تونس/الشروق خمسة محاور أساسية تحدث حولها الرئيس سعيّد في خطابه الرسمي الذي القاه صباح أمس تحت قبّة البرلمان إثر أدائه اليمين الدستورية. هذه المحاور تمحورت حول حياد المرفق العمومي ومكاسب المرأة والحقوق والحريات ومكافحة الإرهاب والفساد وعلاقات تونس الخارجية مبديا حماسة تجاه منع تحزّب الإدارة والمحافظة على حياد المرفق العمومي وبذات الحماسة تحدّث عن ضرورة دعم مكاسب المرأة بالانتصار لحقوقها الاقتصادية والاجتماعية وعن صلابة الدولة وقواتها العسكرية والأمنية في محاربتها للإرهاب وعن التصدّي للفساد مؤكدا على ثوابت الديبلوماسية التونسية القائمة على الانتماء الى محيطها الطبيعي المغاربي والافريقي والعربي والمتوسطي. هذه المحاور كانت حولها ردود أفعال مرحبة ومنتقدة جمعتها لكم «الشروق» وكانت كالآتي. مسعود الرمضاني (عضو المكتب التنفيذي للشبكة الأورومتوسطية) نقائص الخطاب كان عاما ولم يتضمن مثلا حديث عن التوازن الجهوي او عن التجارة الموازية ولا عن حقوق الجهات الداخلية ولم يكن فيه حقيقة تشخيص للواقع الاقتصادي والاجتماعي. اما بخصوص مكتسبات المراة فإنه لا أحد قادر على العودة بها إلى الوراء. وربما ما اثار الناس في خطاب الرئيس اليوم هو حديثه عن التطوع بيوم عمل للخزينة العامة هذا أمر عادي ومقبول لو شعر الناس بالثقة في مؤسسة الحكم وفي اعتقادي من دور الدولة ارجاع الأموال من المتهربين ضريبيا والمتغلغين في الاقتصاد ثم يأتي الدور لاحقا على الاجير فمزيد الاقتطاع من الاجراء يفقد الناس ثقتهم في من يحكم ولا ثقة للناس سوى في الدولة العادلة وهذا يعني ان أصحاب الإمكانيات هم من يضحّي الاوّل ثم يأتي الدور على البقية. وعموما هذا خطاب عام يبعث برسائل وهو يرتبط بمجال عمل الرئيس والمجال القانوني الخاص به وبالبرلمان ذي التركيبة المعقدة وفيه ما هو مرتبط بخطابات سابقة فيها ما هو مطمئن وفيها ما هو غير مطمئن. وهناك ما ينقص في هذا الخطاب فمسألة الحياد التي تحدث عنها موجودة ولولا حياد الإدارة ما وصل سعيّد الى قرطاج. الشعب يعرف ان استغلال الإدارة امر خطير. عمومية الخطابات بصفة عامة واغفاله لبعض المسائل في اعتقادي يصطدمان بإكراهات ورهانات إذ هناك رهان سياسي وهو ان البرلمان في يده السلطة ولدينا رئيس طموح وتقابله فسيفساء في البرلمان لا تستجيب لطموحات الرئيس فهل يمتلك هذا الأخير إمكانية المحاولة وتقديم المبادرات؟ انا غالبا انسّب الفرح وأتمنى رئيسا عادلا له تصور للعدالة وللمساواة وللتوازن الجهوي ولكن في نفس الوقت ان لا يقدم وعودا أكثر مما يستطيع إنجازه. بشرى بالحاج حميدة (نائبة في البرلمان ورئيسة لجنة الحريات الفردية والمساواة) هذه أفضل رسائل سعيّد الكثير راهنوا على التراجع عن مكتسبات المراة ولكن لا أحد باستطاعته التراجع إذ هناك مجتمع مدني قوي ومؤسسات دولة قوية وعقلية اجتماعية لدى الذكور والاناث حامية لهذه المكتسبات. وحين يتحدث الرئيس عن دعم مكاسب المراة بدعم حقوقها الاقتصادية والاجتماعية فهذا امر فيه عديد إذ ان الدولة حين تأخذ بعين الاعتبار هذه الحقوق والواقع الاقتصادي والاجتماعي تغيّر سياساتها وهذا امر قد يصل الى المساواة في