مع رفض مجموعة ايكواس (حول حل أزمة النيجر) المقترح الذي تقدمت به القيادة الجديدة في النيجر والقاضي بالعبور بفترة انتقالية بثلاث سنوات قبل الوصول إلى الحل النهائي، يبدو أن الحل السلمي للأزمة قد تراجع خطوة ليتقدم الحل العسكري خطوات.. ذلك أن المجموعة الاقتصادية لدول غرب افريقيا التي تدير الحوار عبر «منظمة ايكواس» ليست في الميدان وحدها ولا تدير خيوط اللعبة بمفردها. وراء هذه الدول التي تحركها رغبة في إطفاء شرارة الثورات العسكرية التي كنست أنظمة مالي وبوركينا فاسو وأرست نظما ثورية باتت تهدّد عروش الكثير من الرؤساء الأفارقة الذين يستمدون شرعية بقائهم من خضوعهم للدوائر الغربية الاستعمارية التي تنهب خيرات شعوب القارة لقاء الدعم الذي تقدمه لأنظمة لا امتدادا شعبيا لها. لكن هذه الدول الافريقية التي باتت تلمّح باللجوء إلى الحل العسكري لإعادة الرئيس المخلوع في النيجر ليست بتلك القوة العسكرية التي تشجعها على المغامرة بتدخل عسكري سبق لسلطات النيجرومالي وبوركينا فاسو أن أكدت عزمها على مواجهته علاوة على رفض الجزائر القاطع لمثل هذا التدخل الذي سوف يخلخل الأوضاع الأمنية في بلد جار للجزائر ما سيجعل هذه الحرب تدور على حدود الجزائر بما يحمله ذلك من تهديدات ومخاطر أمنية. لكن هذه العوامل لا تكفي لتفسير سبب اندفاع دول غرب افريقيا نحو الحل العسكري مع علمها أن المغامرة غير محسوبة العواقب.. وعند هذه النقطة يبرز سبب آخر تُواريه بالكاد الدول الغربية وفي طليعتها فرنسا وهو يكفي لوحده لتفسير خفايا اندفاع مجموعة ايكواس نحو الخيار العسكري. هذا السبب يتمثل في موقف فرنسا خصوصا وهي التي توفر قرابة 80 ٪ من طاقتها الكهربائية بالاعتماد على اليورانيوم المستخرج من النيجر. وكذلك في مواقف العديد من الدول الأوروبية ومعها الولاياتالمتحدة التي ترى في صحوة قادة شعوب افريقيا وفي نزعتهم التحررية من هيمنة وتسلط الدول الغربية ومن تماديها في نهب خيرات ومقدرات القارة السمراء تهديدا مباشرا لمصالحها الاقتصادية ولبحبوحة العيش التي تتمرّغ فيها شعوب الدول النّاهبة لخيرات افريقيا فيما تقبع الشعوب الافريقية المنهوبة في الفقر والحرمان والتهميش وتئن تحت عبء المديونية وتعجز حتى عن توفير لقمة العيش لشرائح عريضة من شعوبها.. لتجد نفسها في الأخير عبارة عن دول فقيرة ضعيفة، مهمشة تتسوّل الرغيف والمساعدات ويباد شبابها في الهجرة غير النظامية في حين أنها ترقد على مناجم وخامات تجعلها أكثر الشعوب ثراء مثل دولة الكنغو الديمقراطية التي تنام على مناجم الذهب وتصنّف من أفقر دول القارة والعالم.. هذا الواقع المرير لا يتواصل نتيجة ضربات حظ أو نتيجة أوضاع متوارثة ما بعد الحقبة الاستعمارية، بل انه يتواصل بتخطيط مسبق من مستعمري الأمس ليجعلوا من خروجهم مجرّد إجراء شكلي يخادعون به الشعوب ليتواصل استغلالهم ونهبهم لثروات افريقيا تحت غطاء دول تسمى وطنية وتوصف بأنها مستقلة.. والحال أنها لا تمت للوطنية بصلة ولا تعرف للاستقلال طعما ولا رائحة.. ولا يزيد قادتها في كثير من الدول عن كونهم دمى تحرّكها الدول الغربية وتؤبّد من خلالها نهب خيرات ومقدرات القارة.. وقد بدأنا نسمع في الغرب نظريات وتبريرات من قبيل تلك التي ابتدعت لتبرير الحملات الاستعمارية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر ومفادها أن ثروات افريقيا هي ملك للغرب الذي ستتدهور أحواله وأحوال شعوبه بدونها.. وهو ما يجعل قدر افريقيا وقادة افريقيا خدمة «أسيادهم» في الغرب وإطلاق أيديهم في خيرات افريقيا. منظّرو هذه الأطروحة لا يترددون في الدفع نحو الخيار العسكري والتدخل المسلح في النيجر لإطفاء شرارة التحرّر والاستقلالية وتأميم الخيرات والثروات التي بدأت تعمر القيادات الشابة في افريقيا. لأجل كل هذا فإن المعركة ان حصلت لن تكون معركة النيجر فقط ولن تكون معركة افريقية افريقية بل سوف تكون معركة غربية افريقية مدارها ورهانها السيطرة على ثروات القارة وتأبيد تبعيتها للغرب.. أما شعارات الديمقراطية ورفض تغيير الأنظمة بالانقلابات العسكرية.. واما التباكي على حقوق الانسان في القارة فما هي إلا شعارات مزيفة من قبيل «المهمة التحضيرية (La mission civilisatrice) للرجل الأبيض» التي اتخذت مطية في القرن 18 للتمهيد للحملات الاستعمارية والتبشير بها.. وهي الحملات التي أخضعت القارة لعقود طويلة من الذل والقهر والاستغلال والاستعباد.. وهو ما تسعى الدول الغربية لديمومته من خلال التحريض على النيجر والتهديد بالتدخل العسكري لإعادة رئيس النيجر المخلوع.. عبد الحميد الرياحي