الطقس برد والقطط تتخبّى في محرّك سيارتك...ردّ بالك!    الليلة جو شتوي: رعد ومطر متفرقة والثلوج ممكنة فجراً    انفجار بالونات يحرق عروسين في ليلة الزفاف    برمجية خبيثة جديدة تضرب أندرويد: شنوا الحكاية ؟!    مفاجأة في مكان حفل زواج رونالدو وجورجينا    عاجل: كانك تخدم في السعودية...قواعد جديدة في اللّبسة داخل مكان العمل    عاجل: 90خطة جديدة في انتظار القيّمين: سجّل قبل ما يفوتك !    الإطاحة ب"زرقة" مروع ركاب الحافلات الصينية رقم 33 بعد توثيق جرائمه بكاميرا المراقبة    الكاف: يوم إعلامي حول الهندسة الطبية الحيوية    علاش بكات إلهام شاهين في مهرجان شرم الشيخ    الملعب التونسي: انهاء العلاقة التعاقدية مع المدرب شكري الخطوي    كأس أمم إفريقيا: الكاف يزف بشرى سارة للمنتخب الوطني    حلق الوادي تحتضن بطولة العالم للمواي تاي    النجم الساحلي: 10 أيام راحة للفريق.. والإدارة تقوم بفك الإرتباط مع أحد اللاعبين    البنك الدولي: تعزيز الحماية الإجتماعية رافعة لدعم تعافي الإقتصاد في تونس    دراسة علمية : شوف شنوا يصيرلك كان تعدي جمعة بلاش فايسبوك و لا انستغرام ؟    ارتفاع عدد وفيات فيروس ماربورغ في إثيوبيا    الدورة الثانية لصالون الفلاحة والماء والري والطاقات المتجددة بالاقليم الخامس من 31 مارس الى 4 أفريل 2026 بولاية مدنين    مشروع اصلاح شهادتي الماجستير والإجازة: جامعة التعليم العالي تدعو إلى التريث والانفتاح على الهياكل البيداغوجية    جندوبة: مساع لاحداث منطقة سياحية بأولاد هلال في معتمدية عين دراهم    قبلي: تنظيم يوم تحسيسي حول نظام المبادر الذاتي بدار الشباب بمعتمدية سوق الاحد    قابس: الاعداد للانطلاق في استغلال القريتين الحرفيتين بقابس المدينة والمطوية    يوم تحسيسي حول " أهمية التغذية السليمة في الوقاية من مرض السكري " بوكالة التهذيب والتجديد العمراني بتونس العاصمة    وزارة الصناعة تدعو هؤلاء إلى إيداع دراسة إزالة التلوث قبل موفى 2025    العاصمة: إيداع شاب السجن بعد طعنه عون أمن ومواطناً داخل مركز أمني    سوريا: انفجار يهزّ ريف إدلب    نابل: انطلاق موسم الزراعات الكبرى وسط تشكيات من انعدام توفر البذور) فيديو)    ميزانية الدولة 2026: الزيادة في نفقات مهمة التشغيل والتكوين المهني ب 5 بالمائة    وزارة الأسرة تنظم دورة تكوينية لفائدة رؤساء مصالح كبار السنّ حول حوكمة التصرف في التمويل العمومي    قبل رأس العام: مصنّعوا المرطّبات في تونس يُعانون من فقدان البوفريوة    إرشاد المستهلك تقترح زيت الزيتون بين6 و 9 و10 دينارات للمستهلك التونسي    بعد نشر صواريخ يابانية.. الصين تتوعد بسحق أي تدخل أجنبي في تايوان    "حظر الأسلحة الكيميائية" تجدد عضوية الجزائر في مجلسها التنفيذي ممثلة لإفريقيا    دكتور للتونسيين: هاو كيفاش تعرف روحك مريض بالوسواس القهري    حذاري: 4 مأكولات تخفي سموم كان عاودت سخنتها في ''الميكرووند''    للتوانسة : شنية الشروط الى لازم تتوفر فيك بش تجيب كرهبة مالخارج ؟    