بقلم الناشط الحقوقي سهيل بيوض (رئيس جمعية فورزا تونس) مثل عرض تمثال الاله "مولوك" ضمن تظاهرة قرطاج الاسطورة الخالدة التي تقام بكولوسيوم روما من 26 سبتمبر الى 29 مارس 2020 ، والتي تتمثل في عرض 400 قطعة اثرية قرطاجنية فريدة من نوعها في ظروف مشبوهة تشويها مخزيا لحضارة تونس وشعبها، فهذا التمثال هو من تصور مخرج فاشي انتج فيلما يحقر سكان قرطاج ويقدمهم في صورة شعب همجي يحرق ابناءه في بطن تمثال عظيم لمولوك. فوجود هذا التمثال في المعرض اثار -اسبوع بعد ان اثرتُ هذه المعضلة في الشروق الثقافي يوم 20 اكتوبر 2019 -ردود فعل عنيفة في العالم نذكر من اهمها ما ورد في مواقع مثل "la fede quotidiana" اي الايمان اليومي وموقع "the christian post " وهما مقربان جدا من المليار مسيحي كاثوليكي في العالم واللذان وصفا هذه الواقعة بالفضيحة الفظيعة التي وجب اصلاحها بالصلاة والتذرع وجميع انواع الطقوس المسيحية. فهل نحن على وعي بذلك؟ تتهمنا روما والغرب عامة منذ القدم بحرق اطفالنا كما ورد في كتاب صالامبو للكاتب الفرنسي " فلوبار"، والذي استوحى منه المخرج الفاشي جوفاني بستوني الفيلم التشويهي المنتج سنة 1914 تحت عنوان "كابيريا" عن سيناريو ''لغابريالي دانونسيو''، والذي اراد به تعليل الاستعمار وتبرير جرائمه البشعة، واظهارنا شعبا همجيا، لا انسانية ولا قيم له، بأن تصبح الانسانية والحضارة وفق تصوره حكرا على الرومان وحدهم .فهل نحن كذلك؟ في الحقيقة لم يع السيد وزير الثقافة محمد زين العابدين وسفير تونس بإيطاليا، اللذان هرعا الى تدشين هذا المعرض معاني الاهانة والتحقير بذواتنا وبتاريخنا وحضارتنا حيث تحاول اوروبا وقوى اقليمية اخرى انتهاك سيادة الدولة التونسية وفرض معاهدات استعمارية جديدة على غرار " الاليكا" التي تشرع للهيمنة على الاقتصاد التونسي ،وبرنامج «صوفيا" الذي يمهد للتدخل العسكري في الشواطئ التونسية من اجل منع الهجرة غير الشرعية. هل هو مجرد لا وعي ام في العملية اغتيال ممنهج للعقل التونسي بطريقة اتت على العامة وطالت النخبة وكبار المسؤولين كي نصبح بفعله وقودا لحرق انفسنا ومقدرات الاجيال القادمة؟ فإن كان كل هذا صحيح، وهو الارجح، فنحن فعلا قد قمنا بأبشع انواع المحارق الا وهي اغتيال العقل منبع الافكار والمواقف وارادة تحقيق الذات وتقرير المصير في مستويات عدة ام ان الغرب بتعلات التعاون التقني.... و الخ يبيعنا توجهات وهمية تؤدي بنا الى الفظاعة وفقدان السيادة المعنوية والفكرية والمادية بفقداننا القدرة على البحث عن حلول لمشاكلنا من تلقاء انفسنا وانطلاقا من واقعنا وخصوصياتنا، ثم يتهمنا بشتى النعوت. محرقة العقل والمجتمع لماذا نتعلم؟ ولماذا نقضي انصاف العمر بين المدارس والكليات ووسائل النقل فهل حققنا بذلك سعادتنا الشخصية وخلقنا بذلك توازنا في مجتمعنا كما حلم جيل الاستقلال من قبلنا ؟ اذا اردنا الاجابة عن هذا السؤال بكل صدق وتجرد سوف نرى بكل وضوح ان بعد كل ذلك العناء والحرمان من حرية الطفولة مقابل قضاء وقت طويل في التعلم وجدنا انفسنا محصورين في مربع ظروف العمل القاسية من دون فرحة الحياة ولا تنمية ذاتية ولا امال ولا احلام تذكر. فالأغلبية الساحقة من مجتمعنا هي مجرد ادوات لتنفيذ سياسات اقتصادية مستوردة بل مفروضة علينا من مؤسسات دولية مالية مثل البنك العالمي وصندوق النقد الدولي اللذين يضغطان علينا باستعمال السلاح الديبلوماسي والاقتصادي للاتحاد الاوروبي، الذي حقر بنا الى حد التعامل معنا من باب ما يسمى بالمنظمات غير الحكومية والتي هي اتعس ادوات الاستعمار الجديد. هذه المنظمات تدعي انها غير حكومية لكنها تمثل ابشع مظاهر الكذب والاستعمار. فوجودها هنا من اجل فرض سياسات حكوماتها و سياسة الاتحاد الاوروبي عامة. فكيف لنا ان نصدق هذه الخدعة الاجرامية لما نسمع شباب صائع من المانيا وايطاليا وفرنسا لينبهنا من الاليكا التي هي معاهدة استعمارية في ابشع مظاهرها ترنو الى الاستيلاء على اراضينا وحقنا في التصرف في املاكنا وارث اجدادنا وتسليم كل هذه المقالد الى ما يسمى بباعثين اوروبيين، كي نتحول بعد ذلك الى شبه عبيد في اراضينا بعد ان حطمو قدرة الدينار على التنافس واغلقوا مصانعنا جراء الاستيراد العشوائي. وكيف لنا أن نصدق شباب ما يسمى بالمنظمات غير الحكومية الذي جاء ليقول لنا حذار ويدعي اعانتنا على التصدي لهذا الاستعمار والحال وانه ممول اساسا من الاتحاد الاوروبي الذي يسعى بكل الطرق الى فرض هذه المعاهدات المخزية والاجرامية. والحال وانها عملية للتحيل على العقل التونسي وتخدير قدرته على الوعي بذاته والاخذ بزمام الامور للدفاع عن سيادته و عن بقائه. هؤلاء"الطيبون" المدججون بأموال الاتحاد الاوروبي والمتشدقون بالقيم والمبادئ الانسانية مثل دعم المسار الديمقراطي وحقوق المرأة الريفية وحقوق الانسان عامة اتو كاداة في صلب استراتيجية ميكافيلية عامة مكانهم فيها يتمثل في السطو على الحقل النضالي كي يوجهوا النضالات في تونس في اتجاهات معينة والى حدود معينة يقع بها تمرير مشاريع فظيعة بدون ان يترك المجال لتكون قوى شبابية ووطنية صادقة تخدم المصلحة العليا للوطن، فكل من حاول فعل ذلك من شبابنا والمجتمع المدني الرافض للانصياع لبرامج هذه المنظمات المسماة زيفا غير حكومية يجد نفسه في التسلل دون تمويل ومعزول حتى من الاعلام والفضاء العام لجبره على دخول بيت الطاعة او الموت في اراضيه وهو يشاهد هذه المسرحية السخيفة فهل هناك محرقة افظع من هذه؟ بل يصل الحال الى بعض صناع القرار من سيئي الذكر من حاملي بطاقة التعريف التونسية الى ان يشيدوا لهم وزارة تسمى بوزارة المجتمع المدني وحقوق الانسان عندها نعلم جيدا ان هناك اتفاقا لبيع ما يسمى بالمجتمع المدني التونسي للمولين الاجانب ومعظمهم من الاتحاد الاوروبي وهنا تظهر اللعبة الشيطانية التي تتمثل في افراغ الساحة من الفاعلين الوطنيين والمناضلين الصادقين كي يبقى فيها سوى هؤلاء العملاء الجدد الذين يستقطبون شبابنا الذي له القدرة على النضال واغراءه بجرايات بالعملة الصعبة تفوق المعدل العام في تونس وتطويعه وتدجينه من اجل تمرير برامج واجندات مسقطة ولن ترى لها اي وقع ايجابي على مجتمعنا في المدى البعيد بل هي اساسا اتت للتمويه علينا وعلى العالم بان في تونس مجتمعا مدنيا واعيا بمشاكله ويعارض السياسات الليبرالية وفي نفس الوقت يخفون ان كل هذه اللعبة ممولة من نفس الليبراليين الذي يسعون الى استعمار الساحة النضالية لخنقها وتمرير مشاريعهم الاستعمارية. الجزء الثاني الاثنين القادم