بقيمة 2802 مليار من الصادرات: قطاع الجلود والأحذية في أسواق إيطاليا وفرنسا وألمانيا    عاجل: الذبابة المتوسطية تهدد المحاصيل ووزارة الفلاحة تحذر    اكتشاف جين نادر يضاعف إنتاج القمح 3 مرات... التفاصيل    مصر.. اكتشاف تمثال ونفق يقرب العلماء من مقبرة الملكة كليوباترا    بوسالم .. وفاة استاذة جامعية إثر سقوطها من الطابق الثاني بعمارة    في افتتاح تظاهرة «عين المحبة» في موسمها الثاني...تكريم المطربة القديرة «سلاف»    مهرجان «الرمّان» بالقلعة الصغرى ..أنشطة رياضية صحيّة، ندوات علمية تاريخية وسهرات موسيقية    عاجل: مفتي الجمهورية: الخميس 23 أكتوبر أول أيام شهر جمادى الأولى 1447 ه    التركيز في عصر الألعاب: ماذا يحدث لأدمغتنا أمام الشاشات؟    عاجل/ وفاة عون أمن في حادث مرور..    الخميس.. مفتتح شهر جمادى الأولى    عاجل/ شملت 25 متّهما: قرار قاضي التحقيق في قضية ضبط 400 كلغ "زطلة" بميناء سوسة    أهالي قابس بصوت واحد ..أنقذوا ما تبقّى من حياة فينا    المؤتمر الثامن للطب العام والعائلي: مقاربات طيبة ونفسية واجتماعية للتهرم المتزايد للسكان في تونس    المنستير: انطلاق أشغال مشروع بناء دار الثقافة بقصرهلال بكلفة 4 ملايين و879 ألف دينار    اجتماع وزاري تونسي ليبي للتباحث حول واقع وآفاق التعاون الاقتصادي والتجاري المشترك    الوضعية المهنية والاجتماعية الهشة لأعوان وإطارات هيئة مكافحة الفساد السابقة محور لقاء بين رئيس البرلمان وممثلات عن الهيئة    المهدية: انطلاق موسم جني الزيتون يوم 4 نوفمبر القادم وتقديرات بإنتاج 140 ألف طن    الحمامات تستضيف الملتقى الجهوي الأول للموسيقى بنابل في دورة تحمل اسم الفنان رشيد يدعس    مقتل 14 شخصاً وإصابة العشرات في حادث قطارفي إثيوبيا    عاجل: نجم تونس حنّبعل المجبري في دائرة الاتهام بسبب تصرّف غريب!    عاجل/ ترامب: حلفاءنا يرحّبون بالذهاب الى غزّة والقضاء على "ح.م.اس"    إسرائيل تسلم جثامين 15 فلسطينيا من قطاع غزة    القصرين: عملية بيولوجية جديدة لمكافحة الحشرة القرمزية    14 عملا مسرحيا في المسابقة الرسمية لمهرجان مواسم الإبداع في دورته الثالثة    أبطال أوروبا: برنامج مواجهات الليلة من الجولة الثالثة    ما حقيقة دهس مواطن بسيارة أمنية في قابس؟.. مصدر أمني يكشف #خبر_عاجل    الليغا: ريال مدريد يعترض على إقامة مباراة برشلونة وفياريال في ميامي    تحضيرا لتصفيات مونديال كرة السلة 2027: المنتخب التونسي يخوض 4 مباريات ودية بتركيا    كيفاش تحافظ على زيت الزيتونة ويقعد معاك مدة طويلة؟    عاجل : دراسة صادمة... لحوم البقر والأسماك تسبب أعراض الاكتئاب    بن عروس: الشروع في تأمين عيادات في اختصاص جراحة العظام بالمراكز الوسيطة بالجهة    عاجل/ من أجل هذه التهم: هذا ما قرره القضاء في حق عدد من أعضاء المكتب التنفيذي السابق لنقابة قوات الأمن الداخلي..    