بعد أن كشفت نتائج الدور الأول من الانتخابات الرئاسية تقدم عدد من المترشحين المستقلين على مُرشحي الأحزاب. وفي ظل ارتفاع عدد القائمات المستقلة المترشحة للتشريعية، يدور جدل واسع اليوم بين التونسيين حول مستقبل السلطة.. تونس – الشروق: ليست المرة الأولى التي ينجح فيها المستقلون في تحقيق نتائج متقدمة في الانتخابات.. فالانتخابات الجزئية في المانيا سنة 2017 لسد شغور بمجلس نواب الشعب فازت بها القائمة المستقلة "الأمل" التي يترأسها النائب ياسين العياري متقدمة على قائمة حزب نداء تونس الحاكم. ثم كان الموعد مع الانتخابات البلدية في ماي 2018 ليُحقق المستقلون نتائج متقدمة. حيث حصلوا على حوالي 582 ألف صوت بنسبة ناهزت 32 بالمائة. وتقدموا بذلك على كل القائمات الحزبية . وفي الانتخابات الرئاسية الأخيرة، حقّق المستقلون ايضا نتائج متقدمة على حساب مرشحي الأحزاب. حيث حل المستقل قيس سعيّد في المرتبة الأولى متقدما على كل مرشحي الأحزاب. وحل المستقل الصافي سعيد في المرتبة السابعة متقدما على حوالي 15 مرشحا حزبيا.. نهاية الأحزاب؟ هذا المنحى التصاعدي في استحواذ المستقلين على اهتمامات الناخبين في الاستحقاقات الانتخابية المختلفة لا تختص به تونس. بل لوحظ تطوره في السنوات الأخيرة في عديد الدول. ويفسره المختصون بتراجع دور الأحزاب وربما بوجود بوادر لإمكانية نهاية دورها التاريخي خاصة مع تراجع قيمة بعض الإيديولوجيات ومكانتها وأيضا عزوف الناس خاصة الشباب عن الاهتمام بالعمل الحزبي والسياسي عموما في ظل تطور وسائل التعبير على غرار مواقع التواصل الاجتماعي التي يمكن ان تتيح للناس وخاصة الشباب حرية مطلقة للتعبير والاقتراح والانتقاد بدل الأحزاب. واليوم يثير هذا المنحى في تونس تساؤلات حول إمكانية تواصله في الانتخابات التشريعية القادمة. فإذا تواصل على هذا النحو يمكن القول إن مقاليد الحكم على مستوى السلطتين التنفيذية والتشريعية قد تتحول في قادم السنوات أو على الأقل خلال السنوات الخمس القادمة الى المستقلين الذين لا تقف وراءهم ماكينات حزبية. وهو ما يطرح بدوره تساؤلات أخرى في صورة حصوله. بعيدا عن الأحزاب يرى عدد من المختصين أن هذا المنحى من شأنه أن يحمل بين طياته إيجابيات عديدة على غرار وصول أشخاص الى الحكم لا تقف وراءهم الأحزاب التي عادة ما تكون مصدر تقلب وارتباك ممثلها في الحكم. وتبقى تجربة حزب نداء تونس أبرز مثال على ذلك. حيث ساهمت التقلبات والمشاكل التي عاشها الحزب طيلة السنوات الماضية في التأثير سلبا على أداء ممثليه في السلطة ( رئاسة الجمهورية والحكومة والبرلمان). وبالتالي فإن استقلالية من سيتولى مقاليد الحكم من شأنها أن تجعله في مأمن عن ضغوطات ومشاكل الحزب وتسمح له بممارسة مهامه بكل راحة بال وحسب البرنامج الذي وضعه بنفسه. تجديد وعلى صعيد آخر يعتقد كثيرون أن التغيير على مستوى السلطة من الحكام المتحزبين الى المستقلين من شأنه أن يمثل رجّة معنوية ونفسية إيجابية للمواطن الذي ملّ وسئم طيلة السنوات الماضية إدارة شؤونه من أحزاب وحكّام متحزبين لأنهم أغرقوه بالوعود الكاذبة. ولم يحقّقوا انتظاراته. وانشغلوا بمصالحهم الحزبية والشخصية الضيقة. ويعتقد آخرون أن المستقل عادة ما يكون أقل ارتكابا للفساد. وتكون صفة «نظافة اليد» ملتصقة به في نظر