يتزعمها مصنف خطير معروف بكنية " dabadoo" : تفكيك امبراطورية ترويج المخدرات في سيدي حسين    نبوءة مثيرة للجدل تعود للواجهة!.. هل اقترب "اليوم الأخير للعالم"؟    وثيقة وقعها بوتين: سنجعل 95 % من سكان أوكرانيا روسًا    تعليمات رئاسية عاجلة: تطبيق القانون فورًا لرفع الفضلات بالشارع    بطولة المنامة (2) للتنس للتحدي - عزيز واقع يخرج من الدور السادس عشر على يد الالماني ماكسيليان هومبيرغ    مباريات نار اليوم في دوري أبطال أوروبا..شوف شكون ضد شكون!    Titre    عاجل: تونس في كاس العرب ...هذه القنوات المجانية للنقل التلفزي    عاجل: هذه آخر مُستجدات وفاة المحامية أسماء مباركي    البنك الأفريقي للتنمية يُموّل مشروع تعصير شبكة مياه الشرب وتقويتها في تونس الكبرى بقيمة 111.5 مليون أورو    أشغال تهيئة في مسرح أوذنة الأثري    في مهرجان القاهرة السينمائي .. .. عفاف بن محمود أحسن ممثلة    اليونسكو تطلق مشروعا جديدا لدعم دور الثقافة في التنمية المستدامة في تونس بقيمة 1.5 مليون دولار    تصدر الترند: مسلسل "ورد وشوكولاتة" يثير جدلا كبيرا: هل غيّر المسلسل قصة مقتل الإعلامية شيماء جمال..؟    بيونة في ذمة الله: الوداع الأخير للممثلة الجزائرية    "سينيماد" تظاهرة جديدة في تونس تقدم لعشاق السينما أحدث الأفلام العالمية    عاجل: هذا موعد ميلاد هلال شهر رجب وأول أيامه فلكياً    جائزة عربية مرموقة للفاضل الجعايبي في 2025    مخاطر الانحراف بالفتوى    في ندوة «الشروق الفكرية» «الفتوى في التاريخ الإسلامي بين الاجتهاد والتأويل»    الفتاوى الشاذة والهجوم على صحيح البخاري    اليوم السبت فاتح الشهر الهجري الجديد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مجموعة "ركون الروح " لهادي الخضراوي (2 / 3).. قصائد مشحونة بالتأويل !
نشر في الشروق يوم 10 - 04 - 2021

نشرنا امس الجزء الاول من هذه الدراسة وقد طرح فيه يوسف عبد العاطي سؤال هل نحن أمام أو وسط حلقة دائرية، تُعيدنا دومًا إلى البدايات الممكنة؟ أم إنّ الشّاعر اختار استهلال قصائده بفاتحة النّهاية؟ وقال : "...و مهما ستكون طبيعة الأجوبة عن هذه الأسئلة، فالأكيد أنّ المقطع الشّعري حمل شُحنة كبيرة من الاغراء و التّشويق لمُتابعة بقيّة القصائد الّتي تراوح طولها، بين الأربع صفحات و الصّفحة الواحدة رغم أنّ أغلبها يتطلّب التّمحيص مع إعادة القراءة لعمق تحمله في بنائها ومقاصدها..."ونواصل اليوم نشر الجزء الثاني :
و حتّى يتوقّف القارئ بنفسه على صحّة هذه الاستنتاجات، أرى أنّه من المفيد تقديم المقطع الأوّل و الّذي وشّح هو نفسه الغلاف الأخيرللكتاب محاولًا البحث عن الخيط الرّابط بينه و بين المقطع الأخير من نفس القصيدة، متحوّلًا بعد ذلك إلى مقارنة كلّ ذلك مع المقطع الأوّل والأخير من آخر قصيدة في المجموعة. و حسبي في كلّ ذلك تقديم صورة أوضح و دقيقة حول أسلوب الكتابة الابداعية لدى هادي الخضراوي دون الادّعاء بأنّها الأسلم و الأشمل.
