مازال الحادث الأليم الذي أودى حتى الآن بحياة 29 شابا وشابة كانوا في رحلة سياحية يشدّ اهتمام الرأي العام الوطني... بالنظر الى هول الفاجعة التي ضربت عشرات العائلات التونسية وكذلك بالنظر الى الإصابات الخطيرة التي لحقت ببعض الناجين، ولئن كانت الأسباب الحقيقية والمباشرة لحادث الحافلة الأليم غير معروفة في انتظار استكمال كل الأبحاث والتحقيقات إلا أن ما يمكن التوقف عنده هو تلك الجهود الجبّارة التي بذلها جنود الخفاء في الحماية المدنية والحرس الوطني وعلى مستوى التدخلات الطبية الأولية والتي بقيت حتى الآن بعيدة عن الأضواء... لا بل إن بعض الألسن لم تتردّد في التعرّض لأداء هذه الأسلاك حتى أن متدخلا في أحد التلفزات الخاصة اتهم المسؤولين عن عمليات الإسعاف والإنقاذ بشرب القهوة أثناء العملية وهو ما يجافي الحقيقة بالكامل لعدم وجود مشرب أصلا في الساحة المؤدية الي الطريق السيارة المعقولة بباجة والتي اتخذت مكانا لتنظيم عملية إجلاء جثث الموتى باتجاه مستشفى شارل نيكول. ولتسليط الأضواء على كل تفاصيل العملية من وقوع الحادث الأليم الى إرسال موكب الجثث الى العاصمة كان ل«الشروق» لقاء مطوّل مع العميد مالك ميهوب رئيس المركز الجهوي للحماية المدنية بباجة والذي أشرف على كامل عمليات النجدة والإنقاذ من موقع الحادث الى حين انطلاق موكب سيارات إسعاف الحماية والصحة العمومية حاملة جثث الضحايا الى مستشفى شارل نيكول بالعاصمة. يقول العميد إنه كان بباب مقر الحماية المدنية بباجة بصدد التنسيق مع مجموعة من المتطوعين بشأن عملية أخرى حين أعلمه الحرس الوطني بوقوع الحادث على مستوى الطريق الوطنية 11 الغرفة عين السنوسي على الحدّ الفاصل بين ولايتي باجةوجندوبة وهذه النقطة تبعد تحديدا 35٫5 كلم عن باجة و29 كلم عن مدينة عين دراهم. يضيف العميد: فور إعلامنا في الحادية عشرة وخمسة وأربعين دقيقة انطلقت عملية التدخل وبعد دقيقة فقط (القانون يقضي بخروج النجدة بعد دقيقتين من الاعلام) تمّ توجيه فرقة عين دراهم التي وصلت الموقع بعد 19 دقيقة بالضبط (س 12 و4 دقائق) وكانت متكونة من سيارة إسعاف وسيارة إنقاذ في حين تمّ توجيه 6 سيارات من باجة إثر تفعيل المخطط الأحمر علاوة على تفعيل جزئي للمخطط الجهوي لمجابهة الكوارث والذي يسمح بحشد الامكانات البشرية والمادية بالولاية. فرقة المجاز مركز نفزة مركز الطريق السيارة مع طلب التعزيز من الوحدات المجاورة جندوبة وبوسالم وطبرقة وعين دراهم. وبعد 37 دقيقة وهو وقت قياسي بالنظر الى المسافة المقطوعة وطبيعة المنطقة وطرقاتها كنا على عين المكان. وقد شاركت في عملية إسعاف المرضى وفرز الجثث وتأمين موقع الحادث 21 سيارة إسعاف (حماية مدنية وصحة عمومية) 4 شاحنات إطفاء 2 سيارات إنقاذ 1 سيارة نجدة بالطرقات 1 شاحنة نقل 6 سيارات خفيفة تراكس الى جانب 14 متطوعا وقد وضعنا مخططا لتنظيم تدخلاتنا والقيام بعمليات الإسعاف الأولي للمصابين وإجلاء القتلى وقد أجلينا المصابين الى مستوصف عمدون في مرحلة أولى ثم الى مستشفى باجة. وفي حدود الساعة الواحدة والنصف تمّ نقل جميع المصابين (العملية استغرقت ساعة تقريبا وهو وقت قياسي) الي المستشفيات ونقل الجثث في اتجاه مستشفى شارل نيكول بتعليمات قيادية على متن 13 سيارة إسعاف تابعة للحماية المدنية (4) والصحة العمومية (9). وأكد العميد أن العملية جرت بالكامل تحت إشراف السيد والي باجة (قبل أن يستقيل) كما تولت دوريات أمنية الاشراف على العملية في مدخل الطريق السيارة المعقولة لتقليص الضغط على مستشفيات عمدون وباجة وكل ذلك بالتنسيق مع السيد وزير الداخلية ووزيرة الصحة والمدير العام للحماية المدنية والمدير العام للعمليات المركزية. وقد قضت الخطة بالتجمّع في ذلك المكان لتنظيم موكب السيارات التي ستقل الجثث الى العاصمة والمتكون من 4 سيارات إسعاف تابعة للحماية المدنية وسيارة قيادة تابعة للحماية و9 سيارات إسعاف صحة عمومية تحت إشراف الوالي ومديرين جهويين (باجةوجندوبة) كما قمنا بالتنسيق مع إدارة الطرقات السيّارة لفتح الممر الخاص للموكب ومع الحرس الوطني لتأمين المرافقة الأمنية... هذا في انتظار وصول جثتي مصابين آخرين كانا قد فارقا الحياة في الأثناء. وعند هذه النقطة يفتح العميد قوسا ليعرّج على بعض التصريحات المنفلتة التي لم تراع حجم الجهود الجبارة المبذولة من الحماية والصحة والأمن لتتحدث عن تأخر وصول الاسعافات أو حتى عن التوقف في مدخل الطريق السيارة لاحتساء القهوة، وهو ما لا يصدّقه عقل لأنه لا توجد استراحة بمنطقة المعقولة في مدخل الطريق السيارة ولأن الأسلاك المتدخلة التي كانت تسابق الزمن لإكرام الموتى وإيصال جثثهم الى العاصمة وتجنيب أهاليهم عناء التنقل الى باجة هي أسلاك منضبطة وتتحرّك وفق لوائح مضبوطة ولا تسمح لها عقيدتها ولا نوازع الوطنية والضمير بالانزلاق الى مثل تلك السلوكات. ويختم العميد مداخلته بالتأكيد أن العملية التي تمّت في وقت قياسي جلبت لهم شكر رئيس الدولة أثناء تنقله الى باجة، وهي عملية تندرج بالكامل في إطار واجبهم... وأنهم كانوا ينتظرون كلمات شكر من المواطنين أو على الأقل الامتناع عن توجيه مثل تلك الاتهامات السخيفة والباطلة بالتوقف لشرب القهوة... وفي مكان لا يوجد به أصلا مشرب للقهوة.