كثيرين. ومن الناحية التقنية يعتبر شق آخر أن المستقل قد تكون لديه أفكار وبرامج جديدة وخارجة عما ألفوه في برامج ووعود الأحزاب. وقد تكون مستجيبة لطموحاتهم وانتظاراتهم. خبرة على صعيد آخر تُطرح تساؤلات عديدة حول مدى قدرة المستقلين على إدارة الشأن العام وعلى تسيير شؤون الدولة في ظل افتقارهم الى الخبرة اللازمة والتي عادة ما تتوفر أكثر لدى الناشطين ضمن أحزاب خاصة بالنسبة للأحزاب التي بلغت السلطة في السنوات الأخيرة. وهو ما ينطبق أيضا على مسألة العلاقات الدولية التي أصبحت ضرورية اليوم لدى كل الدول وتكون عادة متوفرة أكثر لدى الناشطين ضمن أحزاب خاصة لدى كبار القياديين فيها. وهو ما يفتقره أيضا المستقلون. حزام سياسي يطرح خبراء الشأن السياسي أيضا مخاوف أخرى من وصول المستقلين الى الحكم. وتتعلق بالافتقار الى الحزام السياسي اللازم الذي يساعده على أداء مهامه. فذلك يمكن أن يجعله باستمرار تحت ضغوطات وانتقادات المعارضة سواء في البرلمان او خارجه. وما قد يترتب عن ذلك من تعطيلات له في تنفيذ برامجه وأفكاره. وهو ما يتجنبه عادة المسؤول المنتمي الى حزب لأن حزبه سيوفر له حزاما سياسيا يسانده ويقيه من التعطيل والنقد. ابتلاع المستقل من الأحزاب وهذا ما يطرح بدوره مشكلا آخر وهو إمكانية تعرض المستقل، سواء بالنسبة الى رئيس الجمهورية او نائب البرلمان، الى ضغوطات من الأحزاب الكبرى تقترب منه. وتحاول ضمه إليها. وبالتالي تفرض هيمنتها عليه. وتصبح هي الحاكم الفعلي. وبذلك يقع المسّ بإرادة الناخبين الذين انتخبوا مستقلا ليحكمهم. فإذا بالأحزاب تسترجع هي الحكم.. لكن توجد آلية يمكن للمستقلين التخلص بها من هذا الضغط عند بلوغ السلطة. وهي تكوين حزب في ما بعد. فيكون بذلك حزاما سياسيا. عدد القائمات المستقلة المترشحة للتشريعية أرفع من الحزبية يبلغ عدد المترشحين للانتخابات التشريعية 15737 مترشحا . ويبلغ عدد القائمات 1507 قائمة في 33 دائرة انتخابية. وتتوزع القائمات بين 163 ائتلافية و687 قائمة حزبية و722 قائمة مستقلة. وبالتالي فإن المستقلين لهم حظوظ وافرة للحصول على عدد متقدم من المقاعد في البرلمان القادم في انتظار ما ستؤول اليه نتيجة الرئاسية إما للمترشح المستقل قيس سعيّد أو للمترشح الحزبي نبيل القروي.. رئيس حكومة مستقل؟ ينص الفصل 89 من الدستور على أنه « في أجل أسبوع من الإعلان عن النتائج النهائية للانتخابات يكلف رئيس الجمهورية مرشح الحزب او الائتلاف الانتخابي المتحصل على أكبر عدد من المقاعد بمجلس نواب الشعب بتكوين الحكومة..» وبالتالي فإنه رغم فرضية ارتفاع عدد المقاعد التي سيحصل عليها المستقلون وتقدمهم على القائمات الحزبية إلا أنه لا يمكن تشريك المستقلين في اختيار رئيس الحكومة إلا في صورة تقدم البعض منهم للانتخابات في شكل «ائتلاف انتخابي» وحصول ائتلافهم على أكبر عدد من المقاعد أو في صورة ترشيح الحزب صاحب أكبر عدد من المقاعد شخصية مستقلة لتولي رئاسة الحكومة مثلما فعل الباجي قائد السبسي عندما عيّن حبيب الصيد . لكن مع ذلك يمكن للمستقلين أن يشكلوا قوة ضاربة في البرلمان عند تزكية الحكومة وفي ما بعد عند المصادقة على القوانين خاصة إذا ما كونوا كتلة برلمانية كبرى لكن شريطة أن يبتعدوا عن السياحة البرلمانية التي تتيح لهم الانضمام الى كتل حزبية.