ففي الغلاف الأخير و وسط الأزرق الّذي غطّى الورقة، نُقش بالأبيض هذا المقطع:
( من البدء كان يقيني عميقا
بأنّ اليقين هنا لن يكون كما أبتغي
و كانت رياح المرافئ
تُقلّب حِمل المراكب ما رغبت
فتقرعُ ضوضاءُ تأويلها السمْتَ في صَلفِ
و كلُّ الأصابع كانت تشير إلى المُعتم
و تُقسم أنّ جميع نجوم المدينة
سريعا ستهوي على ثُقبها الأسودِ
ابن تيمية كان و أتباعه بجهد جهيد
يسدّون أبواب أسوارها
لردع جيوش التتار
فلم يمنع الغلق زحف الغزاةِ
بقدر ما خَنقَ الأهلَ في الداخلِ...) ( ص : 5/ 6)
و نلاحظ من خلال هذا المقطع التّوظيف المعرفي الّذي استغلّه الكاتب في شعره. حيث نجده يُحيل القارئ على ابن تيمية و التتار و الغزاة أيضًا. و هو الأمر الذي يمنح القارئ فُرصَ استنتاجات و تأويل متعدّدة المشارب لهذا المقطع وكامل القصيدة، بل كلّ أشعار المجموعة ربّما.
و حتّى تكتمل الصّورة بطريقة أوضح في ذهن القارئ، أقدّم له المقطع الأخير من نفس القصيدة و الّذي استدعى له الشّاعرُ الفيلسوف نيتشة، حيث قال:
( كما كان نيتشة يروح و يأتي بمطرقةٍ
يحطّم ما رُسّخ من نقوشٍ
فيكسر نقشا و يعجز عن كسر ألفِ
كذلك كانت حياتي
على الضفّة القاسية
من العالم الجارف المُزبد) ( ص : 8)
و أشير إلى أنّ الشّاعر استدعى أيضًا في نفس القصيدة الرسّام السوريالي رينيه ماغريت ، و هو الأمر الّذي يؤكّد لنا إصرار الشّاعرعلى توظيف المعرفة في صياغة نصوصه الشّعرية و هو أمر يتطلّب من القارئ أيضًا درجة محترمة من الثّقافة العامّة لذلك ذكرت سابقًا أنّ الشّاعر اختار التوجّه بإبداعه إلى قارئ نوعي و هو حُرٌّ في ذلك.
و قبل الحديث عن أوّل و آخر مقطع في القصيدة الأخيرة من الكتاب سأحاول التّوقّف عند نصّ الإهداء الّذي جاء ليُخبرنا عن موقف الكاتب من فترة زمنية محترمة في حياته، حيث أهدى أشعار مجموعته بأسلوب المسكون بواجب التّحفّظ الديبلوماسي حيث قال:
( إلى تلك التي أعطتني أربعين سنة ممّا يعدّ الزّمن أي
أربعين ألف باقة ممّا تعدّ المحبّة.) ( ص : 3)
و رغم الشّاعرية الّتي غلّفت عبارات الإهداء، شعرت أنّ الكاتب لم يتخلّص من واجب التّحفّظ و ربّما الخجل، حتّى يُصرّح علانية باسمالحبيبة التي طوّقته بباقات المحبّة. و أشير إلى أنّني أركّز في حديثي عن العمق البلاغي و الشّاعري دون
انتظار للجانب الإخباري الذي يبقى من خصوصيات الشّاعر دون غيره حتّى و إن كان المقصود هو القارئ نفسه.
و أرى أنّ التّركيز على فترة الأربعين سنةً كان له الأثر البالغ في توجيه ذائقة تقبّل أشعار المجموعة. حيث يحملنا التّأويل الأوّل إلى تنزيل شدو الشّاعر مع باقات المحبّة الّتي أدركها بعد بلوغه سنّ النّبوّة. و هي نافذة الاستنتاج الّتي منحها للقارئ نصّ الإهداء.
