يفترض أن تعم السلوكات السوية في شهر رمضان اكثر من اي فترة اخرى ولكن المعاملات الاقتصادية تفلت من هذا التوقع بسبب تكاثر عمليات الغش في اسواقنا. ولعل هذا التناقض الواضح يطرح على شكل سؤال عن اسباب هذه الظاهرة. اول جهة قد تفيدنا في هذا الاتجاه هي المراقبة الاقتصادية التي تبرز انواع ومجالات الغش. مراقبة فبعد خمسة ايام من حلول هذا الشهر تم تسجيل 2114 مخالفة منها 571 للترفيع في الاسعار و629 لعدم الاستظهار بالفاتورة و557 لعدم اشهار الاسعار و22 للامتناع عن البيع و208 لعدم مطابقة الات الوزن والكيل للمواصفات. وسجلت كل هذه المحاضر في جل القطاعات تقريبا ففي الجزارة وقع ضبط 11 حالة ذبح خفية وفي بيع الخضر والغلال 990 والمواد الغذائية العامة 271 حالة و292 في الدواجن والبيض واخيرا في الاسماك 108 حالة واللحوم 310 مخالفة. دور المستهلك وتمس كل هذه المخالفات بشكل مباشر الحاجيات الاساسية للمستهلكين ذوي الشهوات الكثيرة، ولكن منظمة الدفاع عن المستهلك كثفت حملاتها ايضا وذلك من خلال تصريحات السيد رضا الغربي عضو المكتب الجهوي بتونس.يظهر «الغش بكثرة رغم ما في هذا الشهر من تقوى ويرجع ذلك ربما الى دور الدخلاء على القطاعات التجارية في تفاقم الغش بما ان الاغلبية يطلبون اجازات من اعمالهم ليتفرغوا للتجارة في هذا الشهر بما انه مناسبة لجمع الاموال وتغطية مصاريف العيد». ولكن المستهلك ايضا وحسب مصدرنا طبعا يتحمل قسطا كبيرا من المسؤولية بما انه يقع تحت تأثير حالات الهستيريا الشرائية التي من شأنها أن تفتح شهية التجار الى تحقيق مزيد الارباح باي طريقة سواء كانت شرعية او غير شرعية. فللمواطن الحق ان يحتج على طريقة الوزن او الامتناع عن الشراء بما أن الحملات رغم كثرتها لن تستطيع القضاء على هذه الممارسات. رأي علم الاجتماع يرى الاستاذ الحبيب الهمامي عالم الاجتماع ان هذه الظاهرة تعبير عن ازمة اخلاقية تظهر في شهر رمضان رغم عدم اقتصارها عليه، بما ان المعاملات التجارية تزيد مع تغيّر نوع الحرفاء الذي كان مقتصرا على فئة معينة من الناس. ويقول الاستاذ الهمامي ايضا ان اي ممارسة تدخل في السلوك اليومي تتحول الى جانب نمطي في السلوك الذي قد يصعب تغيير فيما بعد، كما يمكن ايضا فهمها في اطار الاقبال على كل المحظورات في فترات عادة ما تفرض نوعا محددا من السلوك المتسم بالورع والتقوى ولكن هذا قد يعتبر ايضا امرا عاديا اذا اقتنعنا ان مرحلة دمج الدين بالاقتصاد مازالت بعيدة بعض الشيء نظرا لعدم وجود حلقة ربط بينهما في ذهن المواطن التونسي سواء كان تاجرا او مستهلكا نظرا لأن عادة «التقشف» مازالت لم تترسّخ بعد، وهو ما يظهر الجانب الاناني في المستهلك الذي يفضل تحمّل الاضرار على الظهور بمظهر غير القادر على الشراء مقابل اصرار التاجر على عدم التنازل بما انه يرى ان اقصر طريق للربح هو الغش.