لاليغا الاسبانية.. برشلونة ينتصر على أتلتيكومدريد ويحافظ على الصدارة    القبض على 3 أشخاص ينتمون إلى شبكة لترويج المخدرات وهذا حجم المحجوزات..    عاجل: هذا موعد الفحوصات الطبية الإجبارية لحجيج مكفولي التونسيين بالخارج    صادراتها 9 مليارات و تشغل 160 ألف عامل ..مؤسسات نسيج وملابس تتنافس في تظاهرة اقتصادية    مساهمته عالية في الناتج القومي العالمي في السنوات القادمة ...الاقتصاد الرقمي...الفرصة الكبرى لتونس    البطولة العربية للكرة الطائرة ..المنتخب ... بطل العرب !    في علاقة بملف الشهيدين بلعيد والبراهمي...العكرمي مجددا أمام دائرة الإرهاب    انتخاب المديرة العامة للخطوط التونسيّة نائبة أولى لرئيس اتحاد شركات الطيران الإفريقي    تفتتح بفيلم «فلسطين 36» ..تفاصيل الدورة 36 لأيام قرطاج السينمائية    كأس العرب.. التعادل يحسم مواجهة الكويت ومصر    ترامب: كان يجب أن أحصل على جائزة نوبل مقابل كل حرب أنهيتها    قابس: الجهة تتصدّر ترتيب الولايات في حملات التلقيح ضدّ داء الكلب بتلقيح 96.5 بالمائة من الحيوانات المستهدفة    الفيلمان التونسيان "زريعة إبليس" و"صمت الراعي" في الدورة السابعة من المهرجان الدولي للفيلم والفن الإفريقي والكاريبي    الليلة: اجواء باردة وأمطار غزيرة بهذه المناطق..    دورة اتحاد شمال افريقيا لمنتخبات السيدات(تحت 20 عاما): المنتخب التونسي يفوز على نظيره الجزائري 2-1 وينهي المسابقة في المركز الثالث    كأس العرب : فوز المغرب على جزر القمر 3 - 1    تراجع مخزون السدود يُعمّق أزمة المياه في ولاية نابل    وزيرة المالية: الدولة في حاجة إلى مواردها الجبائية والعفو المتكرر يهدّد العدالة الجبائية    عاجل/ قضية "انستالينغو": رفض جميع مطالب الافراج وتأخير جلسة الاستئناف الى هذا الموعد    عاجل: البرلمان صادق على إعفاء التوانسة والمؤسسات اللي عليهم ديون بالبنك التونسي للتضامن    بين توجه الدول الاجتماعي واكراهات المالية العمومية ... هل الإعفاء هو الحل ؟    حدث فلكي أخّاذ في ليل الخميس المقبل..    الجيش الألماني يتعرّض للسّرقة!!..#خبر_عاجل    مجموعة تركية تعتزم الاستثمار في زيت الزيتون التونسي..#خبر_عاجل    العرب قطر 2025: المنتخبان السوداني والجزائري يستهلان مشوارهما غدا الاربعاء    ديمومة الفساد... استمرار الفساد    شنوا يصير في بدنك كان تزيد القرنفل للتاي في الشّتاء؟    موش الشوكولا برك.. أكلات ترجّع نفسيتك لاباس    هدايا قد تقتل الهرمونات! تحذير عاجل للآباء حول لعب الأطفال    السجن مدى الحياة لملاكم مصري أنهى حياة ابنته    لكلّ تونسي: كيفاش تستغلّ ''تيك توك'' للتسويق وتحقيق الربح؟    