قدمت تونس مشروع قرار مشترك مع فرنسا لمجلس الامن الدولي لتنسيق الجهود العالمية لمكافحة الكورونا، بما يشكل أول تحدّ للديبلوماسية التونسية لاسترجاع مكانتها وتعديل بوصلتها. تونس «الشروق» يشكّل مشروع القرار الثنائي مع فرنسا أول امتحان حقيقي للديبلوماسية التونسية في ظل الانتقادات التي طالتها على خلفية الارتباك الذي عرفته إدارة ملف السياسة الخارجية في الأشهر الأخيرة والذي وصفه العارفون بالشأن الديبلوماسي بفقدان تونس لثوابتها وقيمها في إدارة علاقاتها الخارجية ، لتشكّل هذه المبادرة فرصة حقيقية لتعديل المسار واستغلال عضوية تونس غير الدائمة صلب مجلس الأمن الدولي لمدة سنتين (20202021) لإعادة اشعاع مفقود للديبلوماسية التونسية. وتأتي المبادرة التونسية الفرنسية بعد أكثر من شهر من المفاوضات في أروقة مجلس الامن في ظل مشروعين مختلفين لمقاربة الأزمة تقدمت بإحداه تونس نيابة عن الدول العشرة غير دائمة العضوية فيما تقدمت فرنسا ممثلة عن الدول الخمس الكبرى بمشروع آخر قبل التوصل لصيغة مشتركة تدعو لتعزيز التنسيق الدولي لمكافحة الوباء ووقف شامل للنزاعات المسلحة لمدة 30 يوما ، وتتجه الأنظار بعد أسبوع من الآن إلى واشنطن حيث من المنتظر أن تبحث المجموعة الدولية مشروع القرار التونسي الفرنسي في ظل ما تسرّب عن انقسامات بين القوى الكبرى واصرار الصين وروسيا على التعامل مع الملف كأزمة صحية واقتصادية فقط. تكريس التضامن الدولي مثّلت جائحة الكورونا زلزالا صحيا واقتصاديا وقيميا شلّ العالم إلى الحدّ الذي تحدّث فيه منظّرو العولمة عن عصر تشكّل نظام عالمي جديد بما يعبّر عن عمق الأزمة وهو ما يدعو إلى تنسيق دولي للحدّ من ارتداداته ، وهو ما عملت عليه الديبلوماسية التونسية من خلال موقعها صلب مجلس الأمن الدولي وفق تصريح المكلف بالديبلوماسية العامة والاعلام بوراوي الامام ل"الشروق" عبر تقديم مبادرة تترجم دعوة رئيس الجمهورية لتفعيل التضامن الدولي لمجابهة التداعيات الاقتصادية والصحية التي تشكل تهديدا للأمن والسلم الدوليين تضمنت تأكيدا على دور الأممالمتحدة والجهات المانحة في تفعيل التضامن الانساني ودعم النظم الصحية للدول النامية لمجابهة الوباء ودعم مبادرة الأمين العام للأمم المتحدة بوقف النزاعات المسلحة حول العالم لمدة 30 يوما. وأكد الإمام في تصريحه أن تونس أطلقت سلسلة من المشاورات مع الدول الأعضاء لمجلس الأمن الدولي مكنت من حشد دعم 10 دول من مجموع 15 عضوا مشيرا إلى أن المفاوضات مازالت مستمرة بهدف التوصل لتوافق حول صياغة موحدة لمشروع القرار تراعي التوازنات الدولية ودفاع كل طرف عن مصالحه صلب المجلس دفاعا عن رؤية تونس بخصوص تفعيل التضامن الانساني لمجابهة الجائحة . أي حظوظ للمشروع؟ تشكل عضوية تونس غير الدائمة لمجلس الامن الدولي لمدة سنتين تحديا حقيقيا للديبلوماسية التونسية لتعديل بوصلتها واسترجاع مرتكزاتها خاصة إذا ما تمكنت من تجاوز أول امتحاناتها بسلام في حال تبني مجلس الأمن لمبادرتها خصوصا في ظل الأخطاء التي شابت أدائها وفق تصريح وزير الخارجية الأسبق أحمد ونيّس ل"الشروق" الذي اعتبر أن الديبلوماسية التونسية لم تنجح في حشد الدعم اللازم لمشروع القرار المشترك مع فرنسا في ظل عدم توسيع المشاورات مع الدول الكبرى ومعارضة جنوب افريقيا الدولة العضو بالمجلس لمسودة القرار. وشدّد وزير الخارجية الأسبق في تصريحه على أن السياسة الخارجية مرّت بحالة "صدمة حقيقية" بعد جملة من العثرات والقرارات الارتجالية التي تم اتخاذها كطريقة اعفاء وزير الخارجية السابق خميس الجهيناوي واقالة سفير تونس السابق لدى الأممالمتحدة المنصف البعتي وعدم تعيين سفير لتونس بباريس منذ 4 أشهر بما مسّ من مصداقية الديبلوماسية التونسية ، معتبرا في الآن ذاته أن الخطوة التونسية الأخيرة لدى مجلس الأمن قد تساهم في تصحيح مسار السياسة الخارجية لبلادنا وعودتها إلى ثوابتها بتغيير المقاربة والأساليب. و خلص محاورنا في تصريحه إلى أن مشروع القرار التونسي الفرنسي يحظى بكامل الحظوظ للمرور والتصويت عليه بأغلبية مطلقة في ظل الوزن الدولي لفرنسا وحاجة الدول الكبرى إلى تكريس معطى التضامن الدولي في مقارباتهم للجائحة في ظل حالة الركود الاقتصادي وانهيار أسعار النفط والانتقادات الموجهة لنظام العولمة الذي أعطى الأولوية للتسلح على حساب قضايا الانسان بما يضرب صورة أي دولة قد تعارض مبدأ التضامن الانساني الذي يرتكز عليه مشروع هذا القرار. حدود القرار من ناحيته اعتبر أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة التونسية عبد المجيد العبدلي في تصريح لصحيفتنا أن مشروع القرار سليم من الناحيتين القانونية والإجرائية ويحمل بعدا نبيلا يكرس انخراطا دوليا في جهود مكافحة الكورونا لكنه يبقى غير قابل للتطبيق لعدة اعتبارات أولها مواجهة العالم لعدو خفي لا يملك آليات واضحة لمحاربته غير قواعد الوقاية، وثانيها انحسار دور المنظمات وتراجعها نتيجة الأزمة الحالية واختيار كل دولة الانغلاق على نفسها وهو ما تجسّد في وقف الولاياتالمتحدة لتمويلها لمنظمة الصحة العالمية ومعارضة الاتحاد الاوروبي لتمويل ايطاليا واسبانيا نتيجة أزمة الثقة التي تعصف بوحدته ، إضافة إلى الدور السياسي لمجلس الأمن الدولي الذي لا يملك سلطة قرار تفرض على المؤسسات المانحة كالبنك العالمي وصندوق النقد الدولي تأجيل دفع الدول المتضررة لديونها المستحقة لهما أو حتى فرض توجه تضامني على الدول الأعضاء بالمنتظم الأممي نحو اقراض البلدان المتضررة أو مساعدتها اقتصاديا باعتبار ان المسألة سيادية بالأساس وميثاق مجلس الأمن يمنع على هذا الهيكل التدخل في الشؤون الداخلية للدول بما يطرح إشكالا حقيقيا في علاقة بتجسيد هذا القرار فعليا.