الميراث والتي هي مسالة اقتصادية واجتماعية بامتياز خاصة ان اغلبية النساء لا تمتلكن مسكنا آمنا في ظروف معينة كالطلاق وان عدم المساواة في الميراث كانت من ضمن العراقيل التي جعلت هؤلاء النساء عاجزات عن الحصول على قروض مثلا لتحسين اوضاعهن الاقتصادية والاجتماعية. شخصيا اعتبر ان افضل رسائل الرئيس سعيّد اليوم هي قوله بان الناس الذين لهم حنين الى الماضي هم يلاحقون سرابا وهي رسالة تاتي في اطار منظومة كاملة في علاقة بالحريات وبمكافحة الفساد. عموما الخطاب كان إيجابيا ولكن هناك نقائص من ذلك عدم تثمينه لقيمة العمل الذي نحتاجه وتحدث عن التبرّع بيوم عمل شخصيا لا مشكل لي مع التبرع ولكن في اعتقادي التبرّع لن يجعل خزينة الدولة تفيض أموالا وهي ستفيض أموالا بالعمل وبمكافحة التهرّب الضريبي ومكافحة الفساد. ليس هناك أي كان باستطاعته صنع المعجزات ولكن هناك رمزية ورسائل معنوية فشخصيا اعجبتني صورة خروج الرئيس من حي شعبي وهو يتوجه لأداء اليمين الدستوري فبورقيبة أيضا جاء من حي الطرابلسية بالمنستير هذه صورة جميلة ليس فيها أي شعبوية بقدر ما فيها صورة جميلة للمتلقي اما بخصوص حياد الإدارة الناس يعانون من تحزب الإدارة ونحن اليوم على أبواب هيئة دستورية يجب ان لا تخضع للتحزّب فعدم الخروج من منظومة التحزب والتي كانت طاغية قبل الثورة امر يجب التخلص منه. الدرس في اعتقادي كان واضحا اليوم لابد من إدارة خارج دائرة التحزب. نايلة الزغلامي (عضو المكتب التنفيذي لجمعية النساء الديمقراطيات) رسائل إيجابية في اعتقادي حضور كبير الاحبار وكبير الأساقفة كان رسالة إيجابية ولكن خطاب الرئيس الذي لم استمع اليه بعدُ وانا اتحدث اليك ولكن وصلتني عموما بعض النقاط التي خاض فيها وحمل نقائص فالحقوق الاقتصادية والاجتماعية التي تخص المرأة واهتم بها الرئيس لا تكفي لدعم مكاسب المراة هي امر ضروري للعيش ولكن المساواة في الحقوق والحريات هو ما يحقق للمراة مواطنتها كاملة. البرلمان الجديد لا تتجاوز فيه نسبة حضور النساء 22 بالمئة وهي نسبة صادمة وفي طريقها الى التراجع والمطلوب من الرئيس ان كان نصيرا للمراة ان يمرّر قانون التناصف الافقي والعمودي وكذلك يكون التناصف في الهيئات الدستورية وعليه ان يوقف العنف السياسي. لا تكفي المحافظة على مكاسب المراة ودعم حقوقها الاقتصادية والاجتماعية ما لم يتم دعم حقوقها السياسية. كما يبدو ان الرئيس لم يذكر في خطابه خطته الواضحة للقضاء على الفساد. هذا خطاب عام ونحن لا نحتاج الى العموميات فالتفويض الشعبي يخول له باتخاذ إجراءات متقدمة في مجال الحقوق والحريات. اما بخصوص التبرع بيوم عمل فأتمنى ان يُتْرك مسألة اختيارية فنحن سنتبرّع حين نرى الدولة تحارب صدقا الفساد وتنتصر للحقوق والحريات وتبني جسر تواصل وثقة بيننا وبينها حينها سنتبرع بأكثر من يوم. عبد اللطيف الحناشي (أستاذ تاريخ معاصر) التاريخ الجديد لا يكتب هكذا هل نحن فعلا امام تاريخ جديد في تونس كما قال ذلك الرئيس سعيّد في خطابه اليوم؟ عن هذا السؤال ردّ الأستاذ عبد اللطيف الحناشي بالقول إنّ هناك رسائل عديدة في خطاب الرئيس ولكن حين يقول هذا تاريخ جديد نعود الى صلاحياته وقدرته على كتابة تاريخ جديد في ما يتعلق بالقضايا التي يخوض فيها المجتمع فبعض هذه القضايا تتجاوزه ومن الصعب جدا الحديث عن تاريخ جديد. فالتاريخ الجديد لا يكتب هكذا ويكون غالبا بإرادة مجموعة من الأحزاب وبإرادة شعب. هذا رئيس لا برنامج له ومسائل كثيرة تتجاوز صلاحياته فنظامنا برلماني والبرلمان هو البوصلة. ماهو تاريخي في اعتقادي هو طريقة انتخابه فهو من الرؤساء القلائل في الأنظمة الديمقراطية الذي يتحصل على هذه النسبة. هناك حديث عن أزمة اقتصادية في العالم في العام المقبل وهذا ستكون له تداعياته على تونس التي تعيش بدورها ازمة والرئيس اكبر دور يمكن ان يقوم به اليوم هو الدفع باتجاه تقريب وجهات النظر بخصوص تشكيل الحكومة من خلال المشاورات والمباحثات. ما قاله الرئيس اليوم في خطابه كان طمأنة في القضايا التي تهمه مباشرة وفيه طمأنة بخصوص الأسس الديبلوماسية لتونس وحضور كبير الاحبار وكبير الأساقفة فيه رمزية وطمأنة وهذا جزء من قضية الحريات التي تحدث عنها. ولكن الى أي مدى يمكن ان يؤثر الرئيس في قضية مكافحة الفساد وفقا لصلاحياته ولكن هذا يعطي على الأقل طمأنة معنوية للمتلقي. عبد الله العبيدي (خبير ديبلوماسي) ذكاء ديبلوماسي الديبلوماسية تكون مباشرة وغير مباشرة وفي اعتقادي اثارة القضية الفلسطينية بكل هذا الالحاح سيجعل سفاراتنا في الأيام التالية خاصة في الدول التي رعت صفقة القرن ومنطلقها بعض الدول العربية الوازنة اقتصاديا وجماهيريا والتي لها علاقات مع إسرائيل في الآونة الأخيرة مطالبة بتقديم توضيحات وتفسير بخصوص هذا التوجه وحتى سفارات تلك الدول في تونس ستطلب توضيحات بخصوص هذا التصريح. خطاب الرئيس له دائما مرتكزات فهل تلقى سعيّد تطمينات بخصوص هذه الرسالة فهو من المؤكد انه تلقى اتصالات وبالتالي لا يمكن ان يكون هكذا تحسّس في خطابه لهذه المسألة فهلّ تحسّب لها ام لا؟ في اعتقادي ستكون هناك تبعات من النوعين السلبي والايجابي. ربّما لم يكن ليثير الرئيس هذا الموضوع بكل هذا الالحاح وربما التأكيد على وقوف تونس الى جانب القضايا العادلة ومنها القضية الفلسطينية دون افرادها بمصطلحات في جدول اعماله. اما بخصوص قوله إن لتونس محيطها الطبيعي المغاربي الافريقي المتوسطي فهذا امر بديهي. اذ نحن لا نغير الجغرافيا وهناك ملامح اطارية لمصالح تونس قد تقتضي أيضا بعض التعديلات وعموما اول حروف ابجدية للديبلوماسية هي السلم مع اجوارك. لدينا كفاءات ديبلوماسية تتحدث كل اللغات ونعرف شركاءنا ماذا يريدون وإرادة التحسين في التعاطي مع الملفات إن وجدت تُثمر. لابد من تشخيص نقائصنا والبحث عما يتدارك نقصنا وبناء شبكة علاقات تحسن اوضاعنا. نزيهة رجيبة (ام زياد) كاتبة وناشطة حقوقية ننتظر الممارسة الخطاب يبقى خطابا ونحن ننتظر الممارسة. الخطاب كان مطمئنا. ولكن ليس في كل شيء وعموما مطمئن من حيث ان الرئيس تحدث عن الأشياء التي تخيف المواطن من الحكّام وأيضا تحدث عن أشياء ليست من صلاحياته. والمشكل الحقيقي في البرلمان وليس في الرئيس. فوضعية البرلمان اليوم مخيفة ورئاسة الجمهورية بصلاحياتها لا تؤثر تأثيرا كبيرا وقيمتها معنوية بالأساس. شخصيا ليس لي أي موقف سلبي