و في قراءة أوّلية، أشعر أنّ تجميع بعض تفسيرات عتبات المجموعة، انطلاقًا من العنوان و ألوان الغلاف إلى جانب نصّ الإهداء ووصولًا إلى مقطع الاستهلال الّذي زوَّقَ في نفس الوقت آخر صفحة من الكتاب في محاولة لمزج البداية بالنّهاية، أو هكذا فهمت الأمر، لذلك أكاد أجزم أنّ كلّ هذه العوامل تصبّ في شدّ انتباه القارئ إلى الأشعار و دفعه إلى المشاركة في بلورة الاستنتاجات الأنسب لمقاصد هذه النّصوص الإبداعية، بعد بلوغه سنّ النّبوّة من باقات المحبّة. و مواصلة لنفس هذا المنهج التّأويلي في قراءة القصائد، أرى أنّه من المفيد التّوقّف برويّة المندهش و الباحث عن مفاتيح الولوج إلى الفهم،عند المقطع الأوّل و الأخير في القصيدة الأخيرة من الدّيوان داعيًا الجميع إلى التقاط الاستنتاجات الأنسب لرسم ملامح الكتابة الأدبية لدى هادي الخضراوي و هو الهدف الأسمى لهذه القراءة لأنّ تذوّق الأشعار لا يمكن أن يحصل إلّا بمطالعة القصائد كاملة. حملت القصيدة الأخيرة عنوان « برهان حياة » مقدّمة للقارئ إثباتًا إضافيًا على مزج البداية بالنّهاية بما أنّ القصيد الأوّل حمل عنوان « كذلك كانت حياتي » و اختير لوضعه كاستهلال و خاتمة للأشعار. و الأكيد أنّ المقارنة بين العناوين و مقاطع البداية و النّهاية لهاأكثر من دلالة في توضيح ملامح الكتابة الشعرية في هذه المجموعة، بل ربّما تساهم هذه المقارنات في الفهم الأسلم للأشعار.
ينطلق شدو قصيدة « برهان حياة » بهذا المقطع:
( منتصف الليل
قلبي ينزل من الطابق العلوي
أسمعُ دويّ عكازه
أنتظره كل ليلة في الأسفل و ينزل متأخّرا
عَسُر السير عليه منذ أن الْتَوَت رجلاه
في ساحة اليمام
يومَ نقرت الفتنة اليافعة شغافه) ( ص : 112)
و يلاحظ معي القارئ من خلال هذا المقطع اعتماد الشّاعر على الوصف و الإخبار مع استغلال مُحكم لفنّيات الكتابة الرّكحية و السّينمائيةو هو الأمر الذي يُوفّر للقارئ أجنحة إضافية للتّحليق مع الصّور و الرّموز المضمّنة في الأشعار.
أمّا المقطع الأخير في هذه القصيدة فقد جاء قطعيًا في أحكامه و معبّرًا بصورة عملية عن بلوغ الشّاعر حكمة سنّ النّبوءة، حيث شعرت أنّ هذا المقطع جاء ليُعطينا منافذ جديدة لتأويل المقطع الأوّل في المجموعة مع تقديم معاني استثنائية لمفهوم البدايات و النّهايات في الأشعار.
يقول المقطع الأخير في قصيدة « برهان حياة » :
( أيّها المجروح بالريش
دع عنك مقاضاة الصُدف
ليس في الأمر عذاب و لا اكتواء
بل برهان حياة زاد عن سعة الروح
فناء بحمله العزم) ( ص :113)
و نلاحظ من خلال كلّ المقاطع الشّعرية المختارة نزوع هادي الخضراوي إلى الأحكام القطعية و الجازمة سواء تعلّق الأمر بالوصف أوالرّأي، فهل يعود السّبب إلى بلوغه سنّ الأربعين من باقات المحبّة أم إنّ الأمر يعود فقط إلى ضرورات شعرية و بلاغية حتّمتها صياغةالقصائد؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.