حافظت الدبلوماسية التونسية طيلة سنوات على حيادها في القضايا العربية والأفريقية والدولية وكان الزعيم الحبيب بورقيبة أول من أسس لهذا الأختيار القائم على الحياد وعلى عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى وعلى أحترام الشرعية الدولية والأصطفاف وراء قرارات الأممالمتحدة. هذا الخيار الأستراتيجي الذي جلب الأحترام لتونس في المحافل الدولية على الرغم من صغر مساحتها وضعف أمكانياتها لم يحافظ عليه الرئيس المؤقت منصف المرزوقي الذي ورّط تونس في حرب سوريا وحوّلها إلى تابع للمحور القطري قبل أن يعيد الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي القطار إلى سكته بإستعادة تقاليد الدبلوماسية التونسية لكن مع تولي الرئيس قيس سعيد الحكم لاحظنا أن هناك مؤشرات سلبية في هذا الأتجاه يمكن أن تعيد تونس إلى دبلوماسية الإصطفاف والمحاور. فقد أستقبل أول أمس الرئيس قيس سعيد رئيس ما يسمى بالمجلس الأعلى للدولة في ليبيا خالد المشري وهو قيادي أخواني وسجين سابق في غوانتنامو ويرأس مجلسا أنتهت صلاحياته منذ 2017 وكان أول أتصال خارجي يجريه قيس سعيد مع رئيس حكومة الوفاق فائز السراج وهو ما يعني ضمنيا موقفا واضحا من الطرف الثاني في ليبيا وهو الحكومة المؤقتة في طبرق ومجلس النواب الليبي والمشير خليفة حفتر القائد العام للجيش الليبي. لا نشك في حسن نوايا الرئيس قيس سعيد ولا في صدقه ولا في مراعاته لمصالح تونس لكن إذا لم يبادر وفي أقرب وقت بالتواصل مع الطرف الثاني في ليبيا فسيكون بذلك وضع تونس وأمنها القومي في أزمة عميقة قد يكون ثمنها باهظا. فهل نرى مبادرة تونسية برعاية الرئيس لتقريب وجهات النظر لتكون تونس على مسافة واحدة من كل الفرقاء كما كانت دائما ؟ نرجو ذلك حتى لا تكون بلادنا ضحية صراعات وخلافات الأخوة الأعداء.