صفاقس: بدء استغلال المركز الصحي الجديد بالخوالة وانطلاق أول عيادة طبية    نحو ارساء منظومة إسترسال ملائمة لنشاط الزربية والنسيج اليدوي في تونس    عاجل - كأس العرب: شوف مباريات اليوم و القنوات الناقلة    عاجل: مدينة العلوم بتونس تكشف موعد ''رمضان'' فلكيّا    اكتشاف الطفرة الجينية المسؤولة عن الإصابة بالأمراض العقلية..    عاجل/ هذا ما كشفته التحقيقات في حريق شركة النقل بساحل..    المنستير تستعد لاحتضان الدورة 29 لمهرجان خليفة السطنبولي للمسرح من 6 إلى 13 ديسمبر الجاري    منوبة: تركيز فضاء للمطالعة الرقمية بالمكتبة العمومية بطبربة    بدأ العد التنازلي..هذا موعد شهر رمضان فلكيا..#خبر_عاجل    هل يُعدّ بنك تونس العربي الدولي أفضل بنك في تونس؟    نسبة الفائدة تنخفض الى أدنى مستوى منذ 2023!    الدورة 36 لأيام قرطاج السينمائية تكشف عن قائمة المسابقات الرسمية لسنة 2025    بطولة إسبانيا: رايو فاليكانو يتعادل مع فالنسيا 1-1    البريد التونسي يصدر سلسلة طوابع جديدة تحت عنوان "نباتات من تونس"    وزارة الصحة تبحث شراكة دوليّة لتحسين رعاية مرضى الهيموفيليا    فرنسا: منزل الرئيس الأسبق هولاند يتعرض للسرقة... التفاصيل    "رويترز": ترامب أمهل مادورو حتى الجمعة ليغادر البلاد وفرض الحظر الجوي بعد رفض الأخير    وزارة الثقافة تنعى صاحب دار سحر للنشر الأستاذ محمد صالح الرصّاع    نيجيريا: استقالة وزير الدفاع بعد موجة من عمليات الخطف    كارثة الفيضانات في إندونيسيا: مقتل 613 ونزوح مليون شخصا    "لا نريد أحدا منهم".. وزيرة الأمن الداخلي الأمريكية تقترح حظر سفر كامل على بعض الدول    أيام قرطاج السنيمائية الدورة 36.. الكشف عن قائمة المسابقة الرسمية للأفلام الوثائقية الطويلة    بنزرت: مكتبة صوتية لفائدة ضعيفي وفاقدي البصر    أولا وأخيرا..«حابسة وتمركي»    طقس الليلة ...بارد و ممطر    ابدأ الامتحانات بثقة: دعاء يحفظ المعلومات في عقلك وذاكرتك    الفروض التأليفية 2025-2026: التواريخ الرسمية لإنجاز وإصلاح الفروض    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مدرسة الصوم: رمضان شهر التوبة
نشر في الشروق يوم 18 - 06 - 2005

* بقلم : د. أحمد البارودي (تونس)
من مظاهر رحمة اللّه بعباده أن فتح لهم باب التوبة ليثوب المسيء إلى رشده ويقلع العاصي عن ذنبه ويستيقظ الغافل من غفلته فيفد الجميع إلى رحاب اللّه والحسرة تملأ قلوبهم على ما فرّطوا في جنب الله عازمين على ترك ما دأبوا عليه من شرور وآثام ونبذ ما ألفوه من فسوق ومنكرات مصرين على قطع الصلة بكل ما يشين الأخلاق ويدنّس العرض ويغضب الرب يدفعهم إيمان قوي إلى تزكية نفوسهم وتطهيرها من أوضار الحياة.
عند ذلك يجدون ربا رحيما ومولى كريما يقبل توبتهم ويمحو زلّتهم ويعفو عن سيئاتهم {وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويغفر عن السيئات} (1) ويراد بالقبول هنا (ماوعد اللّه به من غفران الذنوب الماضية قبل التوبة).