تأمينات البنك الوطني الفلاحي: رقم الأعمال يزيد ب9،8 بالمائة ويبلغ 136 مليون دينار موفى سبتمبر 2025    عاجل/ رابطة حقوق الانسان تدعو لفتح تحقيق "حول التجاوزات الأمنية التي رافقت احتجاجات قابس"    تاريخ السرقات في متحف اللوفر: من الموناليزا إلى سطو مجوهرات التاج (1911–2025)    بمناسبة الذكرى 77 لتأسيسها: الخطوط التونسية تطلق عروضا استثنائية لمدة 77 ساعة    قابس: تنفيذ الاضراب العام الجهوي مع تواصل العمل ببعض القطاعات الحيوية    البطولة العربية للجيدو للاكابر بالعراق: تونس تتوج بذهبية مسابقة الفرق للسيدات    تونس تشارك بثلاثة لاعبين في بطولة العالم للكرة الحديدية المقيدة لاقل من 18 و23 عاما    النائب محمد زياد الماهر: يجب معالجة المديونية المجحفة للدول النامية    طقس اليوم: الحرارة تصل إلى 34 درجة وأمطار ضعيفة بأقصى الشمال    عاجل: حضّروا كلّ الوثائق...التسجيل للباك يبدأ غدوة    الهاني: استغربنا من الزيادة في الأجور في مشروع قانون المالية    الرابطة الأولى: تشكيلة النادي الإفريقي في مواجهة الإتحاد المنستيري    عاجل: ساركوزي يتوجّه الى السجن ويحمل في يده 3 أشياء...ماهي؟    عاجل: نجاح الإضراب العام في قابس بنسبة 100%    تونس تتألّق في الصين: 7 ميداليات في بطولة العالم للووشو كونغ فو    لقاء ترامب وبوتين المرتقب "يتعثر"    ساناي تاكايشي أول امرأة في تاريخ اليابان على رأس الحكومة    أصداء التربية بولاية سليانة .. مهرجان circuit théâtre    مواطنة من أمريكا تعلن إسلامها اليوم بمكتب مفتي الجمهورية!    عاجل: اصطدام بين المترو رقم 3 و5 .. إصابات وحالة هلع!    طقس اليوم: سحب أحيانا كثيفة بهذه المناطق مع أمطار متفرقة    دراسة علمية تربط بين تربية القطط وارتفاع مستوى التعاطف والحنان لدى النساء    التوأمة الرقمية: إعادة تشكيل الذات والهوية في زمن التحول الرقمي وإحتضار العقل العربي    عاجل: الكاتب التونسي عمر الجملي يفوز بجائزة كتارا للرواية العربية 2025    لطفي بوشناق في رمضان 2026...التوانسة بإنتظاره    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مدرسة الصوم: رمضان شهر التوبة
نشر في الشروق يوم 18 - 06 - 2005

* بقلم : د. أحمد البارودي (تونس)
من مظاهر رحمة اللّه بعباده أن فتح لهم باب التوبة ليثوب المسيء إلى رشده ويقلع العاصي عن ذنبه ويستيقظ الغافل من غفلته فيفد الجميع إلى رحاب اللّه والحسرة تملأ قلوبهم على ما فرّطوا في جنب الله عازمين على ترك ما دأبوا عليه من شرور وآثام ونبذ ما ألفوه من فسوق ومنكرات مصرين على قطع الصلة بكل ما يشين الأخلاق ويدنّس العرض ويغضب الرب يدفعهم إيمان قوي إلى تزكية نفوسهم وتطهيرها من أوضار الحياة.
عند ذلك يجدون ربا رحيما ومولى كريما يقبل توبتهم ويمحو زلّتهم ويعفو عن سيئاتهم {وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويغفر عن السيئات} (1) ويراد بالقبول هنا (ماوعد اللّه به من غفران الذنوب الماضية قبل التوبة).
