من فضائل عملية طوفان الأقصى أنها كشفت إلى حد بعيد هوان العدو الصهيوني وضعفه وأن كل ما بناه من سرديات موهومة حول تفوقه العسكري والاستخباراتي والأمني لم يكن سوى دعايات مضلّلة أثبتت زيفها عمليات المقاومة الفلسطينية التي قادتها سواعد مؤمنة بعدالة القضية المركزية للعرب ونبلها رغم خذلان أبناء الأمة التي أعادت إليهم الانتصارات الأخيرة بعضا من النخوة المفقودة في السنوات الأخيرة التي زرعوا فيها العملاء والفوضى في دولنا العربية تحت مسمى الربيع العربي الذي لم يكن سوى ربيعا عبريا يهدف إلى تقوية شوكة إسرائيل وإضعاف العرب. وفي الحروب لا تكفي عادة الدبابات والصواريخ والراجمات والبنادق لحسم المعارك بل هناك أسلحة أخرى استراتيجية قادرة على قلب الموازين متى أحسنّا توظيفها وأهمها الإعلام والصورة والتي نجحت فيها المقاومة إلى حدّ بعيد بعد الفيديوهات التي روّجتها عن اقتحام المستوطنات وأسر الجنود والقيادات العسكرية وقصف المدن الإسرائيلية في مشاهد استعادت معها الشعوب العربية ذكرى العبور وانتصارات 6 أكتوبر 1973 وتركت في المقابل ندوبا وانكسارات لن تمحى من ذاكرة الصهاينة رغم ما يمارسونه من تدمير وتقتيل ممنهج ومحاولة إبادة للبشر والحجر في غزة مدفوعين بضوء أخضر غربي لا يقيم وزنا للإنسان العربي. ويحاول الإعلام في بعض الدول الغربية في هذه المعركة لعب دور قبيح يساوي فيه بين الجلاد والضحية بل ويقلب الأدوار في عملية فجّة تثبت تحكّم اللوبي الصهيوني في مفاصله فإذا به يسوّق الغاصب المحتلّ للأراضي كضحية لهجمات إرهابية متناسين كل الجرائم التي مارسها الصهاينة منذ أكثر من سبعة عقود ومازال يمارسها إلى اليوم دون رقيب ولا حسيب بل وأطلقت عديد العواصم الغربية يده ليمارس المزيد من التقتيل والتهجير في حرب إبادة واضحة المعالم. والأنكى أن جزءا من الإعلام الغربي المنحاز أصبح أكثر صهيونية من الصهاينة أنفسهم إذ بينما تنتقد بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية بشدّة أداء حكومة بنيامين نتنياهو وخياراته فإن هذه الفئة بالتحديد تصرّ على تسويق سردية واحدة تصوّر الفلسطينيين كقطعان إرهابيين بخطاب يقطر عنصرية وبضيوف ومحللين موجّهين للترويج لأكذوبة واحدة داخل الرأي العام الغربي. ويعمد هؤلاء المتشدقون بالمهنية والموضوعية على تجاهل كل ما يقوم به الجيش الصهيوني من مجازر في غزة التي يقصفون فيها المباني والمساجد والمدارس ويقتلون فيها الأطفال والنساء والشيوخ ويضربون عليها حصارا شاملا دون ماء ولا غذاء ولا وقود ولا دواء ولا يفرقون بين مدني ولا عسكري دون أن يحرّك ذلك ضمير ذلك الإعلام المتصهين بالذات الذي يدّعي انتماءه للإنسانية والدفاع عن حقوق الإنسان الكونية زورا وبهتانا بينما أسقطت عنه هذه الحرب كل الأقنعة. هاشم بوعزيز