يقول الغزالي في شأن قبول التوبة «فمن توهم أن التوبة تصح ولا تقبل كمن توهم أن الشمس تطلع والظلام لا يزول وأن الثوب يغسل والوسخ لا يزول» وليس النطق بلفظ «تبت» أو «استغفرت» يحقق معنى التوبة ويزيل أثر المعصية يقول الغزالي «نعم قد يقول باللسان تبت فيكون ذلك كقول القصار بلسانه قد غسلت التوبة وذلك لا ينظّف الثوب أصلا ما لم يغير صفة الثوب باستعمال ما يضاد الوصف المتمكن به فهذا حال امتناع أصل التوبة» وإذا كان المرء بطبعه كثير الخطأ كما جاء في الحديث الشريف «كل ابن آدم خطإوخير الخطائين التوّابون» ميالا إلى إرضاء غرائزه متجذبا إلى التوبة شهواته بحكم أنه بشر تتنازعه قوى الخير والشر فيخلط عملا صالحا وآخر سيئا فإنه مطالب شرعا بأن يتعجل التوبة إثر كل ذنب اقترفه ويكثر من الاستغفار كلما ذكره عساه يحظى بالفلاح ويفوز بالمغفرة {وتوبوا إلى اللّه جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون}.
لأنّه لا يدري متى يحين أجله ويتصرّم عمره فتضيع فرصته ويود لو أن الموت يمهله قليلا لتدارك ما فاته وتعويض ما ضاع منه ولسان حاله يردد {رب لولا أخّرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين} ولكن أنى لهذه الفرصة أن تتاح. ولهذا الطلب أن يتحقق عند ما يجيء أجله {ولن يؤخر اللّه نفسا إذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون} فالمبادرة إلى التوبة خير ضمان لمحو الذنوب ونيل المغفرة {إنما التوبة على اللّه للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان اللّه عليما حكيما} وليس المقصود بالجهالة في الآية عدم المعرفة وإنما المقصود بها الظلم وسوء المعاملة يقول عمرو بن كلثوم : «ألا لا يجهلن أحد علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا» وأبواب التوبة مفتّحة في كل وقت وحين يلجها المسلم متى خلصت منه النية وصح العزم كما أنها لا تحتاج إلى سلطة من أيّ كان ولا ترتبط بمكان دون آخر قال صلى اللّه عليه وسلم «إنّ اللّه تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها».
إلا أن التراخي فيها يجعل النفس تألف الذنوب ويغشى القلب رين بتراكمها يحجبه عن الهداية قال صلى اللّه عليه وسلّم «إنّ المؤمن إذا أذنب كانت نكتة سوداء في قلبه فإن تاب ونزع واستغفر صقل قلبه وإن زاد زادت حتى يعلو قلبه ذاك الرين الذي ذكره الله عز وجل في القرآن.
{كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون}
رمضان يعين على التوبة
ودواعي التوبة في رمضان أقوى وتنفيذها فيه أيسر والاستجابة لها أسرع لأنه شهر تكثر فيه الطاعات والعبادات ففي أيامه يمسك الصائمون عن الطعام والشراب وكل ما يغذي شهوة النفس ويزيد في حدّة الغرائز فيه يعفّون ألسنتهم عن ذكر معايب الناس ويغضون أبصارهم عن مواطن الريبة تطبيقا لعبادة الصوم واحتراما لأدابه التي لخصها جابر بن عبد اللّه رضي اللّه عنه بقوله «إذا صمت فليصم لسانك وسمعك وبصرك وإلا فما صمت» وبينها الحديث الشريف «وإذا كان صوم يوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم» وفي لياليه المباركة يهرع المصلون إلى المساجد يستمعون آيات اللّه تتلى عليهم فتزيدهم خشوعا وإيمانا وفيه تكثف المحاضرات والمسامرات الدينية شارحة للناس طرق الهداية ومبينة لهم كيفية أدائها على الوجه الصحيح وهي لعمري قربات تشد المسلم إلى ربّه وتذكره بما عنده {وما عند اللّه خير وأبقى} كما أنها تقي من المعاصي إن مورست بصدق وإخلاص كما تفيد ذلك نصوص كثيرة منها قوله تعالى {إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر} والقرب من الله يقابل بضعفه يقول صلى اللّه عليه وسلّم فيما يرويه عن ربه «وإن تقرّب إليّ بشبر تقرّبت إليه ذراعا وإن تقرّب إليّ ذراعا تقرّبت منه باعا وإن أتاني يمشي أتيته هرولة» والتوبة المطلوبة من المسلم هي التي تستجيب لشروط ثلاثة سبق التمهيد لها وهي :
1 الندم على ما اقترف من ذنب وما اجترح من سوء ففي الحديث الشريف «الندم توبة» لأن في الندم كرها لتلك المآثم وتطهيرا للنفس من شوائبها وطلب الصفح عنها بكثرة الاستغفار والإنابة إلى اللّه وتقديم العمل الصالح أنى كان نوع هذا العمل فقد كان صلى اللّه عليه وسلّم يستغفر في اليوم أكثر من سبعين مرّة وهو المبرأ من الذنوب «واللّه إني لأستغفر اللّه وأتوب في اليوم أكثر من سبعين مرة».
