رغم دقة الظرف الإقليمي واندلاع صراعات كبرى الأعوام الأخيرة غداة جائحة كوفيد- 19 بما أنهك أسواق المال وعملات دول عديدة، حافظ الدينار على تماسكه مقارنة بالعملات المرجعية الأجنبية، اذ تشير المعطيات الصادرة اليوم 1 مارس 2024 عن البنك المركزي التونسي الى تحسن سعر صرف الدينار مقابل الدولار واليان الياباني وذلك على التوالي بنسبتي بنسبة 0.87 بالمائة و8.49 بالمائة في حين تشهد العملة الوطنية استقرارا امام الأورو الذي يتداول بقيمة 3.38 دينار. وتؤكد السلاسل الإحصائية لمؤسسة الاصدار صلابة الدينار أمام العملات الأجنبية، رغم الهزات التي يمر بها القطاع الخارجي، إقليميا ودوليا. ونجحت البلاد منذ عام 2019 في الحفاظ على استقرار العملة الوطنية، إذ لم تشهد وضعية الدينار تغييراً كبيراً مقارنة بالعملات الأجنبية، وخصوصاً الدولار الأمريكي. وحسب اخر البيانات الصادرة عن "غوغل فاينانس" وموقع "فوربس" المنشورة في 12 فيفري الفارط، فقد احتل الدينار المركز الأول في ترتيب العملات الافريقية مقارنة بالدولار قبل عدة عملات لدول افريقية صاعدة. في جانب اخر، عانى الدينار طيلة أعوام من صدمات عديدة حيث كانت رحلة انخفاض سعر العملة الوطنية قد بدأت عقب الاضطرابات المختلفة المسجلة بعد 2011، إذ مر بجملة من التقلبات المتسارعة شهد فيها تراجعا قياسيا مما أفقده حوالي 40 بالمائة من قيمته في ظرف وجيز. وبعدما كان سعر الدولار قبل عام 2011، لا يتجاوز 1.33 دينار في 2010 صعد إلى 1.51 دينار في 2012، ثم إلى 1.66 دينار في 2013، ليصل إلى 1.72 دينار في 2014. غير ان المنعرج الحاسم في رحلة تهاوي الدينار كان عام 2015، إذ تراجع سعره إلى 1.93 دينار مقابل الدولار ثم 2.2 دينار في 2016 و2.42 دينار في 2017 ليصل إلى أدنى سعر له وهو 3.02 دنانير في 2019. لكنه منذ عام 2019 حافظ الدينار على الوضعية نفسها تقريباً رغم الأزمات الكبيرة التي مر بها العالم، ومن بينها خصوصاً أزمة كورونا ثم الحرب الروسية - الأوكرانية. وتكشف عدة معطيات أسباب صمود الدينار في وجه العملات الأجنبية، في ظل سياق اقتصادي إقليمي ودولي يتميز بعدم الاستقرار أبرزها يتعلق بالنمو الهام الذي عرفته تحويلات التونسيين في الخارج في السنوات الأخيرة، جعلت منها المصدر الأول للعملة الأجنبية، إضافة إلى انتعاش السياحة وتحسن مداخيلها مما ساهم في الاستقرار الملحوظ للعملة الوطنية. وتجاوزت تحويلات المغتربين التونسيين حسب الأرقام الرسمية ما يعادل 2.26 مليار دولار في 2023 وغطت 65 بالمائة من الدين الخارجي، وساهمت في زيادة مدخرات البلاد من النقد الأجنبي، فيما بلغت إيرادات السياحة نحو 2.2 مليار دولار. في مستوى مواز، اتبعت البلاد خلال السنوات الأخيرة سياسة نقدية متشددة، وهو ما قد يكون من بين الأسباب التي ساهمت في عدم تهاوي العملة الوطنية أكثر إذ لجأ البنك المركزي التونسي إلى رفع نسبة الفائدة المديرية خمس مرات متتالية في السنوات الأخيرة لكبح نسبة التضخم التي تجاوزت 10 بالمائة قبل 2022، ما ساهم في تراجعها إلى مستوى 7.8 حالياً. ولمنع نزيف العملة والحفاظ على قيمة الدينار، مارس البنك المركزي التونسي سياسة تقييدية على الواردات جعلت احتياطي النقد الأجنبي موجهاً لاستيراد المواد الأساسية ودفع أقساط الديون الخارجية. الأخبار