ما يسمى «صفقة القرن» أو بالأحرى خدعة القرن بدايتها نصب ونهايتها احتيال.. بدأت بعملية نصب أعطى بموجبها (مرة أخرى) من لا يملك إلى من لا يستحق.. عندما اعترف ترامب بالقدس عاصمة للكيان ونقل إليها سفارة بلاده لتكريس سياسة الأمر الواقع.. وكذلك عندما أطلق كذبة صفقة القرن التي سيعطي بموجبها حليفه الكيان الصهيوني كل الأرض الفلسطينية على دفعات ومعها «عسل» السلام والتطبيع مع المحيط العربي. خدعة القرن انتهت كذلك إلى عملية احتيال جديرة بأكبر اللصوص الذين عرفهم التاريخ البشري.. فقد دعت الإدارة الأمريكية إلى مؤتمر اقتصادي بالعاصمة البحرينية المنامة لتدارس امكانيات رفد سلام لم يأت بمشاريع اقتصادية يكون ريعها طبعا للجانبين الصهيوني والأمريكي. وبذلك يغرق الصهاينة والأمريكان في «عسل» السلام ولا يبقى للفلسطينيين وللعرب أجمعين غير الغرق في بحور الأوهام. المؤتمر الذي سبقه ضجيج كبير ومهّدت له إدارة ترومب بضغوط لا تقوى عليها الجبال افتتحه ذلك الفتى الغرّ صهر الرئيس ترامب (جاريد كوشنير) الذي بالكاد يعرف أين تقع فلسطين المحتلّة ولا يعرف حتى الأرض العربية برمتها بخطبة «عصماء» ألقاها على طريقة بهلوان في حفلة تنكرية دعا فيها الفلسطينيين إلى أن يغمضوا عيونهم ويجمدوا عقولهم وينسوا تاريخهم وحقوقهم الوطنية وأن يسرحوا معه بخيالهم في أنهار العسل المصفى التي ستفجرها معاول التطبيع في الضفة الغربية وغزة.. خطبة أوردها تحت عنوان «تخيّلوا».. وقد استفزتنا للابحار معه في رحلة خيالية طالما أن إدارة ترومب أعلنت إفلاسها الكامل ولم يعد أمامها غير بيع الأوهام.. فقد قال الرجل: تخيّلوا كيف سيتغيّر وجه الضفة والقطاع حين يدور فيها دولاب المشاريع الاقتصادية. تخيّلوا كيف ستغرقون في بحار العسل وكيف ستنقلب ظروفكم رأسا على عقب عندما تصبحون «مواطنين صالحين» يقبلون بالتخلي عن الأرض والعرض والهوية والكرامة. واستلهاما من هذا المنطق الكوشنيري المغمّس بالغطرسة «الترومبية» فإننا سندعو الفلسطينيين بالقول: تخيّلوا ان الحل السياسي جاء. تخيّلوا أنكم حصلتم على دولة فلسطينية حدودها من النهر إلى البحر وعاصمتها القدس الشريف. تخيّلوا أنكم تخلّصتم من أغلال الصهاينة ومن قهر الاحتلال. تخيّلوا أن كل المستوطنات الصهيونية قد أزيلت أو تحولت الى سكن لأبناء المنافي والشتات. تخيّلوا أنكم أصبحتم أسيادا على أرضكم. تخيّلوا أن محكمة الجنايات الدولية قد فتحت كل الملفات وأحالت القتلة الصهاينة على القضاء بتهم الإبادة الجماعية من مجازر دير ياسين إلى صبرا وشاتيلا إلى عدوان غزّة مرورا بملفات كل القادة والمقاومين والمواطنين الذين سقطوا. تخيّلوا أن الصهاينة ومن ورائهم أمريكا والغرب يتدافعون على أبوابكم طلبا للاعتذار عن جرائمهم التاريخية في حقكم. دعوة واحدة لم ينطق بها كوشنير ومفادها: تخيّلوا انكم حصلتم على دولة حرة مستقلة.. لكن شرقي نهر الأردن كما تقول بذلك نظرية «الوطن البديل» التي يعمل عليها الصهاينة بِدأبٍ وبلا كلل... أيها الأشقاء أنصحكم لا تفتحوا عيونكم بعد كلام كوشنير، فقد تجدون أنفسكم في الأردن !!