أثار التأخّر الحاصل في صرف جرايات التقاعد لشهر أفريل الجاري موجة من الغضب والاستياء لدى المتقاعدين الذين عبّروا عن مخاوفهم من تكرّر الأمر في الأشهر المقبلة، وقد أبدى بعضهم خشية حقيقية من تأزّم الوضع إلى درجة تعجز الصناديق الاجتماعية عن صرف جرايات التقاعد.. ورغم أن الجميع يُدرك حجم الصعوبات التي تواجهها الصناديق منذ سنوات وخاصّة في السنوات الأخيرة إلا أن تأخر صرف الجرايات لهذا الشهر عمّق الهواجس والمخاوف بشأن مصير الصناديق الاجتماعية، ناهيك وأن الحكومة بدأت في اتخاذ بعض الإجراءات للحدّ من انهيارها وإبعاد شبح الإفلاس عنها والتي من أبرزها إقرار المساهمات الاجتماعية التضامنية في قانون المالية الجديد. لكن العجز الهيكلي الذي يعيشه صندوق التقاعد والحيطة الاجتماعية خالصّة لم يعد يسمح بصرف جميع الجرايات بالإضافة إلى زيادة عدد المتقاعدين ب5 % سنويا مقابل تقلّص عدد الناشطين بصفة مستمرّة، هذا دون نسيان الديون المتخلّدة بذمة المؤسسات والمنشآت العمومية والتي لم يتم استخلاصها وكل هذه الإشكالات التي يواجهها الصندوق يتطلّب الإسراع بإقرار الإصلاحات المطلوبة لإنقاذ هذه الصناديق من الإفلاس وإنقاذ الدولة من الانهيار بسبب أزمة تلوح محتملة ومتوقّعة إذ لم تجد جميع الأطراف الحلول في أسرع الآجال. عجز الصناديق إلى أين؟ أكّد رئيس الحكومة يوسف الشاهد خلال ندوة الإصلاحات الكبرى التي نظّمتها الحكومة بداية الشهر الجاري أن الصناديق الاجتماعية ستكون عاجزة عن صرف الجرايات في حال تواصل الأزمة المالية لهذه الصناديق، وعدم التدخل العاجل للقيام بالإصلاحات العاجلة والتي هي أساسا مراجعة السن القانونية للتقاعد وتنويع مصادر التمويل والترفيع في المساهمات والحوكمة والاستخلاص وتعميم التغطية الاجتماعية للقطاع غير المنظم كما أشار رئيس الحكومة أن الدولة توفر كل شهر 100 مليون دينار لتغطية عجز الصناديق الاجتماعية وأنه إذا تواصل الوضع على حاله سنصل إلى مرحلة تكون عاجزة عن صرف جرايات المتقاعدين. وكان المدير العام للضمان الاجتماعي بوزارة الشؤون الاجتماعية، كمال المدوري، قد نبّه في تصريح إعلامي سابق الى خطورة الوضع الذي باتت عليه الصناديق الاجتماعية حيث أكّد أن الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية يستوجب 1046 مليارا لصرف جرايات المتقاعدين، خاصة أمام وجود أكثر من مليون متقاعد وأن ديون الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بلغت 606 مليون دينار في حين بلغت ديون الصندوق الوطني للضمان والحيطة الاجتماعية، ما يناهز 695 مليون دينار، كما بلغت قيمة ديون الكنام لدى الصندوقين ما يناهز 3000 مليار، مضيفا أن هذه الديون المتراكمة يمكن أن تصل إلى 12 ألف مليار في أفق 2030 في صورة عدم تدارك الوضع خاصّة أمام وجود ديون لدى القطاع الخاص بلغت 5000 مليار، منها 1500 غير قابلة للاستخلاص. وكل هذه المعطيات والإحصائيات الرسمية تبرز مدى خطورة وضعية الصناديق الاجتماعية، هذه الخطورة التي باتت واقعا اليوم مع تأخّر صرف جرايات التقاعد وهو ما أكّده أمس الرئيس المدير العام لصندوق التقاعد والحيطة الاجتماعية عماد التركي في تصريح ل«الصباح نيوز» الذي قال انه تم بالأمس استكمال صرف جميع جرايات المتقاعدين بعد أن تم صرف جزء منها بالنسبة لأصحاب الحسابات البريدية، مشيرا إلى أن القيمة المالية للجرايات التي تم صرفها تُقدّر ب299 مليون دينار وبالنسبة لفرضية تواصل إشكالية صرف جرايات المتقاعدين للأشهر القادمة أكّد أن الإشكال يبقى مطروحا على اعتبار الوضعية المالية للصناديق الاجتماعية وأنه طالما لم يتم إصلاح منظومة التقاعد التي من الممكن أن توفّر إيرادات إضافية للصندوق وستساهم في حلّ عجز السيولة، مشيرا إلى كون «النقص الحاصل في السيولة بالصندوق والذي ترتب عنه تأخير في صرف الجرايات كان في حدود 35 مليون دينار». سنّ التقاعد في تصريح ل»الصباح» أكد أمس الأمين العام المساعد باتحاد الشغل عبد الكريم جراد المسؤول على التغطية الاجتماعية والصحية والسلامة المهنية أن مسألة بلوغ مرحلة عدم صرف جرايات التقاعد «مسألة واردة نظريا باعتبار الإمكانيات الحالية للصناديق، وأن هناك صعوبات دفعت إلى اخذ «تسبقات» على مساهمات الوظيفة العمومية وأن الصناديق تحت ضمان الدولة بما يخوّل لها اللجوء إلى الاقتراض من ميزانية الدولة وهو ما يحصل الآن». وأضاف جراد أن هناك حوالي 730 ألف متقاعد من صندوق الضمان الاجتماعي وحوالي 270 ألف متقاعد من صندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية وأن الكتلة المالية لجرايات التقاعد تبلغ شهريا 320 مليون دينار . وبالنسبة لاتحاد الشغل فان المطلوب حسب ما أفادنا به عبد الكريم جراد هو المساهمة الاجتماعية التضامنية التي طالب بها الاتحاد وتم إدراجها في الميزانية الحالية وتنويع مصادر التمويل بالنسبة للصناديق والأهم من كل ذلك الترفيع في سنّ التقاعد، حيث أكّد جراد أن هناك «إلى حدّ الآن توافق بين مختلف الأطراف للترفيع في سنّ التقاعد» وفق تعبيره، مضيفا أنه «إذا تضافرت الجهود فان الإنقاذ ممكن».