في زحْمة أخبار الزلزال المدمر الذي ضرب في المغرب الشقيق مخلفا آلاف القتلى والمصابين ومآسي مروعة ودمارا كبيرا في المنازل وفي البنية التحتية... في زخمة هذه الأخبار تسلل «اعصار دانيال» إلى ليبيا الشقيقة ليعصف بمدينة درنة وتسوّي ربعها بالأرض وليخلف خسائر بشرية هائلة فاقت حتى الآن خسائر زلزال المغرب، حيث بلغ عدد القتلى 5200 والجرحى يعدّون بالآلاف فيما يناهز المفقودون 10 آلاف.. وتتواصل عمليات البحث وسط الركام والأوحال عن ناجين محتملين أو عن جثث من جرفتهم المياه. وكما اعصار المغرب اثار اعصار «دانيال» الذي ضرب مدينة درنة الليبية حملة تعاطف عربية ودولية واقليمية كبرى.. وبرز وسط موجة المشاعر والتضامن والتعاطف مع اخوتنا في ليبيا الشقيقة جمعيات رياضية كبرى ذات صيت عالمي من عيار «ريال مدريد» الاسباني و«أستون فيلا» الانقليزي اللذين أصدرا بيانات دعم وتعاطف مع الشعب الليبي.. علاوة على حملة التعاطف التي شملت الكثيرين من اللاعبين الدوليين في البطولات الكبرى والذين برزوا بحسّهم الانساني المرهف ولم تجردهم أضواء الشهرة والمال من حسّهم الانساني ومن مشاعرهم المرهفة ازاء مأساة طبيعية من حجم الاعصار والزلزال. فهذه المشاعر النبيلة وهذه المواقف المساندة والداعمة للشعب الليبي وللشعب المغربي في هذه اللحظات الحرجة تدعونا للتوقف عندها لاستخلاص بعض الدروس والعبر. أولى هذه العبر هو ان لاعب الكرة يملك عقلا يميز به ويملك قلبا ومشاعر يحسّ بها. وهو أبعد من أن يكون ماكينة لجمع المال وجلب الأضواء وتكديس الألقاب.. وهذا درس للحكومات الغربية التي تحتاج في تعاملها معنا إلى أن تستعيد عقولها المخدرة في خزائن اللوبيات والمصالح.. وان تسترجع مشاعرها المحنطة لدى الدوائر الصهيونية.. وهذه وتلك عوامل تجعل الغرب يتعامل معنا باستعلاء واستكبار ولا يبحث في تعامله معنا إلا عن سبل اضعافنا وتدجيننا ومزيد استغلالنا واخضاعنا لمصالحه ولمصالح حلفائه الصهاينة. ولننظر إلى الضغوط الأمريكية والغربية على عديد الدول العربية وكيف ان هذه الدول أصبحت مجرّد أدوات تعمل لصالح احلال التطبيع بين الدول العربية التي لم تطبع بعد وبين الكيان الصهيوني في استهتار كامل بالحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني وفي طليعتها حقه في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف كما تنص عليه قرارات الشرعية الدولية. أما العبرة الثانية الكبرى التي يمكن استخلاصها فهي تتجه أيضا إلى ضمير ووجدان الغرب. هذا الغرب الذي يستعيد ضميره مع كل كارثة كبيرة تضرب هذا البلد أو ذاك مطالب بأن يعمل على استدامة صحوة الضمير وأن يدرك أننا شعوب تملك مشاعر وأحاسيس ولها مصالح وأحلام وطموحات وتعرف كيف تميّز بين الصديق والعدو.. وإذا ما وقف الغرب أمام المرآة فإنه سيجد نفسه أمام ضرورة بلورة سياسات دائمة تساعد دول الجنوب على صنع التنمية وتحقيق انسانية شعوبها في زمن السلم والهدوء كما في زمن العواصف والزلازل. وإذا ما احتذى الغرب بجمعياته الرياضية وبنجومه العالميين فإنه لن يترك المغرب وليبيا وحيدين في مواجهة كوارث من هذا القبيل.. كما انه سيتخلص من ازدواجيته المقيتة ومن انتهازيته القاتلة التي تظهره بوجهين: وجه متعاطف عند الكوارث ووجه حاقد زمن الهدوء والاستقرار. عبد الحميد الرياحي