مبادرات متعدّدة ومصالحات متنوّعة وائتلافات معقّدة كلّها باسم الوطن، ولكن وكما يقول الشاعر معروف الرصافي «لا يَخدعَنكَ هُتاف القومِ بالوَطَنِ، فالقومُ في السرِّ غير القومِ في العَلَن». في بلد تحاصره كلّ الآفات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية ويقترب- إن لم يصل أصلا- الى الانهيار، لاتزال المعارك السياسية العبثية والمصالح الضّيقة المقيتة هي العنوان الرئيسي في المشهد الفوضوي. هذا المشهد المتأزّم على مدى السنوات الماضية، زادت من حدّته أزمة الكورونا التي عوض أن يتوحّد الجميع لصدّها كما تستدعيه روح المسؤولية الوطنية والسياسية، راح كلّ يغنّي على مصالحه الخاصّة. طوال عشر سنوات من «التغيير المجيد»، يأبى الساسة في بلادنا الخروج من دائرة ضيّقة اسمها الغنيمة والاستفراد بالسّلطة مهما كلّف الثمن ودون أي منطق أو برنامج حقيقي للحكم ولنهضة البلاد. هناك مشكل سياسي حقيقي اليوم يرفض السياسيون جميعا الخروج من جلبابه ويمثّل السبب المباشر لكل ما حدث ويحدث، وهو أنّهم يبنون وجودهم على نظرية كيف تفوز بالحكم؟ وليس كيف تحكم وكيف تقود؟. ماذا فعل الفائزون بالحكم منذ 2011؟ هل أرسوا دولة فاعلة لها هيبة ووجود حقيقي؟ هل أوجدوا اقتصادا يقارع الأزمات؟ أم أنّهم أوصلوها فقط الى الخراب ويريدون حكم الخراب نفسه. من الوهم اليوم الاعتقاد بأن طرفا وحيدا قادرا على تخليص البلاد من محنها وأزماتها، بل على العكس تماما تقتضي المرحلة لحمة وطنيّة تنتفي من خلالها كل الخلافات والضغائن والحسابات الضيّقة. لقد وصلنا اليوم الى مرحلة حرجة، مرحلة اقتربنا فيها من انفجار اجتماعي غير مسبوق ومن وضع مالي (9 مليار دينار عجر الميزانية) خطير يهدّد كيان الدولة ومن أصعب ما يمكن أن تعيشه أي دولة. ولذلك وعوض أن تكون هناك مبادرات ومصالحات من كل حدب وصوب وجلّها في اطار معارك سياسية سابقة لأوانها، يكفي أن تكون هناك مبادرة ومصالحة وطنية حقيقية بإرادة صادقة. هناك عقلاء اليوم كاتحاد الشغل وعديد المنظمات الوطنية الأخرى يمكنها أن ترعى وتقود مصالحة وطنية حقيقية بعيدة عن الحسابات السياسية الضيقة للأحزاب ولصراعات رؤوس السلط الثلاث. لم يعد أمامنا اليوم إلا الحوار الشامل والجلوس الى طاولة واحدة نجري حولها عملية تقييم دقيقة للوضع الذي وصل حدّا لم يعد من الممكن السقوط تحته ويجب انعاشه قبل فوات الأوان على الجميع. إن الارادة الصادقة والمسؤولية الوطنية هي المخلّص الوحيد عندما تواجه الدول خطرا يهدد كيانها وأمنها واستقرارها...فإما أن ننجو معا أو أن نغرق جميعا في الفوضى والخراب لا قدّر الله. بدرالدّين السّيّاري