في زاوية من زوايا التاريخ العربي الحديث، تبرز شخصية ناجي العلي كواحدة من أعظم الأيقونات في عالم الفن الكاريكاتيري والنضال السياسي. وُلِد ناجي العلي عام 1937 في قرية الشجرة الفلسطينية التي سرعان ما تم اقتلاعها مع نكبة 1948، ليبدأ رحلة اللجوء التي شكّلت هوية أعماله ورسخت مواقفه السياسية. عاش في مخيم عين الحلوة بلبنان، حيث تفتح وعيه على واقع اللجوء والاحتلال، ليصبح فيما بعد صوتًا للعرب المنكوبين وضميرًا حيًا للقضية الفلسطينية. بدأ العلي مسيرته الفنية في ستينيات القرن الماضي، حيث اكتشفه الكاتب الفلسطيني غسان كنفاني ونشر أولى رسوماته. منذ تلك اللحظة، أصبح الكاريكاتير أداة ناجي العلي الأبرز في توصيل رسالته، ليصبح اسمًا مألوفًا في كل بيت عربي. من خلال خطوطه البسيطة ورموزه العميقة، تمكن العلي من نقل معاناة الشعب الفلسطيني وإيصال رسائل قوية ضد الاستبداد والظلم، سواء من الأنظمة الحاكمة أو من الاحتلال الإسرائيلي. من بين رموزه التي لا تُنسى، تأتي شخصية "حنظلة"، الطفل الفلسطيني ذو العشر سنوات، الذي أصبح رمزًا للمقاومة والصمود. ظهر حنظلة في رسومات العلي كطفل صغير يدير ظهره للمتفرج، رافعًا يديه بتعابير بسيطة تحمل في طياتها كثيرًا من الألم والتحدي. بالنسبة الى العلي، كان حنظلة رمزًا للاستمرار في النضال حتى استعادة الحق والكرامة. لم تكن مسيرة ناجي العلي خالية من المخاطر، بل دفع ثمن شجاعته ومواقفه المبدئية غاليًا. ففي 22 جويلية 1987، تعرض ناجي العلي لمحاولة اغتيال في لندن، حيث أصيب برصاصة في الرأس أودت بحياته بعد حوالي شهر في 29 أوت 1987. ظل رحيله جرحًا مفتوحًا في الذاكرة العربية، حيث لم يتم القبض على الجاني، ليظل اغتيال ناجي العلي لغزًا تحوم حوله الكثير من التساؤلات. بموت ناجي العلي، خسر العالم العربي صوتًا مميزًا وجريئًا، لكن إرثه الفني والفكري ما زال حيًا. كل رسمة من رسوماته تحمل رسالة خالدة، كل خط فيها يحكي قصة نضال شعب لم ينكسر. لقد أثبت ناجي العلي أن الفن يمكن أن يكون سلاحًا في وجه الظلم، وأن ريشة الفنان قد تكون أقوى من الرصاص في إيصال الحقيقة وكشف المستور. إن ذكرى ناجي العلي ليست مجرد ذكرى لفنان عظيم، بل هي استحضار لقضية عادلة ما زالت تبحث عن حلول. ستبقى رسوماته محفورة في الذاكرة، تذكرنا بأن النضال مستمر، وبأن الحرية تستحق كل تضحية. الأخبار