ما لا يقل عن 163 ألف متقاعد يعيشون اليوم وضعية اقتصادية واجتماعية صعبة جرّاء غلاء المعيشة وتدهور مجمل الخدمات الموجهة إليهم دون ان تلاقي هذه الازمة أي تفاعل رسمي من قبل السلطات. فئة ذات حقوق من صفة خمسة نجوم باعتبارهم من دافعي الضرائب أصبحوا اليوم يعيشون على الهامش ويعصف بهم الفقر. تونس/الشروق ارتفع عدد المتقاعدين في تونس من 9 بالمئة من مجموع عدد السكان في العام 2004 الى 13 بالمئة من مجموع السكان في العام الماضي وفقا لارقام المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية. ووفقا لتقديرات ذات المصدر من المتوقع ان تبلغ نسبة هؤلاء 18 بالمئة من مجموع السكان بعد حوالي عشر سنوات. شواغل يفسر المعهد هذه الزيادة بارتفاع الامل في الحياة عند الولادة الى 74 سنة بالنسبة للرجال و78 سنة بالنسبة للنساء بعد ان كان اقل بسنتين بالنسبة للجنسين خلال العام 2008. ويقرّ المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية بان تطور عدد المتقاعدين نتج عنه تعدد شواغل هذه الفئة العمرية وتنوع مطالبها مشددا على ان صناديق التقاعد والحيطة الاجتماعية والتامين على المرض شهدت بدورها تفاقما في المشاكل بلغ مرحلة صعوبة صرف أجور المتقاعدين وتامين الارتفاع الالي لها. وبزيادة عدد المتقاعدين يتوقع المعهد زيادة في حجم" الأعباء" المالية للدولة بسبب ارتفاع النفقات الصحية. وكان لسعد العبيدي، احد المشاركين في انجاز دراسة المعهد وهو أستاذ تعليم عال بالعهد الوطني للشغل والدراسات الاجتماعية جامعة قرطاج، قد أوصى"بضرورة اعداد برنامج وطني لإعداد الموظفين قبل مرحلة التقاعد من اجل تهيئتهم" كما دعا الى "ضرورة التفكير في خلق وظائف للمتقاعدين في المجال الثقافي والجمعياتي وتشريكهم في الاستشارات الوطنية لصنع القرار والاستفادة من تجربتهم عند إعداد مشاريع القوانين في كل المجالات". وفي الاثناء ينصرف المتقاعدون كل لأزماته فمنهم من مازال بصدد خلاص دين لدى البنك متخلد بالذمة منذ سنوات العمل وبينهم من يعاني من الامراض المزمنة ولا يلاقي الادوية التي يحتاجها وبعضهم الاخر لا تكفي جراية التقاعد التي يحصل عليها على توفير حاجياته المعيشية. وفي الاثناء أيضا صار بالإمكان الحديث عن فقر المتقاعدين فهم فئة أصبحت في زمن الازمة الاقتصادية والاجتماعية تعيش على الهامش خاصة وانّ ازمة المالية العمومية التي تعصف بالدولة منذ سنوات وابرز مؤشراتها عجز الصناديق والذي بلغ الالفيْ مليار باد يهدّد حصولهم على الجراية. نكران يقول عبد المجيد الخنتوش رئيس الجمعية التونسية للمتقاعدين إنّ ثلث المتقاعدين يعيشون حالة فقر وإذا ما احتسبنا، والكلام لنا، هذا الثلث من مجموع 488744 متقاعد يحصلون على جراية تقاعد من الصندوقين فإنّ هذا الثلث يقدّر بحوالي 163 الف متقاعد باتوا يعيشون حالة من الفقر وهم عاجزون عن توفير كرامة الحياة التي ناضلوا من اجلها لسنوات طويلة . "اليوم صار بالإمكان القول إنّ المتقاعد اصبح انسانا يعيش على الهامش رغم انه عمل لسنوات طويلة تصل أحيانا الى 35 سنة فهل يعقل ان يعامل بكل هذا النكران" هكذا يعلّق الناشط الحقوقي مسعود الرمضاني الرئيس السابق للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية حول فقر المتقاعدين مضيفا " البعض يتعامل مع المتقاعد وكانه عالة على المجتمع بل إن السلطات الرسمية لا تمنحه الأولوية وتشعرهم بان جراياتهم وكانها نوع من المِنّة رغم انها حقه وانه لا احد منحه إيّاه كهديّة بل هي أمواله التي دفعها