وفي رواية مسلم مائة مرّة روي عن الحسن رضي اللّه عنه قوله «التوبة النصوح أن تبغض الذنب كما أحببته وتستغفر منه إذا ذكرته»
2 الإقلاع عنها في الحين : لأن في ذلك دلالة على الشعور بفظاعة ما ارتكب من سوء وعدم الرضا بما حصل من خطايا إبان جموح الشهوة وغلبة الهوى يقول اللّه تعالى {والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا اللّه فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا اللّه ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون}.
3 التصميم على هجرها وعدم العودة إليها أبدا كما لايعود اللبن إلى الضرع فهذه التوبة النصوح المطلوبة من المؤمنين والكفيلة بتكفير الذنوب ونيل الثواب {يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى اللّه توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفّر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار}. أما إذا كان الاعتداء يتعلق بحق إنسان مهما كانت منزلته فلا بد من رفعه عنه إن أمكن وإلا فبالتحلل منه وكثرة الذنوب وعظمها لا تصرف عن التوبة ولا تبعث على القنوط ما لم يكن شركا. {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لاتقنطوا من رحمة اللّه إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم}.
ففي الحديث القدسي «يا ابن آدم إنّك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك ولا أبالي، يا بن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم إنّك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة» ولا يفسدها ما قد يقع بعدها من خطإ فإنها تتجدد إثر كل معصية مع التقيد بشروطها وأمدها ينتهي عند النزع قال صلى اللّه عليه وسلم «إنّ الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر»
لأن شأن فاعلها في هذا الوقت شأن الكافر الذي مات على كفره فلن يُقبل منه عدد ولا صرف {إن الذين ماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء ا لأرض ذهبا ولو افتدى به أولئك لهم عذاب أليم وما لهم من ناصرين} وكيف تقبل توبة من فوّت على نفسه فرصة النجاة.
وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني ترتبت ا لآن ولا الذين يموتون وهم كفار، أو عند قيام الساعة كما تدل عليه عبارة «حتى تطلع الشمس من مغربها» في الحديث الآنف الذكر والمولى سبحانه يحب التوابين ويفرح بأوبتهم إليه {إنّ الله يحب التوابين ويحب المتطهرين} وفرحه بتوبة عبده يتجاوز فرح من وجد ضالته بعد عناء وطول بحث»لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم سقط على بعيره وقد أضله في أرض فلاة» وفرحه بهم وحبه لهم يعنيان رضاه عنهم وقبوله توبتهم وعملهم الصالح وإبدال سيئاتهم حسنات {إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل اللّه سيئاتهم حسنات وكان اللّه غفورا رحيما} فالمؤمنون بتوبتهم الخالصة كأن لم يذنبوا كما صرّح بذلك الحديث الشريف «التائب من الذنب كمن لا ذنب له».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.