يقول الغزالي في شأن قبول التوبة «فمن توهم أن التوبة تصح ولا تقبل كمن توهم أن الشمس تطلع والظلام لا يزول وأن الثوب يغسل والوسخ لا يزول» وليس النطق بلفظ «تبت» أو «استغفرت» يحقق معنى التوبة ويزيل أثر المعصية يقول الغزالي «نعم قد يقول باللسان تبت فيكون ذلك كقول القصار بلسانه قد غسلت التوبة وذلك لا ينظّف الثوب أصلا ما لم يغير صفة الثوب باستعمال ما يضاد الوصف المتمكن به فهذا حال امتناع أصل التوبة» وإذا كان المرء بطبعه كثير الخطأ كما جاء في الحديث الشريف «كل ابن آدم خطإوخير الخطائين التوّابون» ميالا إلى إرضاء غرائزه متجذبا إلى التوبة شهواته بحكم أنه بشر تتنازعه قوى الخير والشر فيخلط عملا صالحا وآخر سيئا فإنه مطالب شرعا بأن يتعجل التوبة إثر كل ذنب اقترفه ويكثر من الاستغفار كلما ذكره عساه يحظى بالفلاح ويفوز بالمغفرة {وتوبوا إلى اللّه جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون}.
لأنّه لا يدري متى يحين أجله ويتصرّم عمره فتضيع فرصته ويود لو أن الموت يمهله قليلا لتدارك ما فاته وتعويض ما ضاع منه ولسان حاله يردد {رب لولا أخّرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين} ولكن أنى لهذه الفرصة أن تتاح. ولهذا الطلب أن يتحقق عند ما يجيء أجله {ولن يؤخر اللّه نفسا إذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون} فالمبادرة إلى التوبة خير ضمان لمحو الذنوب ونيل المغفرة {إنما التوبة على اللّه للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان اللّه عليما حكيما} وليس المقصود بالجهالة في الآية عدم المعرفة وإنما المقصود بها الظلم وسوء المعاملة يقول عمرو بن كلثوم : «ألا لا يجهلن أحد علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا» وأبواب التوبة مفتّحة في كل وقت وحين يلجها المسلم متى خلصت منه النية وصح العزم كما أنها لا تحتاج إلى سلطة من أيّ كان ولا ترتبط بمكان دون آخر قال صلى اللّه عليه وسلم «إنّ اللّه تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها».
إلا أن التراخي فيها يجعل النفس تألف الذنوب ويغشى القلب رين بتراكمها يحجبه عن الهداية قال صلى اللّه عليه وسلّم «إنّ المؤمن إذا أذنب كانت نكتة سوداء في قلبه فإن تاب ونزع واستغفر صقل قلبه وإن زاد زادت حتى يعلو قلبه ذاك الرين الذي ذكره الله عز وجل في القرآن.
{كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون}
رمضان يعين على التوبة
ودواعي التوبة في رمضان أقوى وتنفيذها فيه أيسر والاستجابة لها أسرع لأنه شهر تكثر فيه الطاعات والعبادات ففي أيامه يمسك الصائمون عن الطعام والشراب وكل ما يغذي شهوة النفس ويزيد في حدّة الغرائز فيه يعفّون ألسنتهم عن ذكر معايب الناس ويغضون أبصارهم عن مواطن الريبة تطبيقا لعبادة الصوم واحتراما لأدابه التي لخصها جابر بن عبد اللّه رضي اللّه عنه بقوله «إذا صمت فليصم لسانك وسمعك وبصرك وإلا فما صمت» وبينها الحديث الشريف «وإذا كان صوم يوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم» وفي لياليه المباركة يهرع المصلون إلى المساجد يستمعون آيات اللّه تتلى عليهم فتزيدهم خشوعا وإيمانا وفيه تكثف المحاضرات والمسامرات الدينية شارحة للناس طرق الهداية ومبينة لهم كيفية أدائها على الوجه الصحيح وهي لعمري قربات تشد المسلم إلى ربّه وتذكره بما عنده {وما عند اللّه خير وأبقى} كما أنها تقي من المعاصي إن مورست بصدق وإخلاص كما تفيد ذلك نصوص كثيرة منها قوله تعالى {إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر} والقرب من الله يقابل بضعفه يقول صلى اللّه عليه وسلّم فيما يرويه عن ربه «وإن تقرّب إليّ بشبر تقرّبت إليه ذراعا وإن تقرّب إليّ ذراعا تقرّبت منه باعا وإن أتاني يمشي أتيته هرولة» والتوبة المطلوبة من المسلم هي التي تستجيب لشروط ثلاثة سبق التمهيد لها وهي :
1 الندم على ما اقترف من ذنب وما اجترح من سوء ففي الحديث الشريف «الندم توبة» لأن في الندم كرها لتلك المآثم وتطهيرا للنفس من شوائبها وطلب الصفح عنها بكثرة الاستغفار والإنابة إلى اللّه وتقديم العمل الصالح أنى كان نوع هذا العمل فقد كان صلى اللّه عليه وسلّم يستغفر في اليوم أكثر من سبعين مرّة وهو المبرأ من الذنوب «واللّه إني لأستغفر اللّه وأتوب في اليوم أكثر من سبعين مرة».