مما حدث اليوم فهناك تلميحات تشعرك بأن سعيّد قد يكون رئيسا في صفنا. لكن ليس في حوزته صلاحيات تغيير. كخطاب اولي كانت فيه رسائل إيجابية وبدا فيه سعيّد انسانا صادقا محافظا صحيح ولكن يبدو ان له مبادئ ولا يخون المبادئ والحقوق. وحتى مسألة المساواة في الميراث ان جاءت أمامه للمصادقة عليها فهو إما يصادق عليها لان ذلك واجبه الدستوري او يستقيل من منصبه لانه يرفضها. عبد الحليم حمدي (ناشط في الحراك الاجتماعي) لا نحترم القانون الذي يجرّم حقوقنا الخطاب لم يشذ عن انتخابات السياسيين الذين سبقوه إذ هو تقدّم بوعود. وهي تظل مجرّد وعود. يبدو ان الرئيس سيكون وفيا لشعار الشغل والحرية والكرامة خاصة انه الضامن للدستور وإن أراد فعلا الانتصار للحقوق الاقتصادية والاجتماعية هناك صلاحيات دستورية في هذا الاتجاه. وإن وعد الرئيس بالعدل والمساواة أمام القانون نذكّره بأن القانون الحالي يقف أمام حقوقنا الاقتصادية والاجتماعية دليل ذلك تجريم الحركات الاجتماعية التي تطالب بالشغل وبمياه الشرب وغيرها من المطالب الاقتصادية والاجتماعية. وبالتالي نحن، كحركات اجتماعية، نقول للرئيس بأننا لا نحترم القانون الذي يقف دون حقوقنا الاقتصادية والاجتماعية وسنحترم القانون الذي يحميها. فالهرسلة التي تولاها من قبله من خلال دعوته الى عسكرة الشارع في ردة فعل ضد الاحتجاجات خابت واللاّ تفاعل مع الاحتجاجات يعني ردّات الفعل العنيفة وبالتالي حذار من استعمال عصا القانون وتفعيل الدستور لتمكين الناس من حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية. واعتبر عبد الحليم حمدي ان جانفي 2015 الذي تلا الانتخابات كان ساخنا وان جانفي المقبل أيضا سيشهد موجة احتجاجات متوقعة لان الحركات الاجتماعية والمهمشين لا يستطيعون الانتظار أكثر والاستثمار الحقيقي يكون في ملفات الفساد والتهرب الضريبي. فالمطلوب من الرئيس ان ينزع اموالنا بقوة القانون من جيوب المتهرّبين ضريبيا. معز الباي (صحفي) خطاب متوقع خطاب الرئيس كان متوقعا وأجاب فيه عن كل الأسئلة التي تزعج الشارع والطبقة السياسية خاصة مسألة الحقوق والحريات ومكاسب المرأة.وهو طمأن الخارج والدول المانحة مع المحافظة على جانب من المناورة بأن تونس تحتفظ بحق المراجعة والتعديل بما يخدم مصلحتها. كما انه اطلق إشارة من خلال حديثه عن حياد المرفق العمومي الى مسألة اختراق الإدارة وتلميح ضمني حول الجهاز السري لحركة النهضة واختراق الإدارة وهي الإجابة التي تهرّب منها سابقا واعتبرها إشارة تحذير الى النهضة والأطراف السياسية حول اختراق الإدارة. ولم يطرح سعيّد رؤيا بخصوص الحقوق الاقتصادية والاجتماعية. وبخصوص الضربة الاتصالية التي يتعمّدها سعيّد في خطاباته بتركيزه على القضية الفلسطينية قال معز الباي لنكون واقعيين خطابه حول فلسطين عاطفي وجداني وهي صحيح انها قضية حية في نفوس تونس والعرب. ولكن ماهي حدود تونس او سلطتها في مواجهة خيارات دولية فخلال اقل من أسبوع انعقد مؤتمر في البحرين كانت فيه إسرائيل ضيفة فماذا تملك تونس غير تلك الصورة الرمزية في تبنيها للقضايا العادلة وخطاب الرئيس سعيّد كرّس تونس كنبض للثورة وللقضايا العادلة.