أنهى رئيس الحكومة المكلف الشوط الأول من سلسلة مشاوراته ، بعد الالتقاء بالمنظمات الوطنية . وخلافا لما كان متوقعا لم تكن هذه اللقاءات سهلة. ولم تفتح آفاقا كبيرة. بل زادت حالة العسر التي طبعت اللقاءات مع الأحزاب السياسية. تونس (الشروق) رغم المنهج الذي اعتمده الحبيب الجملي في إجراء مشاوراته مع الأحزاب السياسية أولا ثم الاتصال بالمنظمات الوطنية لمحاولة إيجاد أرضية ترافق رؤية الأحزاب. وتمهد للحكومة أسباب النجاح عبر ضمان فكرة العمل المشترك والالتزام الجماعي بإنجاح المسار القادم ، فإن الحصاد لم يكن على قدر المأمول. إذ رفعت الأحزاب سقف اشتراطاتها. وتمسكت ولو نسبيا بكثير من الخطوط التي اعتبرتها ضوابط وضمانات للمشاركة رغم أن بعضها ينفي بعضا . وكان من المأمول أن يشكّل دعم المنظمات مخرجا ناجعا لبعض الصعوبات في الحوار مع الأحزاب. ولكن حصل العكس تماما وازدادت الصعوبة أضعافا . الضغط الاقتصادي والاجتماعي لقاءات الجملي مع المنظمات الوطنية لم تتركز على المشاركة في الحكومة بقدر ما تركزت على صعوبة المرحلة ودقتها على المستوى الاقتصادي والاجتماعي. وفي هذا الصدد أكد أمين عام الاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي أنه قدم جملة من المقترحات للجملي حتى لا تتم إعادة أخطاء الماضي داعيا الأحزاب الى الكف عن التجاذبات والمناكفات، قائلا إنه يتمنى أن يثوبوا إلى رشدهم أمام الوضع الاقتصادي والاجتماعي الدقيق الذي تعيشه البلاد مشدّدا على أن اتحاد الشغل لا يشارك في لجنة البرنامج الحكومي. كما أنه لا يقترح أسماء لتولي وزارات أو مناصب أخرى في الدولة. وغير بعيد عن هذا الموقف دعا رئيس الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية سمير ماجول رئيس الحكومة المكلّف الحبيب الجملي إلى تعيين كفاءات على رأس كافة الوزارات، معتبرا أنّ الأحزاب السياسية تفتقر الى هذه الكفاءات. وشدّد على ضرورة وضع برنامج إنقاذ اقتصادي يتم تطبيقه خلال الخمس سنوات المقبلة، وعدم تغليب المحاصصة. وأكّد عدم التطرق خلال لقائه بالجملي إلى مسألة اللجنة المكلفة بإعداد برنامج وهيكلة الحكومة الجديدة. واعتبر أنّ منظمة الأعراف كانت دائما شريكا في «الدفع للنهوض بالبلاد» وأنّها غالبا ما كانت تتكبّد نتائج أخطاء السياسيين. وذكّر رئيس منظمة الأعراف بالصعوبات التي تواجهها المؤسسات، وفشل الحكومات السابقة في مساعدتها للخروج من أزماتها. أما رئيس الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري عبد المجيد الزار فأكد على أن وزير الفلاحة المقبل يجب أن يُعيّن على أساس الكفاءة وليس في إطار الترضيات السياسية. وإن اتحاد الفلاحة غير معني بالمشاركة في الحكومة القادمة ، مشددا على مبدإ أن لا تمضي تونس على اتفاقية ‹›الأليكا›› إلا بعد تأهيل القطاع الفلاحي ضمانا لمصلحة البلاد. المهمة تزداد عسرا اعتقد حبيب الجملي أن تشريك أكثر ما يمكن من الأطراف المجتمعية في المشاورات قد يفتح له مجال ترطيب الأجواء وغرس بذرة الثقة بينه وبينها. ولكن النتيجة كانت عكس ذلك. إذ زادت المطالب. وفتح كل طرف ملف الصعوبات التي تعنيه في المقام الأول. ودخل بذلك في كثير من التفاصيل التي يفترض أنها مؤجلة الى مواعيد لاحقة حين يتم فتح هذه الملفات. وتنطلق الحكومة في الاشتغال عليها . ووجد رئيس الحكومة المكلف نفسه خلافا لمبتغاه يعسر المهمة أكثر. وصار لزاما عليه تقديم رسائل طمأنة الى هذه الأطراف. بل تقديم توضيحات حول ما اقترحته وإن كان سيلتزم بها علنا. ويضع جدولا زمنيا واضحا لتنفيذها علاوة على كيفية التوفيق بينها خاصة أن بعضها يحمل في طياته بذرة التعارض . التباين يبدو واضحا بين ما تطرحه الأحزاب السياسية من تفكير في التموقع القادم بين الحكومة والمعارضة ومقدار كسب كل طرف على المستوى القريب والبعيد وتأثير ذلك على صورتها وعلى استمراريتها وبين ما تطالب به المنظمات الوطنية من ضرورة الانكباب على معالجة المشكل الاقتصادي والاجتماعي الذي لم يعد يحتمل أكثر. ويفترض أن يكون هو البوصلة التي تحدد الهدف لاي حكومة مهما كانت الحساسيات والاختلاف في الأفكار .وفي التوفيق بين رؤية الأحزاب ورؤية المنظمات يجد رئيس الحكومة المكلف نفسه قد زاد مهمته عسرا. وأصبح الامر يحتاج الى إجراء مشاورات إضافية لمجرد التقريب بين وجهات النظر المتباينة .