18 فاصل 4 بالمائة هي نسبة البطالة المعلنة منذ يومين في تونس بعد أن كانت في حدود 17 فاصل 8 بالمائة في الثلاثي الأول من العام الجاري و17 فاصل 9 بالمائة في الثلاثي الثاني. نسبة ما انفكت ترتفع من يوم لآخر وأصبحت تمثل خطرا حقيقيا جاثما على صدور ما يقارب 800 ألف تونسي ممن بلغوا سنّ الشغل القانونية ولم يعثروا إلى حد الآن على شغل يحفظ كرامتهم ومورد رزق يقيهم خطر الجوع وألم الحرمان.. لا خطر على الشعوب يضاهي خطر البطالة، وهو ما لم تنتبه إليه الحكومات المتعاقبة والأحزاب والطبقة السياسية التي تداولت على الحكم طوال الأعوام الماضية، ولم تجتهد للحدّ منه والتوقي من مخلفاته. فقد كان همها الوحيد خدمة مصالحها الضيقة وحساباتها السياسية والحزبية وفي المقابل تجاهلت كل ما من شأنه أن يساعد الناس على توفير موارد الرزق ومصادر القوت بعد أن ضمنت لنفسها والأقربين مصادر استرزاق مختلفة بكل الطرق المتاحة. لم يعمل أي من حكام المرحلة الماضية على تحريك عجلة التنمية والاستثمار لتوفير مواطن الشغل للعاطلين ولا على توفير الحوافز والتشجيعات والتسهيلات المالية والإدارية اللازمة لبعث موارد رزق خاصة.. وأكثر من ذلك، كان القرار الذي قصم ظهور العاطلين وهو منع الانتداب بالوظيفة العمومية فضلا عن التعقيدات البيروقراطية والبنكية التي يواجهها إلى اليوم كل من يطمح لبعث مشروع أو الاستثمار في مجال ما. وما يزيد من حدة المخاوف والاحتقان لدى فئة العاطلين هو تواصل غياب مؤشرات وبوادر الخروج من وضعهم القاتم. فلا عجلة الاقتصاد تحركت ولا الاستثمارات ارتفعت ولا سياسات الدولة للتشجيع على الاستثمار الخاص تغيرت ولا باب الانتداب في الوظيفة العمومية فُتح.. وتزداد المعاناة في ظل تواصل غلق المؤسسات وفي ظل وضع معيشي صعب جراء ارتفاع الأسعار والذي لم يقدر على مجابهته أصحاب الشغل القار وموارد الرزق القائمة. بإمكان الدولة تجاهل مختلف المؤشرات والأرقام الاقتصادية الأخرى او تأجيل معالجتها إلى حين، أما مؤشرات البطالة فلا تقبل التاجيل أو المماطلة. فالبطالة طريق إلى الفقر والجوع وإلى الشعور بالحرمان والظلم والغبن، وهي "عود الثقاب" القادر على إشعال الثورات والهاب الاحتقان الاجتماعي والغضب الشعبي.. وهي من يفتح كل أبواب المخاطر الأخرى على مصراعيها داخل المجتمع على غرار الانحراف والجريمة والإرهاب والفساد والهجرة غير الشرعية والأمراض النفسية والجسدية.. لا خيار اليوم أمام منظومة الحكم الجديدة غير الانتباه لخطر الارتفاع المتواصل لنسبة البطالة والعمل على وقف النزيف وما قد يتبعه من مخاطر أخرى قد يُحركها الشعور بالجوع والفقر والحرمان والاحساس بالقهر والظلم.. ويكفي لذلك بذل مزيد من جهود تطوير الاستثمار الداخلي والخارجي لتوفير مواطن شغل إضافية، والتفكير في حوافز جديدة وتشجيعات للراغبين في بعث مشاريع خاصة في مختلف المجالات وفسح المجال أمام استثمار العاطلين في الأراضي الفلاحية الدولية وبذل جهود مع بعض الدول لتحريك الهجرة المنظمة.. أما إذا تواصل الحال على ما هو عليه فإن العواقب ستكون خطيرة.. فاضل الطياشي