بخطى سريعة، تسير الجارة ليبيا نحو مرحلة جديدة تطوي مرحلة الاقتتال والتطاحن الذي ساد البلاد منذ 2011 وتفتح صفحة جديدة من الوئام والاستقرار عبر اجراء مصالحة وطنية شاملة. لا شكّ أن الإطار العام لاتفاق فرقاء ليبيا جاء بقرار وبإرادة دولية هي نفسها التي تسبّبت في هذا الوضع منذ البداية، أي منذ اطاحة حلف «الناتو» بنظام العقيد الراحل معمّر القذافي. وما يقع على عاتق حكومة الدبيبة والليبيين ككل الآن هو استثمار هذه الارادة الدولية داخليا من أجل توحيد الصّف وعدم منح فرصة أخرى للقوى المتكالبة على نهب ثروات الشعب الليبي. فبالإضافة إلى ملفّين شائكين أمام حكومة الدبيبة وهما اخراج المرتزقة والقوات الأجنبية وحل الميليشيات وتوحيد المؤسسة الأمنية والعسكرية، يعتبر ملفّ المصالحة الوطنية من أكبر العقبات أمام السلطة الجديدة. وكان لافتا أن الصراع الليبي وداخله الصراع القبلي الذي تفجّر بعد 2011 ساهمت في إذكائه أياد خارجية سعت بكل جهد الى تقسيم البلاد الى ثلاثة أقاليم (برقة، طرابلس، فزّان) لتسهيل اقتسامها وسيطرتها على ثروات البلاد. الجديد الآن أن المجلس الرئاسي الليبي أعلن عن تأسيس مفوضية للمصالحة الوطنية، ودعا كافة القوى السياسية إلى الانخراط في مسارات المصالحة الوطنية، التي ستنهي بالتأكيد مظاهر الانقسام وتسهّل عملية توحيد المؤسسات. والأكثر من ذلك أن المصالحة الوطنية هي البوابة الرئيسية لحل الميليشيات المسلّحة التي لا تزال أكبر عقبة في البلاد والتي تحظى بدعم قبلي باعتبار أن العصبية القبلية لا تزال تحكم بقوّة في ليبيا. كما أنها أيضا ستكون أرضية خصبة للتسريع في إرساء الهيئات والمؤسسات الدستورية التي ستسهر على تأمين إجراء انتخابات عامة تشريعية ورئاسية نهاية هذا العام. يبقى الاشارة الى أن المصالحة الوطنية في ليبيا وحتى تكون مصالحة حقيقية شاملة، لا يجب أن تشمل الجانب السياسي فقط بل يجب أن تكون مصالحة حضارية وثقافية وتنموية عميقة تؤسس لمرحلة جديدة عادلة بين كل الليبيين. بشكل عام تشير كل المؤشرات في ليبيا الى أن الامور تمضي على نحو مشجّع وبسرعة قياسية منذ الإعلان يوم 5 فيفري الماضي في جينيف عن اتفاق فرقاء ليبيا وانتخاب عبدالحميد الدبيبة رئيسا للحكومة ومحمد المنفي رئيسا للمجلس الرئاسي. على الجهة المقابلة ورغم قرابة عشر سنوات من الانتقال الديمقراطي العسير لا تزال تونس غارقة في أزماتها السياسية والاقتصادية لا بل وتزداد أزماتها استفحالا يوما بعد اليوم. الى مدى غير بعيد كانت تونس هي المثال الذي يسعى الليبيون الى الوصول اليه، لكن يبدو أن المعادلة قد تغيّرت الآن، واذا واصل الليبيون السير بخطى ثابتة نحو الاستقرار الحقيقي فإنها ستصبح بالتأكيد مثالا حقيقيا لتونس. بدرالدّين السّيّاري