وفي رواية مسلم مائة مرّة روي عن الحسن رضي اللّه عنه قوله «التوبة النصوح أن تبغض الذنب كما أحببته وتستغفر منه إذا ذكرته»
2 الإقلاع عنها في الحين : لأن في ذلك دلالة على الشعور بفظاعة ما ارتكب من سوء وعدم الرضا بما حصل من خطايا إبان جموح الشهوة وغلبة الهوى يقول اللّه تعالى {والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا اللّه فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا اللّه ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون}.
3 التصميم على هجرها وعدم العودة إليها أبدا كما لايعود اللبن إلى الضرع فهذه التوبة النصوح المطلوبة من المؤمنين والكفيلة بتكفير الذنوب ونيل الثواب {يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى اللّه توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفّر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار}. أما إذا كان الاعتداء يتعلق بحق إنسان مهما كانت منزلته فلا بد من رفعه عنه إن أمكن وإلا فبالتحلل منه وكثرة الذنوب وعظمها لا تصرف عن التوبة ولا تبعث على القنوط ما لم يكن شركا. {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لاتقنطوا من رحمة اللّه إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم}.
ففي الحديث القدسي «يا ابن آدم إنّك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك ولا أبالي، يا بن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم إنّك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة» ولا يفسدها ما قد يقع بعدها من خطإ فإنها تتجدد إثر كل معصية مع التقيد بشروطها وأمدها ينتهي عند النزع قال صلى اللّه عليه وسلم «إنّ الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر»
لأن شأن فاعلها في هذا الوقت شأن الكافر الذي مات على كفره فلن يُقبل منه عدد ولا صرف {إن الذين ماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء ا لأرض ذهبا ولو افتدى به أولئك لهم عذاب أليم وما لهم من ناصرين} وكيف تقبل توبة من فوّت على نفسه فرصة النجاة.
وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني ترتبت ا لآن ولا الذين يموتون وهم كفار، أو عند قيام الساعة كما تدل عليه عبارة «حتى تطلع الشمس من مغربها» في الحديث الآنف الذكر والمولى سبحانه يحب التوابين ويفرح بأوبتهم إليه {إنّ الله يحب التوابين ويحب المتطهرين} وفرحه بتوبة عبده يتجاوز فرح من وجد ضالته بعد عناء وطول بحث»لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم سقط على بعيره وقد أضله في أرض فلاة» وفرحه بهم وحبه لهم يعنيان رضاه عنهم وقبوله توبتهم وعملهم الصالح وإبدال سيئاتهم حسنات {إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل اللّه سيئاتهم حسنات وكان اللّه غفورا رحيما} فالمؤمنون بتوبتهم الخالصة كأن لم يذنبوا كما صرّح بذلك الحديث الشريف «التائب من الذنب كمن لا ذنب له».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.