يختلف المؤرخون كثيرا حول الظروف التي أحاطت بهجوم نبوخذ نصر على مملكة يهودا وسبي اليهود الذين سيقوا مقيدين إلى بابل، أما الأساطير اليهودية حول هذه الحادثة فلا تكاد تتفق على أحداث حقيقية واضحة تثير اهتمام المؤرخين وكل ما يوجد هي روايات تتناقض فيما بينها. ويمكن العثور على روايات كثيرة في الكتب العربية حول نكبة اليهود تتفق كلها على أن بني إسرائيل قد كثرت فيهم الذنوب والمعاصي فأرسل الله عليهم «سنحاريب» ملك بابل لغزوهم. لكن نبيهم دعا الله فأنجاهم تلك المرة دون أن يتوبوا. وبعد مدة من الزمن ظهر «نبوخذ نصر» الذي يسميه العرب «بخت نصر» ملك بابل وداهم بيت المقدس بجيش مثل الجراد. وتبعا للروائية القرآنية فإن هذه النكبة تأتي في إطار الآية الكريمة : {وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا، فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا} ا(لآية 4 من سورة الإسراء). وتفسير هذه الآية لدى المسلمين أن الله أرسل بخت نصر على بني إسرائيل فأهلك ثلثهم وأبقى الثلث في الشام وأخذ الثلث المتبقي سبيا معه إلى بابل. وفي مختلف الروايات والأساطير فقد خرب بخت نصر بيت المقدس تماما وأمر جيشه بردم معالمها بالتراب بعد أن غنم ما فيها. وتتراوح الروايات بين 40 ألف و100 ألف أسير منهم خيرة بني إسرائيل من الصالحين والعلماء. وتكاد هذه الرواية تتفق مع ما جمعه المؤرخون حول هذه الحادثة والتي حدثت في بداية القرن السادس قبل الميلاد، ذلك أن المؤرخين تمكنوا بدقة من تحديد عدة أحداث منها تنصيب نبوخذ نصر أو بخت نصر على مملكة بابل عام 605 قبل الميلاد ووفاته عام 562 قبل الميلاد. وأيا كانت الظروف التي قادت إلى تلك الحادثة فإن اليهود الذين يعتبرون أنفسهم شعب الله المختار وأصل التوحيد والديانات السماوية ومركز الكون قد ذهلوا بذلك العقاب الإلهي ليس بتخريب بيت المقدس فقط بل خصوصا بالسبي الذي صنع فيما بعد جزءا هاما من ثقافتهم ومعتقداتهم، إذ بدا لهم أن العقاب الإلهي قد قضى بتشتيتهم في الأرض بلا مقر ولا دولة حتى يأتي أمر الله ثانية، بل إن بعض علمائهم حرم عليهم إقامة دولة قبل أن يأتيهم أمر الله. وأنتج اليهود في حالة الشتات ثقافة معقدة حول علاقتهم بمدينة بابل تتراوح بين الإعجاب بها والكره إلى حد الحقد والتآمر الأبدي عليها. ذهل اليهود السبايا بعظمة المدينة وتقدمها الكبير حتى أن عددا كبيرا منهم اعتنق ديانتها ولغتها وانصهر في نمط عيشها. غير أن المشاعر الأكثر شيوعا لديهم هي كره مدينة بابل وأرض العراق وجعلها نموذجا لكل ما هو سيء وكافر وتوعدها بالانتقام والتخريب كما خربت مملكة يهودا، فهل تكون الأخبار المتواترة حول سعادة اليهود بتخريب العراق ومسارعتهم لنهب تراثه الكوني تعبيرا عن هذا الحقد الذي نشأ منذ 25 قرنا ؟