تتواصل هرولة دول عربية نحو التطبيع مع الكيان الصيهوني وبعد دولة الإمارات التي طبّعت تتجه دول خليجية أخرى في طليعتها سلطة عمان والسودان إلى التطبيع الرسمي مع الكيان بما أن علاقات السلطنة مع إسرائيل قديمة والاتصالات قائمة منذ فترة طويلة. الغريب أن هذه الدول وهي تتخذ هذه الخطوات بمحض إرادتها ولحسابات خاصة بها لا علاقة لها بالقضية الفلسطينية ولا بالحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني سرعان ما تختفي وراء شماعة «تشجيع اسرائيل» على السير في نهج السلام من خلال التطبيع معها. وكأنما كان الكيان الصهيوني لا يعرف طريق السلام أو أنه قد عمي عنها ويحتاج الدول الخليجية لتعيده إلى طريق السلام أو تأخذه إلى مربّع الاعتراف بالقرارات الأممية وبالحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني.. وفي طليعتها حقه في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف. والغريب كذلك أن هذه الدول تتخذ قرارها وتجري اتصالاتها في كنف السرية ولا تنسق من قريب أو من بعيد مع القيادة الفلسطينية ثم تعود لتغلف قراراتها الانفرادية بشعار خدمة «القضية الفلسطينية».. متناسية انها بذلك تكون قد ارتكبت خطيئة مضاعفة. خطيئة أولى متمثلة في توجيه طعنة في الظهر إلى الأشقاء الفلسطينيين وإلى قضيتهم العادلة وإلى حقوقهم الوطنية المشروعة من خلال إعطاء عدوهم وعدوّ العرب جميعا هدية مجانية متمثلة في الاعتراف به والتطبيع معه قبل حصول أشقائنا الفلسطينيين على حقوقهم وقبل قيام دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.. وخطيئة ثانية ممثلة في إرسال إشارة خاطئة إلى الكيان الصهيوني مفادها أن تحصيل التطبيع مع العرب ممكن دون ارجاع الأرض والحقوق الفلسطينية إلى أصحابها الشرعيين.. فلماذا سوف يكون لزاما عليه أن يدفع الثمن ويعيد الحقوق إلى إصحابها مادام بإمكانه الحصول على التطبيع مع العرب وعلى الأراضي الفلسطينية في نفس الوقت. لقد سعت دولة الامارات إلى تغليف أقدامها على اعطاء هدية التطبيع للكيان الصهيوني ولنتنياهو الذي أطلق الاستيطان في الضفة الغربية وضم القدس الشرقية والجولان العربي السوري المحتل بامتناع إسرائيل حاليا عن ضم المستوطنات الصهيونية في الضفة الغربية... ومع ان هذا القرار مؤقت واتخذ صهيونيا لذرّ الرماد في العيون ولتسهيل ابتلاع «قرص التطبيع» عربيا... ومع ان المسؤولين الصهاينة والأمريكان يصرّحون ويصرخون بأنه اجراء مؤقت وبأن الضمّ قادم لا محالة فإن الجميع يتناسون بأن المستوطنات غير شرعية وبأن ضمها يكون غير شرعي بما أنه قائم على غطرسة القوة وعلى سياسة الأمر الواقع.. وبالتالي يكون العرب قد كافؤوا الصهاينة على رفضهم لقرارات الشرعية الدولية التي تعترف بالضفة الغربيةوالقدس الشرقية كاملة ضمن الأراضي المحتلة التي يجب على الصهاينة اخلاؤها كمقدمة لقيام دولة فلسطينية مستقلة وإقامة سلام دائم وعادل وشامل وفق منطوق القرار 242. وفوق كل هذا فإن أهل مكة أدرى بشعابها والقيادة الفلسيطينية والشعب الفلسطيني هما الأدرى بالمصلحة الفلسطينية وبما يخدم القضية وما يعرقلها.. وبما يلجم الكيان الصهيوني وما يشجعه على التمادي في نهج الغطرسة وتجاهل الحقوق الفلسطينية المشروعة. وما الأصوات الفلسطينية المنددة التي ما انفكت تندد هذه الأيام بخطوات التطبيع العربية مع الكيان الصهيوني إلا صرخات في وجه هذه الهرولة العربية نحو التطبيع.. هرولة تعد هدايا مجانية للصهاينة وطعنات في القلب لأشقائنا وقدسنا ولقضية كانت وستبقى قضية العرب الأولى.. ولو كره المهرولون إلى التطبيع. عبد الحميد الرياحي