الشيخ الورع والقاضي المجاز من الجامع الأزهر والمتحصل على شهادة التطويع من جامع الزيتونة المعمور والذي قضى حياته بين المحكمة والمسجد وحرص على تعليم ابنه بالقاسم بنفسه. لم يستقر أبو القاسم مدة طويلة بمسقط رأسه إلا بعد وفاة والده لأنه كان يتنقل معه من مكان إلى مكان بحكم وظيفة والده القاضي الشرعي وقد استغرقت جولة والده بين عدة مدن تونسية عشرين سنة ولم يكن القاضي محمد بن بالقاسم الشابي ليحل بموطنه توزر إلا في العطل السنوية والأعياد وبعض المناسبات وكان حريصا على تعليم ابنه فلم يبلغ أبو القاسم الشابي التاسعة من عمره حتى حفظ الستين حزبا من القرآن الكريم حفظا جيدا فلقنه علوم اللغة العربية ومبادئ العلوم الأخرى وعندما استكمل الحادية عشرة سنة 1920 التحق بجامع الزيتونة الذي تخرج منه بشهادة التطويع أي ما يعادل الاجازة ثم درس القانون بكلية الحقوق وخلال هذه الفترة كوّن نفسه ووسع ثقافته العربية وقال الشعر باكرا وكانت أول قصيدة كتبها بعنوان –الغزال الفاتن- يوم 23 فيفري 1923 وعمره أنذاك 14 سنة وسطع نجمه في العاصمة داخل فضاءات منابر الشعر والأدب وساهم في تأسيس عدد من الجمعيات وارتبط بعلاقة صداقة مع الكثير من مثقفي عصره منهم زين العابدين السنوسي والطاهر الحداد ومحمد الحليوي ومحمد البشروش ومحمد الصالح المهيدي والدكتور زكي أبو شادي وكانت بينه وبينهم رسائل دوّن محمد الحليوي عددا منها في كتابه «رسائل الشابي « ونسخ الشابي ديوانه – أغاني الحياة – صحبة بعض أصدقائه في حامة الجريد وأثارت محاضرته - الخيال الشعري عند العرب- ضجّة كبرى وتعرض بسببها إلى حملة صحفية ناقدة وهي دراسة نقدية مقارنة بين الخيال الشعري عند العرب وعند الأوروبيين وله مكان في توزر كان يقضي فيه جلّ أوقاته وهو معروف باسم –ربوة الكعبي - وكانت مجلة «أبولو « المصرية سبّاقة للتعريف به في الشرق وتمت ترجمة شعره إلى عدة لغات وأسهم في صياغة وجدان أجيال وتغنّت بشعره الشعوب وردده عشاق الحرية وذاع صيته عالميا فهو شاعر الحياة والخلود...عبّر بشعره عن القلق والحرمان الذين عاشا معه وقاسماه الحياة والمطالب السامية للنفس الانسانية ...رحل وهو لم يتخط سن الخامسة والعشرين وذلك في التاسع من سبتمبر 1934 مخلفا وراءه أثرا ساطعا...صوّر مآسي شعبه ، آماله وأحلامه ومطامحه في أروع أنشودة « إرادة الحياة « التي أصبحت نبراسا لإثارة العزائم للتخلص من الظلم والعدوان: إذا الشعب يوما أراد الحياة * فلا بدّ أن يستجيب القد ر ولا بدّ لليل أن ينجلي * ولابد للقيد أن ينكسر ومن لم يعانقه شوق الحياة * تبخّر في جوّها واندثر