مشاورات ولقاءات عديدة جمعت رئيس الحكومة المكلف محمد الحبيب الجملي مع ممثلي الأحزاب والمنظمات وعدد من الشخصيات الوطنية على امتداد أكثر من أسبوع لم تتطرق بعد إلى موضوع تشكيل الحكومة .. الوزير المكلف استمع إلى المقترحات والأفكار، لكنه لم يدخل بعد إلى الزوايا الضيقة والنقاط الساخنة، ولم يلامس الأسلاك الشائكة في انتظار أن تتبلور في ذهنه مجموعة من المعطيات التي تساعده على تشكيل حكومة تنتظرها " شانتيات" بالجملة . الجملي انطلق من خارطة طريق وضعتها له حركة النهضة هي في الواقع برنامجها للمرحلة المقبلة كحزب فائز، وقيدته بوثاق غليظ جاء على لسان كل كوادر الحركة تقريبا بأن لا يشرك قلب تونس في الحكومة، وهو الشريك في مجلس الشعب مهما اختلفت التسميات وتفنن «العرابون» في تفسير وتبرير هذا التحالف الانتخابي تحت القبة . الجملي مبدئيا "شق عصا الطاعة" والتقى بكل الأحزاب بما فيها قلب تونس الذي كان من ضمن فريق لجنة الإعداد لبرنامج مشترك تتفق عليه الأحزاب والمنظمات التي توافق على العمل معا من أجل تونس. الثابت ان الجملي لم يكن مكرها للتشاور مع قلب تونس رغم «لاءات» النهضة وائتلاف الكرامة، بل هو خيار ربما أراد من خلاله تأكيد استقلاليته من ناحيته، ومن ناحية ثانية الحد من شروط بعض الأحزاب للمشاركة في تشكيل الحكومة وبالتالي الحكم لا المعارضة. الجملي بهذا التوجه، كسر حواجز الضيق ليتحرك في ملعب أوسع مما وضعته فيه حركة النهضة والائتلاف ربما باتفاق ضمني وتكتيك مسكوت عنه مع الحركة التي رشحته ليلعب هذا الدور الهام في هذه المرحلة الدقيقة، فسقف الشروط مرتفع ومختلف وغير متقارب بالمرة، والاستجابة إلى بعض هذه المقدمات في التشاور قد تأتي على النهايات في تشكيل حكومة تجمع بين السياسي إرضاء للأحزاب، وبين الكفاءات وتحييد وزارات السيادة إرضاء للهياكل والمنظمات. مهمة الجملي دقيقة وصعبة، ولئن لم يلامس فيها بعد الأسلاك الشائكة مكتفيا بتمرير ما يريد تمريره على استحياء شديد، فإن مسؤولية كل الأحزاب باتت أعسر والخيارات التي ستكون أمامها قد تتضارب مع مطالب وشروط بعضهم والتي بدت مجحفة وقد تنتهي برمي المنديل . رمي المنديل في تقديرنا ليس الانحناء لتوجهات الجملي ورؤيته في تشكيل الحكومة، بل تقديم المصلحة الوطنية على الحسابات الحزبية الضيقة والشروط المجحفة التي سارع البعض في الإفصاح عنها لتشكيل حكومة هي في الواقع نتائج الصندوق الذي وضعنا أمام مشهد فسيفسائي مفتت يستوجب تنازلات من هذا الطرف وذاك.