لسنوات". واعتبر الرمضاني ان فقدان الادوية من المشاكل الكبرى التي يواجهها المتقاعد خاصة وان الكثير منهم يعانون من العديد من الامراض المزمنة كالسكري وضغط الدم واذا ما اضفنا الى هذا الوضع الازمة المالية وتاخر الزيادات وتدهور الأوضاع الاقتصادية فان وضع المتقاعد يصبح اكثر من صعب مشيرا الى ان المتقاعدين اصبحوا منسيين حتى من قبل النقابيين وهم اليوم اصبحوا الأكثر هشاشة في الأوضاع الاجتماعية ووصف هذا الواقع الذي يعيشه المتقاعدون بالجهل والنكران ونوع من العقوق لكل ما قدّمه هؤلاء في زهرة أعمارهم بل هم يعاملون كمواطنين من درجة ثانية. من جهته يقول عبد المجيد الخنتوش إنّ "كل الحكومات المتعاقبة تظاهرت بالاهتمام بالمتقاعدين ولكن ذلك كله ظلّ حبرا على ورق فالمتقاعد يعيش اليوم وضعية صعبة فحتى جمعية المتقاعدين ذاتها لم يتم منحها أي تمويل عمومي". واكد ان ثلث المتقاعدين اليوم اصبحوا فقراء واصبحوا "مقبورين ومنسيين" مشيرا الى ان نوعية الخدمات ذاتها تراجعت ولم تعد هناك أي تسهيلات للمتقاعدين. وابرز الخنتوش ان خلاص جرايات التقاعد من الديون الخارجية والعمومية امر لا يبشّر باي آفاق. بدر السماوي (خبير في الحماية الاجتماعية) المتقاعدون يعانون بسبب وضعية الصناديق تونس «الشروق» أسماء سحبون يبلغ عدد المتقاعدين حوالي 488744 من مجموع مليون و100 الف منتفع بجراية من صندوقيْ التقاعد والحيطة الاجتماعية والضمان الاجتماعي بحسب الخبير في الحماية الاجتماعية بدر السماوي. وأشار السماوي في حديثه ل"الشروق" أن هناك خلطا لدى الراي العام والاعلام أحيانا بخصوص المتقاعدين والمنتفعين بجراية فالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي لديه حوالي 750 الف منتفع بجراية اكثر من نصفهم متقاعدين ويضم صندوق التقاعد والحيطة الاجتماعية 350 الف منتفع بجراية اغلبهم من المتقاعدين. وأوضح بدر السماوي ان المتقاعدين يعانون اليوم بسبب تدهور وضعية الصناديق الاجتماعية منذ حوالي 20 سنة فصندوق التقاعد والحيطة الاجتماعية بدات ازمته منذ 1993 وبعده بسنوات تسربت الازمة الى صندوق الضمان الاجتماعي ليبلغ عجز أنظمة الجرايات في الصندوقين حوالي الفيْ مليار والحكومة ذاتها متوقعة بلوغ هذا العجز في مشروع قانون المالية. وذكر السماوي ل"الشروق" انه سيتم قريبا النظر في مشروع امر حكومي أعدته وزارة الشؤون الاجتماعية بتعلق بمنح فارق تكميلي للجرايات المسندة من قبل الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ينص فصله الأول على ان يتم الترفيع في الجرايات التي تقل عن نصف الاجر الأدنى المضمون أي تلك التي تقل عن 180 دينارا إذ هناك عدد من المتقاعدين يتقاضون اجورا تقل عن 180 دينارا. وياتي هذا القرار تنفيذا للوعود التي كان قد اطلقها رئيس الحكومة يوسف الشاهد في ديسمبر 2018 للترفيع في بعض جرايات التقاعد الى حد البرنامج الوطني لمساعدة العائلات المعوزة. وسيحال هذا المشروع على المجلس الوطني للحوار الاجتماعي لمناقشته. وأوضح السماوي انه اجراء متأخر ولكنه سيساهم في تحسين وضعية المتقاعدين الذين تقل جراياتهم عن 180 دينارا. كما سيتم أيضا عرض مشروع قانون أساسي على نظر المجلس الوطني للحوار الاجتماعي يتعلق باحداث أرضية وطنية للحماية الاجتماعية تنص على ان تكون هناك التغطية الصحية الشاملة للجميع وتضمن منحة لكبار السن مازالت لم يقع تحديدها بعدُ ولكن، يقول السماوي، اعتبر ان وضع منحة لكبار السن في اطار هذا القانون وفي صورة تقنينها وصدورها تعتبر مكسبا لكبار السن.